شغال في مجالو

شغال في مجالو
عبدالله حمدوك
  • 23 أغسطس 2019
  • لا توجد تعليقات

تاج السر الملك

تاج السر الملك

التقيت للمرة الاولي بالسيد حمدوك، في فرجينيا، وبالتحديد في مقهى ومطعم زاكي، ذات امسيةًساحرة من امسيات الكساندريا، كان يجلس متآنساً، برفقة صديقنا عمر قمر، جالسين في مقعدين متجاورين، داخل حوش المقهى المضاء بالثريات، وعلي بعد خطوتين من باب البهو، الذي يتحلق فيه الناس حول موائد العشاء، كنت اهم بالدخول حينما ناداني عمر قمر باسمي تاج االسر الملك.

ولعمر حيوية في السلام، لا تتوفر الا لصديق حميم، وصفي مصطفى من خيار القلوب.. صافحت عمر، وتماديت لأصافح ضيفه، الذي كان يرتدي قميصاً صيفياً .. مرحرحاً، ووجه مستدير، تألفه النفس، وعليه سيماء الضيف، القادم من مكان بعيد، لم أشاهده في فرجينيا، طوال سنوات عيشي بها، ولكن عقلي في عصفه، ادعى بان الرجل ليس ضيفاً عادياً، وانه صديق لعمر، واكاد أجزم ان الطريق الي قلبه سالك، فخدنه نعرفه منذ زمن بعيد في الحلفاية، وبيننا وبين اهله صداقة ضاربة جذورها في العلم والمعرفة، والملح والملاح. حينما التقت اكفنا بالسلام، قدمنا عمر وهو يقف بيننا، مثل كوفي عنان في زمانه.. ليصلح ذات بين الهوتو والتوتسي:
حمدوك.. تاج السر الملك.

ما ان سمع الرجل اسمي، حتى شدد قبضته على يدي، بعد ان كاد يطلقها… 
انت تاج السر الملك بتاع شغال في مجالو؟
ثم ضحك بصفاء وود.. ونظرباتجاه عمر، فاكد عمر بهزة من رأسه، فعلمت بانه قد قَشَر بي، دون ان يدري
ياخي انت عندك في اديس فانز بالهبل.

شددت علي كفه حينما داعبت كلماته غروري، كدي اقعد، ثم جلسنا، وهبطت علي ارواحنا نعمة السودانيزم، فلم نعد نحتاج لتعريف، تلك الاريحية التي اسرت روح الشاعر الامريكي الاسود، لانغستون هيوز، حينما دعاه الرئيس اسماعيل الازهري للغداء في بيته، فظل يلهج بهذه الحادثة، طوال حياته، وقال بان امنيته الوحيدة قبل ان يموت، ان يزور السودان مرة اخرى، ولكن يد القدر اختطفته، قبل ان يدرك ارض السيف المجوهر بالنجوم من غير نظام، نهر النيل العظيم.

وكان عمر سعيداً، كعادة اي اخو اخوان، من اخوان الصفا وليس الميثاق، اخوان السجم.
طال بيننا الانس، فلمست في الرجل تواضعاً، وادباً، وسمواً ورقياً، سألني: أين أحصل علي كتاب الدغمسة، قال عمر: في دار الحكمة يا دكتور، قلت له في ترنك عربيتي في.
عندك كم نسخة في العربية؟
وطلب عدداً فوق العشرة، جلست وقعت النسخ جميعاً، بأسماء أملاها علي في دقة وحرص، واستمر في ضحكه وهو يقلب نسخته، ويردد شغال في مجالو … شغال في مجالو..

في السنة التي اعقبت لقائي الاول به، جاء ومعه اصدقاء الراحل دكتور قريب الله، جاؤوا يحيون ذكراه، في بادرة وفاء نادر، في هذه المرة قدر لي ان التقيه في دعوتي عشاء، وحمل معه الي اديس نسخاً من كتابي الذي صدر في تلك السنة، نخلة لاتنبت والابنوس.

وحينما انظر الان الي مفارقات الدهر، وحينما أقارب ما بين امانينا وبين ديناميكية القدر، اتذكر أنني كتبت مقال شغال في مجالو، وبرغم السخرية التي كتبت به، وبرغم استدرار المقال لعاصفة الضحك عند القراء، الا ان بواعث كتابته كانت حزينة، فحال بلادنا تحت نير الحكم الشمولي القذر، في تلك الايام، قذف بكل الرجال المناسبين للامكنة غير المناسبة، ووضع كل رويبضة في المكان الذي لا يناسبه، وحينما التقيت في تلك الامسية، والايام التي تلت، الدكتور حمدوك ورفقته من علماء السودان، ادكت مدى الخسران الذي حاق ببلادنا، حين دفعت القوى الكيزانية النجسة، بثروة مهولة من العقول الي أحضان المجهول، ونصبت السماسرة وسفهاء الامة في مواقع القيادة.

تمنيت في سري ودعوت لعزة ان يعود إليها ابناؤها.
تمنيت ان يشتغل كل من ابناء هذه الامة في مجالو.
وهاقد اختار القدر دكتور حمدوك ليشتغل في مجالو… رئيساً للوزراء.
فيا لسعدنا وهنائنا، بك يا حمدوك ورفاقك الذين إلي أرض الوطن عائدين، كل الى مجالو.
………….
تصحى الصباح، تقول الحمد لله انا في علم مافي حلم، عمر البشير فحط، ارتحنا من صورته علي الميديا… وقريبا في مجالو، كوبر وبئس المصير.

https://sudaneseonline.com/board/244/msg/1356566282.html

من صفحته بالفيسبوك

التعليقات مغلقة.