رحلتي إلى آخر الدنيا (19): في ربوع المتنزهات

رحلتي إلى آخر الدنيا (19): في ربوع المتنزهات
  • 25 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

ها نحن ندخل الحديقة اليابانية مع رهط من الزوار فاليوم السبت عطلة’ التي يستمتع بها وفيها الناس بعد عمل شاق وانضباط ومواظبة تمددت أياما خمسة.

أمامنا بحيرة صغيرة تغذيها مسايل المطر وتزهو على سطحها المستكن نباتات ورد النيل بأوراقها الخضراء السميكة اللامعة وأزهارها الطافية’ التي تنتشر نوعيتها على مجرى النيل الأبيض .. التي نقلت من حوض الأمازون موطنها .. رغم المكافحة الخجولة لاستهلاكها كما من الماء كبيرا وقدرا من الأوكسجين المذاب هائلا ما يهدد الأسماك ويعوق الملاحة.

وفي قاع البحيرة الشفيفة أمامنا أسماك بحجوم مختلفة وألوان جاذبة تسترعي الأنظار وتستدعي فلاشات التصوير المتلاحقة.

وعلى كل الاتجاهات مدرجات متنوعة الخضرة تبدأ من حزام شجري كثيف في القمة ثم تدنو متناسقة حتى تتلاشى على حواف البحيرة آخذة شكل الاستادات الدولية مثل ملعب عش الغراب في بكين الذي استضاف الأولمبياد.

والدفقات من كل الجنسيات تتوقف متأملة النباتات اليابانية النضرة مع مجسمات تعكس تراثها وعمق حضارتها وفي البال وثبتها المدهشة التي ارتكزت على تعاليم تراثها التي تقدس العمل وتعلي قدر الإنتاج’ علاوة على العون الأمريكي والاقتباس من الغرب مع تماه مع العمل حتى شاع الإفراط فيه حتى الموت وها هي تصدر الجمال وقد تسيدت فنون تنسيق الزهور مع غزو تايوتا وشقيقاتها والروبوتات وسائر الإلكترونيات أقطار المعمورة مع المحافظة على روح تقاليدها في توازن أنموذج فمحاكاة الغرب بحساب ..

تقتبس تكنولوجياتها وتحتفظ بقيمها الشرقية في معادلة راقية.

المتنزهون يرتاحون على أرائك مبثوثة تظللها شجيرات عجيبة تنبثق منها أزهار بيضاء جميلة مستديرة.

ونلتقط هنا وهناك صورا تذكارية ثم نغادر بعد قضاء وقت ماتع.

الآن ندلف حديقة الحيوانات وفي الذهن حديقة الخرطوم التي كنا نحرص عليها رغم محدوديتها في الزمن الجميل وحديقة حيوانات الجيزة الفسيحة في مصر التي وجدت على كثير من ديباجات أقفاص حيواناتها أن من مواطنها الأصلية السودان هذا قبل تقلص الغطاء الغابي بالانفصال.

هنا الحديقة هائلة .. ه بوابات للدخول والخروج .. صفوف سيارات الزوار في ظلال الأشجار الباسقة بالخارج.

الحديقة مقسمة بالقارات .. في كل منها أشجار ونباتات مستقدمة من بلادها .. تنوع نباتي متعانق.

أمامنا الحياة القطبية .. كهوف جليدية وحيوانات الفقم والدببة تخرج منها’ حولها طيور البطريق وسط نفثات جليدية لا تنقطع .. ثم تعود للاختباء متكاسلة.

هنا إفريقيا .. ملك الغابة يغفو خارج عرينه واللبوءة ترتاح في حمايته مطمئنة .. زرافة بصغارها تنافس الشجر طولا ولاغرو فهي أطول الحيوانات وأضخم المجترات’ ومن الغرائب أن الذكور تتعاشر على خلاف العادة السوية ولله في خلقه شؤون .. جواميس الخلاء ووحيد القرن أي الخرتيت النادر شعار السودان القديم تسهم في زخم اللوحة الفسيفسائية وهنا وطاويط متعلقة بأطرافها في عز النهار قبل أن تنشط في هدأة الليل وقربها مجموعة قرود تتشاكس عابثة.

طيور الفلمنقو الزاهية الألوان تتصدر معروضات تشيلي في أمريكا الجنوبية’ فضلا عن حيوان اللاما الشبيه بالجمل وموطنه جبال الإنديز وهو حمال أثقال في دروبها الوعرة.

آسيا بثرائها النباتي والحيواني حاضرة’ والحيوانات المستقدمة من إندونيسيا تشد الأنظار .. كبرى الدول الإسلامية سكانا ولاسيما جاموس يكسوه وبر وفمه شبيه بخرطوم الفيل من الملايو. وتنويه مكتوب بعدم إطعام الحيوانات ورمي المأكولات لها يحترم.

مراكز الخدمات متاحة .. المتاجر وعيادة طبية وفرقة موسيقية ترسل ألحانها ولكنا نتغدى في مطعم هائل جملوني السقف به نحو ١٥٠ تربيزة تعج بالزبائن.

محمد يأتي بالطعام ثم يجمع البواقي ويودعها السلال فالخدمة هنا ذاتية.

استكملنا الجولة العجلى بالإطلالة على الكنجرو رمز أستراليا الوطني وهو أكبر الحيوانات الجرابية وتحمل الأنثى صغارها في جرابها وهي تقفز على ساقيها الخلفيتين في مشيها.

عند الانصراف نتعرض للتوهان فيرشدنا داخلون جدد لإحدى بوابات الخروج. ولما كان الوطن في القلب حيث كنا تمنيت تحويل غابة الخرطوم لحديقة حيوانات حديثة تضحي رئة ترويحية لعاصمتنا السمراء.

قررنا أن نختم اليوم الترفيهي بتنسم عبير المحيط المترامي.

نوقف سيارتنا أمام حديقة لنكلن التذكارية القومية فالقوم هنا يقدرون قادتهم الذين وضعوا بصماتهم على جباه بلادهم. وإبراهام لنكلن الرئيس السادس عشر عرف بتوحيد البلاد بعد الحرب الأهلية وبإنهاء الرق ١٨٦٣. وأحسن أوباما صنعا وهو سليل الأفارقة السمر حين أدى القسم على نسخة الإنجيل نفسها التي أقسم عليها لنكلن في إيماءة ذكية ذات مغزى. وللعلم لم تكن تجارة الرق قاصرة على السود لكنها شملت أجناسا أخرى.

عند المدخل مباراة شبابية حامية في الكرة الطائرة ومتفرجون يتفاعلون’ ووراءهم على النجيل الأخضر مقاعد للزوار وشوايات معدة للراغبين ولكنا نشق طريقنا للساحل الرملي الهلالي .. زرافات من مختلف الأجناس تنداح .. كثيرون بما خف من ملبس وبعض المتنزهات يكتفين بالملابس الداخلية وكلهم حرصاء على الهرولة والتريض.

مياه الشرب العذبة وفيرة في صنابير متاحة.

بواخر سياحية ذات طوابق تنقل الراغبين من وإلى الجزر المبثوثة الخضراء أمامنا التي تبعد نحو ٢٠ كلم التي يفضل العيش فيها بعض ميسوري الحال وأرباب المعاشات.

نتمشى على الرمل الناعم متمهلين مسافة ثم نجلس نجول بأبصارنا أفق الجمال السحري مع دغدغات النسيمات المنعشة.

حينما دنت الشمس للغوص وراء الأفق اللامتناهي على بساط المحيط الهادي صعدنا ” القيف ” المعشوشب مجتازين الحديقة الكبيرة.

استوقفنا منظر بعض الأسر تتابع أطفالها اللاهين في المراجيح والمزالق الاسمنتية. وعلى بعد أمتار عشرات الصبايا الطاشريات بالزي الرياضي يؤدين في رشاقة تابلوهات متنوعة من الألعاب في جماعية تقودها شابة مايسترو تتثنى يمنة ويسرة ثم تقفز معتدلة خلفا فأماما بخفة تزامنها إيقاعات طبل يئز علوا وانخفاضا التماسا لأجسام متناسقة تنضح صحة وتأتلق جمالا.

ونحن نبتعد تجاه سيارتنا كانت دقات الطبل الحماسية لاتزال تتناهى إلى مسامعنا وصورة حشد الصبايا بتمارينهن الأكروباتية الأخاذة لاتزال تومض في الخاطر مع سؤال يلح:
أين الرياضة في برامج حواءاتنا؟

سياتل

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.