التحول إلى مجتمع معلوماتي ضرورة حياتية

الثورة المعلوماتية (1): من غير معلومات لا فرصة للمنافسة 

الثورة المعلوماتية (1): من غير معلومات لا فرصة للمنافسة 
  • 11 نوفمبر 2018
  • لا توجد تعليقات

منذ فجر التاريخ، تقدم المجتمع البشري في تطوره من الصيد وجمع الثمار، ثم إلى الزراعة، ثم إلى الثورة الصناعية، ثم حالياً في هذا القرن إلى الثورة المعلوماتية.

ويلاحظ أن المعلومات التي يعتمد عليها المجتمع تزداد مع تطوره في كل مرحلة من المراحل السابقة.  كما كانت الثورة الصناعية هي حجر الزاوية في تغيير المجتمع وازدهار الأمم التي أخذت بناصيتها، كما كان لاكتشاف البارود الأثر الواضح والتفسير المنطقي لظاهرة استعمار الدول القوية للأمم الضعيفة، ونهب ثرواتها و الهيمنة على مقدراتها، فسيكون للثورة المعلوماتية الأثر نفسه إن لم يكن أعظم.

وقد أصبح من فاته قطار الثورة الصناعية في طي التخلف والانهزام، سيكون المصير نفسه لمن لم يلحق بالثورة المعلوماتية. ومنذ نحو أربعمئة عام كتب الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون: ” المعرفة قوة”. ولم يجد أحد الكتاب الغربيين دليلاً يؤكد به مقولة “بيكون” سوى ما حدث في نفس الزمن، حين انهزم المسلمون أمام الإسبان وأهالي البندقية وبعض الدويلات المسيحية في موقعة ” ليبانتو”[1]، وانتهت بذلك قرون من هيمنة المسلمين على البحر الأبيض المتوسط. ويعود ذلك إلى الاستعمال المكثف لأجهزة الملاحة والتلسكوبات على السفن الحديثة والتي وفرت معرفة ومعلومات لم تكن لدى المسلمين.

وكانت الثورة المعلوماتية وراء ظهور مفاهيم وقضايا حديثة بالغة الأثر في حياة الإنسان والأمم ومثيرة للانتباه والجدل، مثال ذلك: العولمة والمحلية، والتحول إلى اقتصاد الخدمات، والسوق العالمي الواحد، واتفاقيات التجارة العالمية، والصراع بين الحضارات[2] ، والمحارب المعلوماتي[3]. وإذا كانت لهذه الظاهرة سلبيات، فإن لها من ناحية أخرى إيجابيات على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، ذلك نتيجة سهولة وسرعة انتقال المعلومات والخدمات والبضائع عبر بنية تحتية “لطريق معلومات فائق السرعة[4] “بين الأفراد والمجتمعات والدول المرتبطة ببعضها بالشبكات والاتصالات السريعة والأدوات عالية التقنية.  وتنطلق في هذا “الكون السيبري[5]  ” جميع أشكال المعلومات في جميع أنحاء المعمورة بسرعة فائقة وآنيا من أي مكان وفي أي وقت ولأي فرد.

ويتوقع الخبراء في هذا القرن أن تصبح المعلومات الركن الرابع في العملية الإنتاجية، وتتجاوز الثلاثة الأركان الأخرى (الملكية ورأس المال والعمال) في الأهمية. وإذا كان الشعار السابق هو “من غير التعليم لن تجد عملاً “، فإن الشعار القادم سيكون “من غير معلومات لا فرصة للمنافسة”

. ومن المنتظر أن تحدث قفزات أعلى في تقنية المعلومات وانتشار أوسع خلال السنوات القادمة، وستصبح اللبنة الرئيسة في التجارة العالمية وستقوي من شأن اللامركزية في الحكومات، وتمثل ثورة المعلومات أكثر التحولات العالمية تأثيراً على حياتنا منذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر.

والمعلومات وحدها ليست القوة، بل القوة التمكن من الحصول على أجزائها ومعالجتها واسترجاعها وذلك بإجادة استعمال أدوات تقنية المعلومات مثل: الحاسوب الفائق والبرمجيات المتقدمة والإنترنت وأجهزة الاتصالات الحديثة والذكاء الاصطناعي والروبوتات. والتقنيات وحدها لا تكفي، بل كذلك الاهتمام بالعلم وبرأس المال البشري متمثلاً في العلماء والمهندسين والتقنيين، ووعي المجتمع بأهمية التحول إلى مجتمع معلوماتي، وإيمان صانعي القرار بوضع السياسات والتشريعات اللازمة وتبني عملية هذا التحول. وعاقبة الفشل في التحول إلى مجتمع معلوماتي ستكون وخيمة وستزيد من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المجتمعات النامية وازدياد تخلف الآخرين عن الركب، وسينظر إليهم المتقدمون على أنهم لا يستحقون الحياة.

*الكاتب: مستشار تقانة معلومات واتصالات.

المراجع:

[1] موقعة “ليبانتو” :معركة بحرية وقعت في 7 أكتوبر- 1571 بين العثمانيين وتحالف أوروبي مسيحي، وقد انتهت بهزيمة العثمانيين.

[2]S. P. Huntington, The Clash of Civilization and the Remaking of World Order (Old Tappa, N.J.: Touchshstone Books, February 1998).

[3] أبوبكر سلطان و عبدالعزيز الرويس، “المعلوماتية و المحارب المعلوماتي”، مجلة الدفاع الخليجي، العدد 50، ) 2000) :  88 -94

[4] طريق معلومات فائق السرعة Information superhighway.

[5] الكون السيبيري  Cyberspace كون ُيستعمل فيها الحاسب و محسّات قفازيه و قبعات تلفازية لكل أعماله التخيلية للحقيقة.

 

“التحرير” ترحب بالمستشار الدكتور أبوبكر سلطان بين كوكبة كتابها

التعليقات مغلقة.