أحمد عبدالله جلاب وسط مهرجانات الهوية في المدن والقرى( لندن-بارا -كرمكول ونيويورك) 

أحمد عبدالله جلاب وسط مهرجانات الهوية في المدن والقرى( لندن-بارا -كرمكول ونيويورك) 
  • 07 ديسمبر 2017
  • لا توجد تعليقات

د. عبدالله جلاب 

سيشارك أحمد عبدالله جلاب وفرقته الموسيقية Sinkane في مهرجان كرمكول الثقافي الضخم الذي أعدت له كل من منظمة اليونسكو ومعهد جوته والوكالة السويسرية للتطور والتعاون والصندوق الدولي لترقية وظيفة الثقافة والذي يستمر على مدي ثلاثة أسابيع بداية بمنتصف هذا الشهر.

ووفق ما جاء من خبر من منظمي المهرجان بأنه هو الأول من نوعه إذ يجمع ما بين المعرض السوداني الثقافي وفنانين من سودانيي المهجر وآخرين من الداخل، مشاركين فنانين عالميين، في ورش عمل وعروض ثقافية متنوعة تضم الموسيقى والسينما والمسرح والآداب.

وبقدر ما يعرض المهرجان مسالة الثقافة السودانية في أبعادها وتنوعها فهو يعرض أيضا والعالم شهود في أرقى ممثليه القائمين بأمر الثقافة من فنانين سودانيين وعالميين مشاركين في المهرجان ومنظمات مثل اليونسكو ومن معها من منظمات أخرى العمق التاريخي الذي يقوم عليه السودان كتجربة إنسانية تتجاوز التاريخ والجغرافيا، وما تواصل في ذلك من أثر ومن ما يتواصل من أحوال وتجليات ثقافية تجاوزت المكان لتعطي الزمان ما جادت به تجربة جموع وأفراد السودانيين الثقافية.

هنا وبلا شك قد يرد أول ما يرد الى الذهن العام والخاص أن كرمكول وهي مسقط راس الطيب صالح والذي جعل منها بقعة ثقافية مضيئة تأملها وظل يتأملها العالم في الجامعات والمكتبات وجموع وأفراد يجيدون القرآءة على طول وعرض العالم. بدأ ذلك ذات يوم من موقع الطيب في لندن حيث كان هو من أوائل سودانيي دياسبرا القرن العشرين.

واليوم يأتي أحمد جلاب الذي ولد في لندن الى كرمكول كواحد من شباب الديسبرا السودانية الجدد من نيويورك ليقدم واقعاً جديداً تتداخل فيه الهويات الصغيرة مع تلك الكبيرة لتحكي لنا وللعالم كيف تتسع تلك الهويات لتجد أمكنة هامة في إطار الزمان الثقافي والقيم الكبرى لإنسانية جديدة هي من تجليات واقع العولمة وما أعطى الجماعات العاملة في إطار الجهد الإنساني من هويات جديدة تجاوزت الهويات الصغرى وان احتوت الهويات الأولى.

هنا يتجلى لنا النموذج الجديد لسودانيي المهجر الذي اتسع ليشمل ما يقارب ثلث عدد المواطنين السودانيين. جاءوا يحملون همومهم وأولادهم وخرج من رحم تلك التجربة من تعالوا على الآلام ليعطوا مجتمعاتهم الجديدة والبشرية ما يعلي من مقام هويتهم الموروثة والمكتسبة.

أول ما جاءني من أخي جابر عبدالله معروف وهو من المهتمين جدا بأصول اهلنا الذين هم من المكون الأساسي لما نتعرف عليه جميعنا “بناس بارا” عندما ذكرت له بان أحمد سيشارك في مهرجان كرمكول الثقافي أن قال لي أن كرمكول هي بلد الطيب صالح وبها قبة ودبوبا، مشيراً الى أصل اهلنا الذين توافدوا من ذلك المكان ذات يوم الى بارا وثم انتشروا في كردفان شمالها وجنوبها ليكونوا بعضاً عضوياً من المكون الاجتماعي والاقتصادي والزراعي لكردفان ومن ثم السودان.

كردفان وتجربتها الانسانية تمثل جزءا أساسياً في هويتنا كسودانيين بما أعطت في إطار المكون السوداني. وقد فاجأني أحمد جلاب ذات يوم عندما عرض على واحدة من أعماله الموسيقية التي أسماها كردفان كما عرض على مرة أخرى عملاً آخراً اسماه أم درمان. والذين يعرفون أم درمان يعرفون ايضا أن بارا وأهلها هم جزء هام من المكون الاجتماعي لأم درمان منذ الوجود الأول لأمدرمان عاصمة الثورة السودانية الكبرى ومن ثم المركز الشعبي والثقافي للسودان.

هنا كان لابد لي من أن أتأمل جلياً عندما يصل أحمد جلاب الى بارا في الأيام القادمة كيف لمهرجانات الهوية تلك أن تتداخل في بعدها الإنساني لتجعل من كل تلك الامكنة منابر مشرقة للجهد الإنساني السوداني في تعظيمه، وهو أن الهوية السودانية هي تلك التجربة الإنسانية، التي هي أعمق من التاريخ وأوسع من الجغرافيا، الأمر الذي ظل وسيظل يقف شامخاً ضد كل ما يقع في إطار من يسعى بالسودان بمحاولات تقزيمه.

الكاتب: أستاذ بجامعة ولاية اريزونا بالولايات المتحدة الأميركية

abdullahi.gallab@asu.edu

التعليقات مغلقة.