رداً على عثمان ميرغني

رداً على عثمان ميرغني
  • 10 ديسمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

واصل علي

حاول الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير جريدة (التيار) في السودان توجيه اللوم لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بعد حديثه لصحيفة (وول ستريت جورنال) عن اقتراب الوصول لتسوية مع أسر ضحايا تفجير المدمرة (كول) في عدن والسفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا.


‏وحسب كلام الأستاذ عثمان ميرغني فإن قبول حمدوك بأي تسوية قد تفتح الباب أمام قضايا أخرى مماثلة، وحسب كلامه قد يظل السودان يدفع إلى ما نهاية.


من ناحية شكلية وضح لي بعد قراءة المقال أن الأستاذ عثمان ميرغني للأسف الشديد وصل إلى الخلاصة، ثم بحث عن معطيات تدعمها ولم يسع للبحث عن وجهة النظر المضادة؛ لتظهر له جميع جوانب الصورة، ويخرج مقاله بهذا الشكل الضعيف.


اعتراضي أنا شخصياً ليس على الخلاصة، بل على أن رئيس تحرير لم يبذل أي جهد في تقصي خلفيات الموضوع الذي يكتب فيه، وفي المحصلة النهائية، فإن الضحية هو المتلقي الذي تم تضليله والرأي العام الذي ينتج عن ذلك.
بالنسبة لمتن كلام الأستاذ عثمان ميرغني فمن الواضح أنه غير مدرك أن جمهورية السودان لم تكن أصلاً لتكون في هذه الورطة لولا وجودها على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب.

ليه؟
لأنه هناك قانون أمريكي يسمى
Foreign Sovereign Immunities Act (FSIA)
وترجمته قانون الحصانات السيادية الأجنبية
سن هذا القانون في عام 1976 وهدفه بشكل عام توضيح حصانات الدول ومؤسساتها من المقاضاة أمام المحاكم الأمريكية والاستثناءات من ذلك أيضاً.


‏في حالة السودان أصبح مستثنى من الحصانة من المقاضاة أمام المحاكم الأمريكية بموجب هذا القانون بسبب استثناء نتج عن قانون آخر هو
Antiterrorism and Effective Death Penalty Act
وترجمته قانون مكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام المفعلة وصدر عام 1996م. تم تعديل FSIA ليستثنى من الحصانة السيادية من المقاضاة الدول التي أدرجها وزير الخارجية الأمريكي في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب التي من ضمنها السودان. أي أنه لولا وجود السودان في القائمة منذ 1993م لرفضت المحاكم كل القضايا التي رفعت ضد جمهورية السودان بموجب الحصانات السيادية.


‏لو نحينا جانباً هذه القوانين فقد قام الكونجرس الأمريكي بتمرير قانون جديد في 2016م
Justice Against Sponsors of Terrorism Act
وترجمته قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب.


وكان نتيجته أن فتح الباب على مصراعيه أمام الأفراد مقاضاة الدول امام المحاكم الأمريكية بدعوى ‏تورطهم في العمليات الإرهابية التي أوقعت ضحايا أمريكيين حتى ولو لم يكونوا في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، وكان المستهدف منه بالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية وعلاقاتها المزعومة بتفجيرات 11 سبتمبر التي لم يكن بالإمكان سابقاً مقاضاتها مثل السودان؛ لأنها لم تكن على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. وبالتأكيد فإن أهالي ضحايا العمليات الإرهابية ومحاميهم يفضلون مقاضاة دولة نفطية غنية مثل السعودية، واتهامها بدعم القاعدة وليس بلد فقير مثل السودان ولكن الأخير كان الخيار الوحيد المتاح وقتها بسبب قائمة الإرهاب.


أي ان السودان دفع ثمن حماقات الإنقاذ التي أوقعته في قائمة الإرهاب، وجعلته هدفاً سهلاً للمقاضاة امام المحاكم الأمريكية. وصحيح ما ذكره الأستاذ عثمان ميرغني من إهمال حكومة الإنقاذ في البداية للقضايا المرفوعة ضدها وهذا يرجع لعدة أسباب منها انعدام الكفاءة والجهل وفشل الأجهزة الحكومية، ‏لكن أهمها هي التكلفة المالية الباهظة لمكاتب المحاماة الأمريكية، وهي مسألة تجاهلها تماما الأستاذ عثمان ميرغني. المحامون المتخصصون في هذا النوع من القضايا يقبضون بالساعة وأي تكاليف أخرى مكتبية او حتة كباية القهوة برضه تدفعها حكومة السودان يعني نتكلم عن ملايين كثيرة بالدولار لقضايا مرفوعة منذ بداية الألفية الثانية تقريباً.


فإذا كان رأي الأستاذ عثمان ميرغني هو المضي قدماً في هذه القضايا أمام المحاكم الأمريكية أملاً في حكم لصالح السودان، فعليه أن يشرح لنا من اين يقترح أن تأتي الأموال لدفع أتعاب المحامين وفوقها ندفع تعويضات إذا خسر السودان القضايا.


ونرجو منه ان يشرح لنا أيضاً لماذا يعترض على تسوية مرضية للطرفين تكلف نصف مليار مثلاً، وتخرجنا من قائمة الإرهاب بسرعة بدلاً من 10 مليار ومعها أتعاب المحامين؟ هل لديه خيار أفضل أقل تكلفة وتراعي عامل الوقت والظرف الحرج للاقتصاد السوداني المستميت للتخلص من ديون بعشرات المليارات؟
• صحفي سوداني مقيم بالولايات المتحدة الأميركية

الوسوم واصل-علي

التعليقات مغلقة.