رحلتي لآخر الدنيا (8): وتبسم الثغر

رحلتي لآخر الدنيا (8): وتبسم الثغر
  • 07 سبتمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

سيارتنا تجتاز شريط السكة حديد المتصل بعمق ميناء سياتل على يمنانا وهو الأكبر والأنشط على الساحل الأمريكي الغربي. أرى عبر الجدار حركة الأوناش الثابتة والرافعات المتحركة والمستودعات وتلال الحاويات.
يمتد أمام الميناء ساحل يأخذ شكلا هلاليا على طول نحو ١٠ كلم يتموضع فيه متنزه ألكي الشهير على خليج يتصل بالمحيط الهادئ الذي يترامى على الأفق.
أوقفنا سيارتنا عند منتصف المتنزه وترجلنا لنجلس على مقاعد مبثوثة.
أمامي بانوراما رائعة .. السفن عابرة المحيطات التي تكتظ فوقها الحاويات تمخر متمهلة من الميناء قاصدة كندا وولاية ألسكا ودول شرقي آسيا حاملة السلع الأمريكية.
على اليسار جزيرة تكاد تدسها الخضرة يسكنها كثير من المتقاعدين والأثرياء الذين يفضلون الهدوء والدعة وتسير تجاهها من مراس قرب الميناء بواخر سياحية جميلة متعددة الطوابق تربطها بالبر.
قبالتنا مباشرة ناطحات السحاب المتمركزة في الوسط التجاري للمدينة الحيوية تتوسطها أعلى بناية في الساحل الغربي .. وبيننا قوارب تتهادى وأخرى مسرعة فيما يمارس نشطاء من الجنسين رياضات التزحلق على الماء والغطس بعضهم يستخدم كشافات منيرة في العمق.
إذن حان موعد التمشي على الساحل مع مئات المتنزهين من الخواجات وهم أغلبية بلونهم الطماطمي وبعض الآسيويين والجنوب أمريكان وقليل من أصول إفريقية ولم نصادف من ناطقي الضاد سوى أسرة شامية تبادلنا معها التحية.
هنا أنبوب معدني ممتد عليه أقفال متعددة يضعها العشاق تفاؤلا بديمومة ريدتهم غير أنه لم يكن بوسعي المجاراة!
بجانبها مجموعة دراجات رابضة من يود التريض بإحداها يضع النقد المطلوب وفق ما يريد من زمن في فتحة بها ثم ينطلق ويعيدها إلى موضعها في الزمن المحدد. لا أحد يتركها حيث اتفق وينصرف.
على الشريط الرملي بنات يانعات ينهمكن في لعب الكرة الطائرة بالمايوهات فيما تتعالى قهقهاتهن عند إجادة التصويب فتذكرت بلاجات الإسكندرية’ وكورنيش بحر العرب في مومباي عاصمة الهند الاقتصادية حيث وجدت الهنديات يرفلن بالساري الزاهي الشبيه بالتوب السوداني. وبالطبع هذا في ظل غياب المعيار الإسلامي لدى هذا الجمع:
النظرة الأولى لك والثانية عليك.
عبرنا الشارع العام حيث تصطف عليه المحال التجارية والموتيلات المفروشة للإيجار وهي أدنى من الفنادق فضلا عن العمارات والفلل الفارهة ووراءها غابة من الشجر المصطف على مرتفع طولي يطل على الخليج..
ولجنا فرعا لانتربوكس مؤسسة المشروبات العملاقة التي تتخذ من سياتل مقرا لمركزيتها. احضر لنا محمد المشروبات وقطع الكيك ثم جمع الفوارغ ووضعها في سلة وعاد ينظف التربيزة بمنديل ورق أسوة بغيرنا فالخدمة هنا ذاتية تشاركية بين مقدمي الطلبات والزبائن. ولم ار أحدا ينصرف دون تنظيف موقعه!
خرجنا مجددا نستنشق نسيمات الأصيل ونتمنظر .. هنا شفع يلهون بطائرات ورقية يسيرون بها في كل اتجاه فرحين وهناك يفع يسبحون غير بعيد تحت رقابة أهليهم فيما تتكسر الأمواج المتلاحقة على الساحل محدثة وشوشة مموسقة’ كما على ضفاف النيل’ وأسر تتحرك بعربات مسقوفة ذات ٤ إطارات يدفعونها ذاتيا وشباب يسرعون على زحافات برجل واحدة. يا للهول .. شابان عاريان يتسابقان على دراجتين هوائيتين دون تقدير لمشاعر الموجودين أو بعضهم الذين لعجبي لم يكترث بهما أحد.
ولفتت انتباهي طائرة طوافة برمائية تنقل راغبي الطلة الفوقية على المدينة وضواحيها ثم تعود لتهبط وتطفو عائمة! بينما طائرة درون مسيرة صغيرة ” دون طيار ” تجتاز المنطقة مسرعة وهي توظف عادة للتصوير الجوي وحتى لتعقب جناة مندسين’ فضلا عن المهام العسكرية.
أما نحن فاخترنا التقاط صور تذكارية عند مجسم تمثال الحرية الذي يحاكي الأصل النيويوركي.
عقارب الساعة تتعانق عند التاسعة مساء ولايزال أمام المغيب ربع ساعة. هذا صيفا أما شتاء فتغوص الشمس نحو الرابعة.
إنها معادلة عدل البارئ!
لما كنا على وشك التحرك بالسيارة عائدين كانت أسراب النورس تبتعد صافات رويدا رويدا لمهاجعها عند الأفق النائي!

أنور محمدين
سياتل

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.