سلاطين دارفور وصُرَّة الحرمين الشريفين-الحلقة الأولى

سلاطين دارفور وصُرَّة الحرمين الشريفين-الحلقة  الأولى
  • 26 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

أحمد إبراهيم أبوشوك

يرى المؤرخ البريطاني أورنولد توينبي (ت. 1395هـ/1975م) أن الفعل التاريخي يقوم في كلياته على جدلية “تحدي واستجابة”، ويبدو أن هذه الجدلية قد ألقت أيضاً بظلالها على حركة البحث العلمي، وثقَّفت مسارها في أكثر من موضعٍ. وفي ضوء هذه الفرضيَّة يحضرني المقال الجيِّد الذي نشره الأستاذ سيف الدين عيسى مختار بعنوان: “الجواب الجلي لمن سأل عن آبار علي” في صحيفة سودانايل الإلكترونية، وخلص بموجبه إلى أن آبار علي الواقعة على مشارف المدينة المنورة لا يصح نسبتها تاريخياً إلى السلطان علي دينار (ت. 1335هـ/1916م) ، لأن المؤرخ شهاب الدين بن فضل الله العمري المتوفى عام 749هـ/1348م قد ذكرها في كتابه الموسوم بـ “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” ، وذلك قبل أكثر من ستة قرون من إعادة السلطان علي دينار لعرش أجداده المسلوب في دارفور في خواتيم القرن التاسع عشر للميلاد، وذهب أيضاً إلى القول بأن مؤرخ مكة المكرمة الأستاذ أحمد السباعي لم يعط أية إشارة تؤكد “أن علي دينار قام أو ساهم بالمال في كسوة الكعبة، أو أنه أقام مصنعاً في الفاشر لهذا الغرض، فقد كانت مصر في تلك الفترة تتولى هذا الأمر، وتحتفل به، وترسل الكسوة على رأس وفد عال إلى الديار المقدسة”. فلا غرو أن الكاتب قد أسس أطروحته على شواهد تاريخية، ربما لا تتوافق مع مزاج بعض الباحثين في أدبيات التراث السوداني، لذا فقد وصفها الدكتور علي بحر الدين دينار بأنها شواهد تاريخية منتقاة لا تعكس حقيقة الواقع الذي كان قائماً آنذاك، وذلك في مقال جيِّد الصنعة، نشره في سودانايل، استجابةً للتحدي الذي أثاره الأستاذ سيف الدين مختار. وكان المقال بعنوان: “السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان”، حاول الدكتور علي بحر الدين من خلاله أن يؤكد إسهام السلطان علي دينار في إرسال المحمل الشريف إلى الحرمين، باعتباره حقاً مثبوتاً له في الوثائق السودانية المحفوظة في دار الوثائق القومية بالخرطوم تحت الرمز “مخابرات”، والتي تعطي صورة حيَّة لمحمل دارفور الشريف الذي درج السلطان علي دينار على إرساله إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في الأعوام 1320هـ/1903م، و1321هـ/1904م، و1324هـ/1906م، و1327هـ/1909م، و1331هـ/1913م.
وفي هذا البحث لا أود الخوض في غمار الرأي والرأي الآخر بأسلوبٍ سجاليٍ، دحضاً أو تعضيداً لما ذهب إليه الأستاذ سيف الدين مختار، أو تأكيداً لما أثبته الدكتور علي بحر الدين دينار، بل آثر الارتقاء بأدبيات الحوار، ووضعها في نصاب تاريخ أرفع، يقوم على تقديم مقاربة، تهدف إلى نفض الغبار الذي ران على حقيقة العلاقات الوطيدة التي كانت قائمة بين سلاطين الفور والأراضي المقدسة، وإسهامات أولئك السلاطين في ترقية خدمات الحرمين الشريفين، وإرسال “صُرَّة دارفور” على محمل مشهود إلى أم القرى ويثرب. وتُؤسس مفردات هذه المقاربة على منهج تاريخي يقضي باستقصاء المعلومات الأولية من مظانها الأرشيفية والمكتبية، ثم تحليلها في منظومة الواقع التاريخي الذي تشكلت فيه، والظروف المحلية والإقليمية التي أحاطت بعمليه صياغتها عبر الزمان والمكان.

//////////

التعليقات مغلقة.