السودان أولاً وأخيراً

السودان أولاً وأخيراً
  • 26 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

محمد حمدون محمد

…طرح هذا العنوان يعطيك اللمحة العريضة في هدف المقال ، أن السودان أولاً وأخيراً ، فليس من شيء يتقدم على مصلحة السودان ، هذا الوطن المخيف لأعداءه ، لذلك لابد عندهم من أن يظل مُكبلاً بالقيود والحدود حتى لا ينهض المارد الإفريقي العملاق ، للأسف هذه القيود والحدود يضعها الكثير من السودانيين أنفسهم “بتعمد أو بغير وعي” قبل دول الجوار ، وبعضُ دول الجوار قبل المحيط الإقليمي و العالمي ..السودان أولاً وأخيراً موضوع كبير يمكن تناوله في جوانب عدة داخلياً وخارجياً ، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وعسكرياً وغير ذلك . بيد أني هنا أرمي مستهدفاً الداخل السوداني ، وهذه الحالة من التشظي في الرأي وسط المجتمع سيما بين المثقفين والناشطين السياسيين ومستخدمي وسائط الميديا والإعلام والطلاب وغيرهم من مكونات المجتمع السوداني وكل الشعب ، شيء طبيعي ، بل ومحبوب أن تكون الإختلافات في الوسائل والتفاصيل والنُهُج الموصلة للهدف والغايات ، لكنَّ الذي يجلب الكارثية هو أن تكون الإختلافات في الأهداف ..فإنه حال يكون هذا هو نهج الكثير من الأفراد والكيانات السياسية والإجتماعية والثقافية حينها فإن ذلك يؤدي لصناعة هُوة كبيرة في المجتمع وبالتالي شرخ في نظامه المعيشي وتتبدل الحياة في السودان لحياة أشبه بحياة الغاب لما فيها من شد وجذب وتمايز وتباين أصلي وليس فوقي..وهذا مبعثه الحقيقي هو إقتصار النظر في الجزئيات بسبب إعلاء أهداف الحزبية والكيانية والمناطقية والجهوية والفكرية الأيديولوجية على حساب الأهداف الكلية الكبيرة كالمصلحة الوطنية والسيادة الوطنية ونهضة البلد وتحسين ورفاهية ونهضة الشعب والحفاظ على مقدرات السودان وصيانة حدوده وتحسين صورته في وجه العالم بغية أخذ دوره الطبيعي وسط مجتمعات العالم وهو الريادة والقيادة وَفق موارده وقيمه التي تؤهله بجدارة ليكون في هذه الموقع الرفيع..

…التبصر بهذا الوعي ضروريٌ جداً ليتنازل الناس عن ألأهداف الضيقة في سبيل الإفساح للأهداف والغايات الوطنية الكبيرة التي بطبيعة الحال تشكل مظلة للكل من واقع أن السودان يسع الجميع بكل أيديولوجياتهم الفكرية وألوانهم السياسية وصبغتهم القبلية ، هنا أجدني منبهاً في لفتة قصيرة لخوض الكثير جداً من الناس في الأخبار المتسارعة بكثافة عاليةٍ وكتابة الآراء وتناول المواضيع الخاصة بالفترة الإنتقالية بطريقة سالبة لها أثرها العكسي على الأهداف الوطنية للسودان فقد تقَسَّم المتناولون لهذه الأخبار والمناقشون للمواضيع والمتكلمون في الشأن العام إلى معسكرين : معسكر يندفع منتقداً بكل بسالة وصلابة كل ما يصدر من حكومة الفترة الإنتقالية منطلقاً من أيديولوجيته المتقاطعة مع الأيديولجيات الممثلة لمسؤولي حكومة الفترة الإنتقالية…هذا القسم لا يكل من انتقاده دون أن يتروى في رأيه وبالتالي يطالب الآخرين أن يتحزبوا معه في معسكره…قسم ثانٍ مؤيد تماماً لما تقوم به حكومة الفترة الإنتقالية منطلقاً من ماحاك في صدره من حساسية تُجاه حكومة الإنقاذ التي خلعها الشعب في ثورته العظيمة…فمنتسبي هذا القسم يرون كل مايصدر من حكومة رئيس الوزراء حمدوك هو العمل الذي لابد منه خاصة تلك الإقالات والإعفاءات والإعتقالات التي تنشط منذ خلع الإنقاذ وحتى اللحظة وينتقدها بذات الحمية منتسبوا المعسكر الأول..هذان المعسكران هما إفرازات مواقف وندية مسبقة ذات مرجعية لا تمت بصلة للإيجابية في مواقف الوطن وحلول مشاكله الإقتصادية وهي في أوجه نشاطها مع هذا التغيير…ليست بسبب التغيير ذاته ، لأن التغيير مطلب الشعب لكن بسبب تضارب الأيديولوجية الثقافية والدينية لمؤيدي أيديولوجية قيادات حكومة الإخوان المسلمين المحسوبين على المعسكر اليميني البائدة وأيديولوجية بعض وزراء الحكومة الإنتقالية المحسوبين على المعسكر اليساري..ثمة إستثناءات هنا وهناك تمردت على إتجاهات المعسكرين المنتقد والمؤيد..لكنها لمحدوديتها لا تشكل رأياً عاماً غالب ..و الإشكال ليس في الإنتقاد ولا في التأييد..فالإنتقاد والتأييد حق أصيل للكل ، المُشكِل يكمن في صناعة هوة كبيرة ومجافاة تبتعد بالحلول دائما وتجذر من التصلب والتعصب للأهداف الحزبية والأفكار على حساب الأهداف الوطنية وهذا يعني ضياع أهداف الثورة…لأن الثورة كان مبعثها تحقيق أهداف الوطن وليس أهداف الأحزاب وأفكار الكيانات والأيديولوجيات.

…ومن حيث لم يشعر الناس بذلك..فقط وصلنا الآن لهذه المرحلة البئيسة ، الآن في راهن السودان مَن تحمله أفكاره المسبقة والحكم المرسوم مسبقاً في مخيلته عن الآخر لأن يظل منساقاً نحو الإنتقاد حد الثمالة ، ولن يلتقي أبداً مع الآخر حتى ولو صدق هذا الآخر…بالمقابل القسمة الضيزى التي توارثها الشعب من حكومة الإنقاذ الفاسدة ، جعلت الغشاوة في أعين الكثير من الناس فجعلوا كل ماتقوم به حكومة الفترة الإنتقالية إنما هو عمل مخلص لا يقبل الخدش ولا صَبغَهُ بالفشل أوِ القصور وليس عُرضة للإنتقاد بأي حال من الأحوال. لكن هذا الواقع المرير سرعان ما يزول لو تدارك الناس على عقولهم أن مصلحة السودان هي الأعلى ، و لو تمكن منهم الوعي أن الوطنية فوق الحزبية والمناطقية وألأيديولوجية الفكرية السياسية مع إبقاء ثوابت المجتمع دون زحزحة …عندها فإن يجب أن يكون أولاً وأخيراً .

التعليقات مغلقة.