القضية النوبية : قراءه منهجيه لأسسها الفكرية

القضية النوبية : قراءه منهجيه لأسسها الفكرية
  • 22 سبتمبر 2018
  • لا توجد تعليقات

تمهيد:

تتناول الدراسة الأسس الفكرية للمواقف المتعددة من القضية النوبية ، وهى : الموقف الأول :  هو موقف الدمج أو الاذابه ، الذي يرى أن حل القضية النوبية يقوم على دمج الشخصية الحضارية النوبية الخاصة في شخصيه حضاريه عامه وإذابتها فيها ،  ويستند إلى مذهب الإلغاء ( الوحدة المطلقة) ، وهو المذهب الذي ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية ، وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التي تناهض علاقة الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء الأخرى ، ومن هذه المذاهب : مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني، مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي، مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الاسلامى ، مذهبي اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الزنجي . أما  الموقف الثاني فهو موقف الفصل او الانفصال ، الذي يرى أن حل القضية النوبية ، يقوم على فصل الشخصية الحضارية النوبية الخاصة ،عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة ، وانفصالها عنها ، ويستند هذا الموقف إلى مذهب الإطلاق ( التعدد المطلق)، وهو المذهب الذي يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية ، إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ، ويستند هذا المذهب – إيديولوجيا – إلى مذهب الاستناد إلى المذهب الماركسي التقليدي في علاقات الانتماء، ومذهب الفردية المطلقة (الليبرالية التقليدية).

أما الموقف الثالث فهو موقف التمييز والارتباط الذي يرى أن حل القضية النوبية يقوم على الربط بين الشخصية الحضارية النوبية الخاصة والشخصيات الحضارية العامة (الوطنية ، القومية ، الدينية …)، مع تمييزها عنها ، ويستند هذا الموقف على مذهب التحديد والتكامل ( الوحدة والتعدد) ،هو المذهب الذي يؤكد علاقة الانتماء النوبية ، بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه، قوميه، دينيه…).

الموقف الأول : الدمج (الاذابه): 

الموقف الأول يرى أن حل القضية النوبية يقوم على دمج الشخصية الحضارية النوبية الخاصة،  فى شخصيه حضاريه عامه وإذابتها فيها ،  ويستند هذا الموقف الى مذهب الإلغاء ( الوحدة المطلقة ) : وهو المذهب الذي ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية ، وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، وهو يستند في ذلك إلى فكره مضمونها-على المستوى الاجتماعي- أن  الوجود العام يلغى الوجود الخاص، وبالتالي فان تقريره لوجود عام معين(وطني، قومي، ديني، قاري…) يترتب عليه إلغاء الوجود الخاص النوبي. كما أن مضمونها – على المستوى الفردي- أن تقرير علاقة انتماء معينة – خلاف علاقة الانتماء النوبية – يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى – بما فيها علاقة الانتماء النوبية ، فهو يقوم على مناهضه علاقة  الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء الأخرى ، ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التي تناهض علاقة الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء الأخرى ، ومن هذه المذاهب :

ا/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني:

فهناك مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني، وهو يستند في ذالك إلى فكره مضمونها – على المستوى الاجتماعي – أن الوجود العام الوطني يلغى الوجود الخاص القبلي والشعوبي ،ومنه الوجود الشعوبي النوبي ، كما أن مضمونها – على المستوى الفردي- أن تقرير علاقة الانتماء الوطني السوداني للقبائل النوبية الموجودة في السودان ، أو علاقة الانتماء الوطني المصري للقبائل النوبية الموجودة في مصر ،يترتب عليه إلغاء علاقة الانتماء الشعوبي النوبي ، فهو يتجاهل حقيقة أن الوجود الأول هو أضافه إلى وليس انتقاص من الوجود الأخير ، وهذا المذهب يعتبر شكل من إشكال الشعوبية على المستوى الوطني.

ب/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي:

وهناك مذهب  مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي ، الذي يستند إلى فكره مضمونها – على المستوى الاجتماعي- أن الوجود العام القومي يلغى الوجود الخاص الشعوبي النوبي. كما إن مضمونها – على المستوى الفردي – أن تقرير علاقة الانتماء القومي يقتضى إلغاء علاقة الانتماء الحضاري التاريخي الشعوبي النوبي، ومن ممثلي هذا المذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذي يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض  وإلغاء،  استنادا إلى إن النوبيين ليسوا سلاله عرقية لعرب الجاهلية، ووجه الخطأ في هذا المذهب يكمن في انه يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ،  ومرجع ذلك انه يخلط بين  العرب في الطور القبلي( ما يقابل الأعراب في القرآن)، وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي  قومي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم. حيث أن مناط الانتماء في الطور الأول النسب، بينما مناط الانتماء في الطور الثاني اللسان.كما انه بخلط بين معيار الانتماء الأسرى والعشائري و القبلي (العنصر) ومعيار الانتماء القومي(اللسان)، فهو يتجاهل التطور خلال الزمان.

كما أن هذا المذهب يقوم يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهو مفهوم غير حقيقي إذ لا يوجد جنس لم يختلط بغيره.كما أن هذا المذهب يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض وإلغاء احتجاجا باللغة النوبية، في حين أن استعمال اللغات الخاصة– لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية  المشتركة في كل الأمم.

ج/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الاسلامى:

وهناك المذهب الذي يرى أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه (ومنه الوجود الحضاري الشعوبي النوبي) ،وأن تقرير علاقة الانتماء الإسلامية ، التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري، يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية الحضارية (ومنها علاقة الانتماء النوبية)، فالإسلام كدين وحضارة وكانتماء يحدد فيكمل ويغنى ولكن لا يلغى الوجود الحضاري السابق عليه وعلاقات الانتماء الأخرى، وإيه هذا انه اعتبر العرف مصدرا من مصادر الشريعة التبعية.

د/ مذهبي اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الزنجي:

وهناك مذهبي اذابه الانتماء النوبي في الانتماءين الافريقى أو الزنجي، وإلغاء خصوصيته كانتماء حضاري تاريخي . ومرجع الخطأ في هذين المذهبين أنهما أولا: يخلطان بين الانتماء النوبي الذي هو في الأصل علاقة انتماء حضاري تاريخي، والانتماء الإفريقي الذي هو في الأصل علاقة انتماء جغرافي قاري، و الانتماء الزنجي الذي هو في الأصل علاقة انتماء عرقي ، حيث أن تقرير إفريقيه الحضارة النوبية والجماعات الشعوبية النوبية  يجب إن  يلازمه تقرير إن علاقة الانتماء الافريقيه هي علاقة انتماء جغرافي قاري، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي ايجابي أو سلبي، بمعنى إن إفريقيا ليست وحده اجتماعيه حضاريه ، إذ أنها تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها (تفاعل مجتمعاتها مع ذات الطبيعة الجغرافية) إلى أن تكون أمه واحده.. كما أنها ليست علاقة انتماء عرقي إذ يوجد في قارة إفريقيا الحاميين (كسكان إفريقيا جنوب خط الاستواء) والحاميين/ الساميين (كالسودانيين ككل والنوبيين على وجه الخصوص، والارتريين، والصوماليين ،والإثيوبيين…) والسامين (كالعرب شمال القارة) والآريين (كالأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها…).  كما أن تقرير زنوجه أو حاميه الجماعات الشعوبية النوبية يجب إن يلازمه تقرير أنها زنوجه وحاميه مختلطة او نسبيه وليست زنوجه خالصة أو مطلقه، فقد تعددت الآراء حول أصل النوبيين، احد هذه أراء  يقول بان أصلهم زنجي-حامى، بينما هناك أراء أخرى تقول بان أصلهم غير زنجي- سامي (مصري، اسيوى (قوقازى)، شمال- افريقى (نوبادى)…) ، والراى الراجح هو أن للنوبيين أصول متعددة متفاعلة بعضها زنجي (حامى) وبعضها غير زنجي (سامي) ، بالاضافه إلى تقرير أن ألزنوجه هي  استجابة فسيولوجية لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب التمييز العنصري) أو ايجابيه(كما يدعى أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى أن الزنوج ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم.  فضلا عن ان  لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، فقد ثبت أن هناك الكثير من الجماعات القبلية والشعوبية والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية لغويه ، بينما لا علاقة عرقيه فضلا عن علاقة اجتماعيه أو حضاريه بينها كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس الارى.

الموقف الثاني : الفصل ( الانفصال ) :

أما الموقف الثاني فيرى أن حل القضية النوبية  يقوم على فصل الشخصية الحضارية النوبة الخاصة، عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامه ، وانفصالها عنها .  ويستند هذا الموقف الى مذهب الإطلاق ( التعدد المطلق) ،وهو المذهب الذي يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية ، إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ، فهو يستند إلى فكره مضمونها – على المستوى الاجتماعي- محاوله تحويل الجزء إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ، كما أن مضمونها – على المستوى الفردي- أن تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية ألمعينه دليل على تعدد الشخصيات الحضارية تعددا مطلقا (اى القول بوجود شخصيات حضاريه قائمه بذاتها ومستقلة عن غيرها) ونفى وجود شخصيه حضارية واحده عامه تحدد ولا تلغى الشخصيات الحضارية الخاصة (التعدد المطلق). أو أن تقرير علاقة الانتماء النوى يترتب عليه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية(الوحدة المطلقة). فهذا المذهب هو شكل من أشكال الشعوبية على المستوى ما دون الوطني( الشعوبية النوبية )، فهذا المذهب يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطنية السودانية التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية ( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة…) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانية ككل . كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل ذات الأصول النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل بالمصاهرة اغلب القبائل ذات الأصول العربية في شمال ووسط السودان ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركز النوبي باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه. كما أن العنصر النوبي يمتد فيشمل بالهجرة بعض القبائل ذات الأصول غير العربية في دارفور وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبة)كما أن هذا المذهب يرى أن  تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء القومية والدينية،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. وبدل على هذا:

· دخول النوبيين في الإسلام.

· اتخاذهم للغة العربية كلغة مشتركه مع احتفاظهم باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة.

·  دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه حيث نلاحظ أن انتشار الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين  الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوة إذ كان معظم العرب الوافدين  في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء في هذه المرحلة ترجع أصولهم إلى هذا العنصر(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15،ص20) (فضل الله احمد عبد الله، دولة ستار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136).

· تسمى النوبيين بالأسماء العربية مع احتفاظهم بألقاب نوبيه ، وهذه الظاهرة لم تظهر في العصور ألحديثه بل ترجع إلى العصور القديمة ، حيث تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى ، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر  في منطقة مينارتي ـ شمال دنقلة ـ على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/ 927م.

فهذا المذهب يتجاوز الدعوة (المشروعة) إلى محاربه مذهب العصبية القبلية العربية الذي يقصى الجماعات ذات الأصول العرقية غير العربية،أو المذهب التقليدي (والذي يناقض الإسلام كدين) والذي يلغى الوجود الحضاري السابق على الإسلام ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية النوبية ، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب،مذهب الاستناد إلى المذهب الماركسي التقليدي في علاقات الانتماء : وهناك المذهب الذي يستند الى المذهب الماركسي التقليدي في دراسة علاقات الانتماء ، الذي يلغى كل علاقات انتماء الشخصية الأخرى ، لأن انتماء كل إنسان إنما يكون إلى طبقته، وان شخصيه كل إنسان هي شخصيه طبقته استنادا إلى المقولة المنهجية المادية القديمة أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما. فهو يلغى علاقة الانتماء الدينية للشخصية النوبية استنادا إلى الموقف الماركسي المادي السلبي من الأديان.كما يلغى علاقة الانتماء القومية للشخصية النوبية استنادا إلى التحليل الماركسي الستالينى الذي يربط بين القومية والراسماليه ذات الجوهر العدواني(نتيجة لتعاصر النمو الراسمالى والنمو القومي في أوربا) ، وبالتالي يربط بين القومية والعدوان ، ويدعو إلى استبدال علاقة الانتماء القومي إلى أمه إلى علاقة انتماء اممى إلى الطبقة العاملة.  غير ان هذا المذهب يقوم على استبدال الصراع الاممي بين الطبقة البرجوازية السائدة والطبقة العاملة المسودة في ظل النظام الراسمالى، بالصراع القبلي  والشعوبي بين الجماعات القبلية  والشعوبية السائدة والجماعات القبلية المسودة ، ليهبط  بالماركسية من الامميه إلى القبلية، ومن الانسانيه إلى العنصرية .

مذهب الفردية المطلقة (الليبرالية التقليدية):

ومن اهم ممثلي مذهب التعدد المطلق – على المستوى العالمي-  الليبرالية التي هي في الأصل فلسفه فرديه ترى (استنادا إلى فكره القانون الطبيعي الذي مضمونه أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الفردية ) أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود المجتمع ذاته. وهى بهذا تتطرف في تأكيد وجود الفرد إلي درجه تلغى فيها وجود الجماعة،فالفلسفة الليبرالية تقوم على التعدد المطلق على مستوى السياسي الاجتماعي ، وعلى مستوى الهوية ، بتأكيدها على حرية الأفراد والجماعات القبلية والشعوبية المكونين للمجتمع على حساب وحده المجتمع والدولة كممثل لهذه الوحدة ، مما يؤدى إلى إلغاء أو إضعاف علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة(بما فيها علاقة الانتماء الأسرى) ، فيصبح انتماء الفرد إلى ذاته وولائه إلى مصلحته.كما يؤدى إلي إلغاء المساواة كما هو ماثل في تجربه المجتمعات الغربية،وقد يؤدى إلى الفوضى (تفكك الدولة،الانهيار الاقتصادي) كما هو ماثل في تجربه مجتمعات العالم الثالث.ورغم أن الليبرالية تقر بالامه كوحدة تكوين اجتماعي  – وان كانت تنظر إليها كوجود طبيعي(خالد) وليس كطور تكوين اجتماعي هناك أطوار سابقه عليه وستكون في المستقبل أطوار لاحقه عليه – إلا أنها في المنطقة العربية ككل كانت تكرس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الوطني(الاقليمى)، واستبدال الانتماء القومي بالانتماء الوطني،  لتصبح ذات مضمون شعوبي مرتد إلى مرحله الطور الاجتماعي السابق. (د.عصمت سيف الدولة،عن العروبة والإسلام، ص422). ومرجع ذلك أن الاستعمار(القديم والجديد) الذي هو احد إفرازات الراسماليه كنظام ليبرالي في الاقتصاد هو الذي اوجد التجزئة ويحرسها.كما أن الليبرالية في المنطقة الاسلاميه ككل تكرس للتغريب الذي هو قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية كقاعدة نفسيه لازمه لنمو الولاء للنظام الليبرالي الفردي الراسمالى العلماني…على حساب الولاء للنظام الاسلامى، ومرجع ذلك أن الحل الليبرالي لمشكله العلاقة بين الدين والدولة هو العلمانية(فصل الدين عن الدولة. (ما سبق من تحليل يفسر تأييد بعض الشخصيات و التيارات الليبرالية للدعوات الانفصالية في المناطق النوبية وغيرها من المناطق، أو تبنى بعض الدعوات الانفصالية  النوبية لليبراليه كايديولوجيه.

مفهوم تقرير المصير والخلط بين الامه والشعب :

هذا الموقف يستند إلى مفهوم تقرير المصير، دون أن ينتبه  إلى أن مفهوم تقرير المصير بصيغته الواردة فى ميثاق الأمم المتحدة،  يقوم على  الخلط بين مفهومي الامه والشعب ،  ففي البدء كان تقرير المصير نظريه مؤداها أن لكل أمه الحق في أن تكون لها دوله قوميه.أما على مستوى القانون الدولي فقد كان هناك ما يسمى بحق الفتح ،وبمقتضاه تؤول ملكيه الشعب المغلوب إلى الدولة الغالبة فى الحروب الاستعمارية، وكان ذلك مشروعا ومصدرا للشرعية .ثم أصبح تعريف حق تقرير المصير وتعيين أشكاله احد المشاكل الرئيسية التي تواجه القانون الدولي وذلك نسبه إلى التعسف الذي صاحب استعماله عقب مناداة الرئيس الامريكى ولسن به خلال الحرب العالمية الأولى .( د.عائشة راتب، مشروعيه المقاومة المسلحة، ص37).فقد جرى العمل في عصبه الأمموبعد قيام الأمم المتحدة على إعطاء هذا الحق للجماعات التي رغب المجتمع الدولي في الاعتراف بها كأمم مستقلة، وذلك من خلال تعريف الأمم بأنها جماعات لها أهليه وقدره على التمتع بالاستقلال وممارسته ، وبالتالي تم الربط بين الامه والشعب (المصدر السابق،ص( 40. وبهذا أصبحت اى جماعه تسمى أمه أو لا تسمى لا تبعا لتكوينها التاريخي ولكن تبعا لما إذا كانت الدول الكبرى تريد أو لا تريد ان منحها من عندها حق اقامه دوله .استمر الخلط بين الأمم والشعوب في ميثاق الأمم المتحدةمما أدى إلى أن تختار الدول الكبرى التفسير الذي يعجبها عندما تمنح الناس حق تقرير المصير.وتجدد الخلاف حول معنى الامه والشعب عند النظر المشرعات الأولى لاتفاقات حقوق الإنسان، فقد تضمنت هذه الاتفاقيات عبارة كل الشعوبوالأمم لها الحق الجماعي في تقرير المصير، وبالإبقاء على كلمه شعب أصبح من الممكن ان يسمى اى جزء من امه شعبا.وأخيرا قامت اللجنة الخاصة التاسعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بحذف كلمه أمه من مشروع لجنه حقوق الإنسان فى ديسمبر 1955 ولا تشير تلك الاتفاقيات الآن إلا إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها.(د.عصمت سيف الدولة ، الطريق،دار الوحدة، بيروت ، ص124-128)

الموقف الثالث:

التمييز والارتباط (الوحدة والتعدد): أما الموقف الثالث فيرى إن حل القضية النوبية يقوم على الربط بين الشخصية الحضارية النوبية الخاصة والشخصيات الحضارية العامة (الوطنية القومية الدينية …)، مع تمييزها عنها ، ويستند هذا الموقف على مذهب التحديد والتكامل ( الوحدة والتعدد) ،هو المذهب الذي يؤكد علاقة الانتماء النوبية ، بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه، قوميه،دينيه…)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية ، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية ،دون  إن تنفرد بتمثيلها. وهذا المذهب يستند إلى فكره مضمونها- على المستوى الاجتماعي- أن الوجود الحضاري العام لا يلغى الوجود الحضاري الخاص بل يحده فيكمله و يغنيه. كما أن مضمونها – على المستوى الفردي – أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة هي علاقة تكامل، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء النوبية لا يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى . وفيما يلى نتناول الأسس الفكرية لهذا الموقف :

تعريف الشخصية الحضارية النوبية : إن الشخصبه الحضارية النوبية هي شخصيه حضاريه خاصة ، تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه، قوميه، دينيه…)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية فى السودان ومصر، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون إن تنفرد بتمثيلها.

طبيعة الحضارة النوبية :  إن الحضارة النوبية هي حضارة شعوبيه ، وليست حضارة قبليه او قوميه، اى أن النوبيون هم شعب تجاوز الطور القبلي ، واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة، ويمكن التدليل على صحة هذا الراى بالرجوع إلى تاريخ الحضارة النوبية ومراحل تطورها ، حيث انه بتحول النوبة بكاملها إلى الإسلام اعتبارا من العام 1400م، كان الطور الشعوبي قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي النوبى، ولكن هذا لا يعنى ان الوجود الحضاري الشعوبي النوبي قد انتهى ، بل تحول من وجود حضاري كلى عام ، الى وجود حضاري جزئى خاص، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام : وطني (سوداني أو مصري ) ، أو قومي (عربي)، أو ديني (اسلامى)،… مع ملاحظه ان الوجود الاجتماعي – الحضاري النوبي الخاص  قد عانى لاحقا من تخلف النمو الحضاري نتيجة لعوامل داخليه (كالجمود، التقليد.).. وخارجية (كالاستعمار…( متفاعلة (شانه شان الوجود الاجتماعي الحضاري العام ” الوطني والقومي …” ).

طبيعة اللغة النوبية:  إن اللغة النوبية ليست لهجة ، لان لمصطلح اللهجة معنيين : المعنى الأول أنها نمط خاص لاستعمال ذات اللغة المعينة (كاللهحه السودانية،المصرية،السورية… فى استعمال ذات اللغة العربية)، وهذا المعنى لا ينطبق على اللغة النوبية لأنها ليست نمط خاص لاستعمال لغة أخرى مشتركه، والمعنى الثاني للهجة أنها لغة قبليه خاصة ، وهذا المعنى غير صحيح لان المجتمع النوبى تجاوز الأطوار القبلية منذ آلاف السنين ، فهي لغة وليست لهجة ، لكنها ليست لغة قوميه مشتركه بين جماعات الشعوبية وقبليه متعددة، ولكنها لغة شعوبية خاصة  بشعب معين ، تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية.

طبيعة القضية النوبية : وحده القضية وتعدد المشاكل : إن القضية النوبيه تتضمن جمله من المشاكل، التى طرحها الواقع الاجتماعي النوبى المتنوع ، لفترة زمنيه طويلة ، امتدت لأكثر من قرن، من هذه المشاكل مشكله تحقيق تقدم النمو الحضاري ” السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي…”، ومشكله الحفاظ على الهوية الحضارية الخاصة،  وتنميتها وتطويرها ، ومشكله توفير الخدمات ، ومشكله تمثيل النوبيين فى وطنهم الكبير ، ومشكله التهميش ، ومشكله التهجير… بناء على هذا لا يمكن اختزال القضية النوبيه في مشكله واحده ، وفى واقع مكاني وزماني محدد .

 تفاعل الذاتي والموضوعي : إن القضية النوبيه هي محصله تفاعل عوامل ذاتيه( داخليه ) وموضوعيه (خارجية ) ، وبالتالي يجب استبعاد نظريه المؤامرة، التى تركز على على العوامل الخارجية لتلغى دور العوامل الداخلية .

أساليب التفكير السليمة : إن الحل الصحيح للقضية النوبية، يتحقق سلبا  بتجاوز أنماط التفكير الخرافي والاسطورى،   كما يتحقق إيجابا بالالتزام بأنماط التفكير العلمي والعقلاني ، وتجاوز مرحله رد الفعل الذاتي العاطفي ( الانفعالي) ، إلى مرحله الفعل الموضوعي(العقلاني).

عبد الناصر والقضية النوبية ( تقييم موضوعي) : إن التقييم السليم للعلاقة بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والقضية النوبية، يتحقق من خلال تجاوز التقييم الذاتي (العاطفي)، والالتزام بالتقييم الموضوعي( العلمي العقلاني) ، والذي يستند إلى الحقائق الموضوعية التاريخية ، ومن هذه الحقائق :

القضية النوبية سابقه على قيام ثوره يوليو:  إن القضية النوبية بمشاكلها المتعددة ، ظهرت قبل عهد عبد الناصر بعد قيام ثوره 23 يوليو 1952 ، كما أنها ظلت مطروحة بعد وفاته عام 1970 ، لذا لا يجوز اختزال القضية في مشكله تهجير النوبيين ، والتي تفاقمت – ولم توجد لأول مره – نتيجة لبناء عبد الناصر للسد العالي.

فكره بناء السد العالي سابقه على قيام ثوره يوليو:  كما أن فكره بناء السد العالي سابقه على عهد عبد الناصر بعد قيام ثوره يوليو ، وان عبد الناصر قد قام بتنفيذها فقط ، وكحل ضروري لمشكله المياه في مصر، المتمثلة في تذبذب منسوب مياه النيل بين ارتفاع منسوبها ، وما يترتب عليه من فيضانات، وانخفاض منسوبه ، وما يترتب عليه من قحط ومجاعه ، وهى مشكله لا زمت تاريخ مصر عبر قرون.

مشكله التهجير سابقه على قيام ثوره يوليو: كما أن مشكله تهجير النوبة لم تظهر في عهد عبد الناصر، بل ظهرت قبل عهده ، حيث كانت بداية تهجير النوبة مع بناء خزان أسوان عام‏1902‏،الذي ارتفع معه منسوب المياه خلف الخزان،ليغرق عشر قري نوبية وقام أهالي هذه القرى بالهجرة طواعية إلي قري في البر الغربي وإلي مختلف المحافظات المصرية‏,‏وبعد ذلك حدثت التعلية الأولي للخزان عام 1912 ، وارتفع منسوبا لمياه وأغرق ثماني قري أخري‏,‏وبعد ذلك جاءت التعلية الثانية للخزان عام‏1933‏وأغرقت معها عشر قري أخري، وفي الخمسينيات بدأت الدراسات لإقامة السد العالي، وتم ترحيل أهالي المنطقة إلى هضبة كوم أمبو خلف السد العالي 1963 .

لا تناقض بين علاقتي الانتماء العربية والافريقيه : كما أن تبنى جمال عبد الناصر للقومية العربية لم يلزم منه اتخاذه موقف سلبي من القضية النوبية- على المستوى الايديولوجى – لأنه تبنى القومية العربية ،على وجه يجعل العلاقة بين علاقة الانتماء العربية كعلاقة انتماء قوميه ذات مضمون لساني – حضاري ، وعلاقة الانتماء الافريقيه كعلاقة انتماء جغرافيه قارية ،علاقة تكامل وليست علاقة تناقض، لذا لم يحول تبنيه للقومية العربية من اتخاذ موقف ايجابي من علاقة الانتماء الافريقيه على المستويين النظري والعملي ، فعلى المستوى الأول( النظري) نجد أن وثائق التجربة الناصرية أقرت بعلاقة الانتماء الافريقيه للشعوب العربية التي تعيش في قارة إفريقيا، ورد في الميثاق ( إن شعبنا يعيش على الباب الشمالي الشرقي لإفريقيا المناضلة وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزله عن تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي) ، رفضت هذه الوثائق التمييز العنصري الذي يضمر اتخاذ موقف سلبي من علاقة الانتماء الافريقيه ، ورد في ميثاق العمل الوطني ( إن إصرار شعبنا على مقاومة التميز العنصري هو إدراك سليم للمغزى الحقيقي لسياسة التمييز العنصري..إن الاستعمار فى واقع أمره هو سيطرة تتعرض لها الشعوب من الأجنبي بقصد تمكينه من استغلال ثرواتها وجهدها..وليس التمييز العنصري إلا لونًا من ألوان استغلال ثروات الشعوب وجهدها..فإن التمييز بين الناس على أساس اللون هو تمهيد للتفرقة بين قيمة جهودهم..). أما على المستوى الثاني (العملي) فقد ساند عبد الناصر كل حركات التحرير الإفريقية في شرق القارة(الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا)،وغربها(غانا وغينيا ونيجريا)،ووسطها(الكونغو”زائير”)، وجنوبها(روديسيا وانجولا وموزنبيق). هذا فضلا عن أن اتخاذ موقف ايجابي من القضية النوبية لا يعنى اعتبار ان علاقة الانتماء الافريقيه هي علاقة الانتماء الوحيدة للشخصية الحضارية النوبية،وإنكار علاقة الانتماء العربية لهذه الشخصية الحضارية .

موقف عبد الناصر من القضية النوبية : ويمكن استخلاص موقف جمال عبد الناصر من القضية النوبية من الخطاب الذي ألقاه في أهالي النوبة ١١/١/١٩٦٠:

ا/ إقرار حق المواطنة للنوبيين : وما يترتب عليه من مساواة بينهم وبين باقي المواطنين فى الحقوق والواجبات، حيث يقول ( … أرجو في نفس الوقت أن يشعر كل فرد منكم أننا نعامل أبناء هذه الأمة معاملة واحدة مبنية على الحق والحرية والمساواة …)

ب/الإقرار بالآثار السالبة التي ستترتب على بناء السد العالي والعمل على معالجتها:حيث يقول (.. وأحب أن أقول لكم: إننا ونحن نبحث السد العالي إنما نبحث أيضاً في خيركم وفى مستقبلكم، كما نبحث في النتائج التي ستترتب على السد العالي… (

ج/ الإقرار بوجود القضية النوبية : ومن مظاهرها الانعزال وتشتت أبناء النوبة .. مع العمل على حلها، حيث يقول ( أيها الإخوة المواطنون:ونحن نشعر أن الخير الذي سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير؛ لأنه سيجمع شمل أبناء النوبة جميعاً على أساس من الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوى سليم؛ وبهذا تنتفي الشكوى التي كنتم تشعرون بها طوال السنين الماضية.. شكوى الانعزال، ثم شكوى تفرقة العائلة الواحدة.. أفرادها يعملون فى الشمال وبعضها يعملون في الجنوب..(

د/الإقرار بالشخصية الحضارية النوبية الخاصة ، والإقرار بحق عوده النوبيين إلى مناطقهم الاصليه : حيث يقول (حينما نبحث السد العالي الذي ستغرق مياهه بعض أجزاء أو أجزاء كبيرة من بلادكم، فإننا ننظر إلى مستقبلكم أيضاً لا على أساس تشتيت أبناء النوبة فى كل مكان؛ لأن لكم التاريخ الطويل.. التاريخ المجيد الذي تشهد عليه هذه الآثار التي سنزورها اليوم، والتي عشتم بقربها آلاف السنين، ولكنا سنعمل أيضاً على جمع شملكم جميعاً، كما كان هذا الشمل يجتمع فى هذه المنطقة طوال السنين الماضية أو على مر آلاف السنين(

ه/ الإقرار بضرورة حل المشاكل التي يطرحها الواقع الاجتماعي النوبي:  حيث يقول (… وستكون لجنة الاتحاد القومي هنا دائماً على اتصال بالاتحاد القومي؛ حتى يمكن أن نرى مشاكلكم دائماً أولاً بأول. وحتى نستطيع أن نحل هذه المشاكل دائماً أول بأول).

المستوى التطبيقي:  وعلى المستوى التطبيقي حاول عبد الناصر معالجه الآثار ألسالبه التي ترتبت على بناء السد العالي وتهجير النوبيين ، ولكن لم تتم معالجه جميع هذه الآثار السالبة نتيجة لعوامل متعددة منها الحروب مع إسرائيل(النكسة 1967 ، حرب الاستنزاف)، ودعم حركات التحرر العربي والافريقى ،والبيروقراطية ..

عدم التناقض بين الإقرار بوجود أوجه قصور في معالجه القضية النوبية والإقرار بزعامة عبد الناصر : بناءا عل ما سبق فانه لا تناقض بين الإقرار بمكانه عبد الناصر كزعيم قومي، والإقرار بوجود أوجه قصور في معالجه الدولة للقضية النوبية في عهد عبد الناصر،لان الإقرار بزعامة عبد الناصر لا يلزم منه بالضرورة، اتخاذ موقف القبول المطلق للتجربة الناصرية ، والقائم على إنكار وجود اى سلبيات لها ، فالموقف الصحيح من التجربة الناصرية – والذي لا يتناقض مع الإقرار بزعامة عبد الناصر – هو الموقف النقدي ، الذي يقر بايجابيات وسلبيات التجربة ، ومن هذه السلبيات البيروقراطية ، التي عاقت تنفيذ الكثير من المعالجات التي وجه عبد الناصر بتنفيذها، لدرء الآثار السالبة لبناء السد العالي..

القضية النوبية بعد وفاه عبد الناصر: لم تحل القضية النوبية بعد وفاه عبد الناصر عام 1970، بل تفاقمت نتيجة لعوامل متعددة منها : حرب أكتوبر 1973، وارتداد الرئيس أنور السادات عن كثير من الانجازات الايجابية لثوره يوليو ، ومنها تبنى نظام اقتصادي يقوم على السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتخطيط الاقتصادي – وكلاهما شرط اساسى لتحقيق التقدم الاقتصادي عامه، وحل القضية النوبية خاصة – وتبنيه النظام الاقتصادي الراسمالى- تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ، والذي يجعل للقطاع الخاص- الذي يسعى لتحقيق الربح – الدور القائد في اداره الاقتصاد الوطني – بدلا من القطاع العام- وما يترتب عليه من إعطاء الاولويه للمستثمرين على حساب المواطنين، وهو ما كان له اثر سلبي على مشكله توطين النوبيين خاصة والقضية النوبية عامه.

ومن أهم الخطوات الايجابية تجاه حل القضية النوبية  في مصر–  على المستوى الدستوري –  استحداث المادة  المخصصة عن تنمية النوبة وسيناء ومطروح المستحدثة ، والتي أقرتها لجنة الحقوق والحريات، المنبثقة عن لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري للعام 2013 ، ، والتي تتضمن الإقرار بحق النوبيين في العودة إلى مناطقهم الاصليه ودعم وحماية الثقافة النوبية ، حيث تنص على ( تلتزم الدولة بتنمية المناطق الحدودية وخاصةً سيناء والنوبة ومطروح، وبمشاركة مواطنيها في وضع أهداف وخطط ومشروعات التنمية الخاصة بمناطقهم ، وبما لا يؤثر سلبًا على ثقافتهم ونمط حياتهم ، وللمواطن في هذه المناطق أولوية الاستفادة منها، كما تعمل الدولة على إعادة من يرغب من النوبيين إلى مناطقهم الأصلية ويدعم الثقافات المحلية وحمايتهم بوصفهم جزء أصيل من الثقافة الوطنية)، حيث لقيت هذه المادة ترحيبًا من أهل النوبة (حريتنا /  فاطمة رشاد) ، وكان ممثلي النوبة  قد اقترحوا أربع مواد لإضافتها بالدستور وهي إلغاء كافة أنواع التمييز، و إضافة بند ينص على أن مصر دولة متعددة الثقافات واللغات ، و التزام الدولة بإعادة توطين أهالي النوبة بأراضيهم التي تم تهجيرهم منها، والتزامها بتطبيق كافة المواثيق والعهود الدولية الموقعة عليها، حيث أنها تضمن للنوبيين حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية.

مقترحات حل القضية النوبية :

رفض محاولات إلغاء الشخصية الحضارية النوبية : رفض كافه محاولات  إلغاء الشخصية الحضارية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه وقوميه ودينيه..).

رفض الوحدة المطلقة : رفض الوحدة المطلقة في مجالات الهوية او المجال السياسي او الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني أو الثقافي … والتي مضمونها انفراد جماعات قبلية او شعوبيه معينه بالسلطة و الثروة … دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية.

 رفض الفصل والانفصال : رفض كافه محاولات فصل الشخصية الحضارية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ،عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة (الوطنية والقومية والدينية ..)، ورفض تحويلها  إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ، وبالتالي رفض كافه أشكال الدعوة إلى انفصال المناطق النوبية عن الوطن ، بالعمل على تغيير الظروف السلبية التي تظهر هذه الدعوات الانفصالية كرد فعل عليها.

 الانتقال من التناقض إلى التكامل : التوافق على صيغ دستوريه ، سياسيه، قانونيه ، تجعل  العلاقة بين الوطن و  المناطق النوبية علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض .

الحفاظ على الشخصية الحضارية النوبية : السعي للحفاظ على الشخصية الحضارية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، والعمل على تنميتها وتطويرها ، والجمع بين الثقافة واللغة النوبية كثقافة ولغة شعوبيه خاصة ، و الثقافة واللغة العربية كثقافة ولغة قوميه مشتركه،…

تفعيل العمل الطوعي : تفعيل العمل الشعبي (الاهلى ) الطوعي لتطوير المناطق النوبية، وعدم إهمال المجالات الاجتماعية والثقافية  والاقتصادية …

الجمع بين الوحدة والتعدد :  الالتزام بالعلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية،  أو المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي  أو القانوني أو الثقافي…

رفض التمييز السلبي : مناهضه كافه أشكال التمييز السلبي بسبب الاختلاف في اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو الثقافة …

الالتزام بالتمييز الايجابي :  الالتزام بسياسة التمييز الايجابي  تجاه الأقليات ، والتي تتضمن  اتخاذ جمله من الإجراءات التفضيلية ، التي تعطى أفراد هذه الأقليات الاولويه في المجالات المختلفة للحياة العامة كالتعليم وتوظيف والتمثيل التشريعي.. بهدف إلغاء التمييز (السلبي) ، وتحقيق المساواة (الفعلية) بينها وبين باقي فئات المجتمع .

الوحدة النوبية : التأكيد على أن الوحدة النوبية لا يمكن أن تتحقق من خلال نزوع انفصالي ( يدعو إلى فصل منطقتي النوبة عن السودان ومصر )، بل تتحقق من خلال نوع وحدوي ( يدعو إلى وحده وادي النيل – بشكل علمي تدريجي مؤسسي –  باعتبار أن المنطقة النوبية هي حلقه الربط بين السودان ومصر),

العمل على حل مشاكل المناطق النوبية : العمل على حل المشاكل  الاقتصادية والسياسية والامنيه  والاجتماعية …للمناطق النوبية ، مع الالتزام بأساليب العمل السياسي السلمي ، ونبذ العنف ، وقصر استخدام القوه على حاله الدفاع على النفس ، ورفض توظيف هذه المشاكل بما يخدم الأهداف الصهيونية والامبريالية في المنطقة ، أو لتبرير التدخل الخارجي .

حل مشكله التهميش : الإقرار بمشكله التهميش ، باعتبارها مشكله ذات أبعاد متعددة ، و محصله تراكم تاريخي طويل، والسعي لحلها بالعمل المشترك والتدريجي.

* أستاذ فلسفه القيم الإسلاميه بجامعه الخرطوم

التعليقات مغلقة.