مناظير: البنزين أم التسوُّل؟!

مناظير: البنزين أم التسوُّل؟!
  • 11 يناير 2020
  • لا توجد تعليقات

زهير السراج


  • نشرت أمس مقال الدكتور (أحمد حسن الجاك) الذى وجه فيه انتقادات حادة لمذكرة الموازنة لعام 2020 ولقوى الحرية والتغيير ابتداءً من التشكيل الوزاري الذى اغفل وجود وزارة للتخطيط وتسمية وزارة للإعلام والثقافة والسياحة والآثار ، مرورا بعدم قدرة موظفي الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي على اتخاذ القرار باعتبارهم مجرد (خُدام) ينفذون التعليمات فقط، ويقصد بذلك الدكتور ابراهيم البدوي وزير المالية، وانتهاءً بعشوائية ورومانسية الميزانية وما اقترحته من رفع الدعم عن بعض السلع واكتظاظ المذكرة بالأخطاء النحوية والاملائية والترجمة الغريبة للمصطلحات التي تشبه ترجمة (غوغل) !
  • و أجد نفسى أتفق معه في طبيعة تفكير موظفي المؤسسات الدولية الذين جُبلوا على تنفيذ التعليمات وافتقادهم للقدرة على الإبداع خاصة إذا كانوا من دول العالم الثالث خوفا على مناصبهم ذات المرتبات والامتيازات الضخمة، فصاروا مجرد أداة تنفيذية ينفذون تعليمات سادتهم الذين يضعون البرامج والخطط ولا يجرؤون على معارضتهم. بالإضافة الى ذلك، عشقهم الكبير للسفر الى درجة الاصابة بمرض إدمان السفر (درومومينيا ــ Dromomania ) الذى يجعل ضحيته ينزل من طائرة ليركب اخرى، ويقضى كل ايام حياته في السفر والترحال، وعندما يفقد هذه العادة لسبب او لآخر مثل فقدان الوظيفة او شح المال يصاب باكتئاب حاد، ومن اكثر الذين يصابون به موظفو المؤسسات الدولية !
  • ولا اتفق معه بالطبع في عدم اهمية وزارة الاعلام رغم اتفاقي معه في أنها من خصائص الأنظمة الدكتاتورية التي تنشئ هذه الوزارة للدفاع عنها والتطبيل لها (عمال على بطال)، ولكن الظروف التي ورثناها من النظام البائد الذى كان يحتكر الاعلام ويسيطر عليه لخدمة مصالحه الذاتية والضيقة والتضييق على الآخرين كانت تحتم إنشاء وزارة اعلام لتصحيح الأوضاع الخاطئة، واشير هنا الى ان المقترح بعد سقوط النظام البائد كان إنشاء مجلس أعلى للإعلام وليس وزارة للإعلام ولكن عدم وجود الاطر القانونية التي تتيح ذلك ادى لإنشاء وزارة للإعلام بدلا عن مجلس للإعلام، ولا اعتقد أن هنالك من يجادل في اهمية وجودها لتصحيح المسار الإعلامي في البلاد خاصة مع سيطرة الفلول وانصار النظام البائد على معظم الاجهزة والمؤسسات الاعلامية والصحفية!
  • نأتي الآن للنقطة المهمة وهى رفع الدعم عن بعض السلع خاصة بنزين العربات الذى اؤيده بشدة، وأستنكر على قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين وغيرهم من قوى الثورة الهجوم الشديد الذى شنوه على وزير المالية لاقتراحه رفع الدعم عن بعض السلع، فالكل يعرف الأزمة الاقتصادية الحادة التي ورثناها من النظام البائد وعدم وجود أي مصدر خارجي أو داخلي واضح ومستقر للإيرادات، وانهيار احتياطي العملة الصعبة، والعقوبات المفروضة على السودان والديون الخارجية الضخمة التي تقف حائلا دون تعاونه مع المؤسسات المالية الدولية والحصول على قروض، مما يحتم اتخاذ تدابير واجراءات اقتصادية صعبة وتحمُل المواطن بعض العبء في سبيل تجاوز الازمة، والحل الوحيد الذى لا يوجد حل سواه هو رفع الدعم عن البنزين وزيادة سعره، مع تأجيل رفع أسعار القمح والجازولين لارتباط الأول بمعيشة المواطن ارتباطا مباشرا، وارتباط الثاني بالإنتاج والنقل والترحيل والتأثير على بقية القطاعات !
  • الظروف تحتم رفع الدعم عن سلعة البنزين خاصة مع التدني الكبير في سعره الذى يعتبر الاقل في العالم على الاطلاق، ويتضح ذلك من مقارنة سريعة بين السودان ودول الإقليم بما في ذلك الدول المنتجة للنفط مثل السعودية (2 ريال للتر ما يعادل 45 جنيه سوداني)، وفى مصر (7 جنيه مصري ما يعادل 40 ج سوداني ) بينما يبلغ السعر في السودان( 7 ج للتر)، ومن المفارقات المضحكة أن سعر لتر الماء المعبأ يبلغ (20 ج)، كما ابلغني الكابتن طيار (معتز ابو حراز) أن سعر طن بنزين الطائرات في مطارات السعودية اعلى من مطار الخرطوم لذلك فانهم يفضلون الشراء من مطار الخرطوم، فهل يعقل ذلك .. قد يحتج البعض أن دخل المواطن في السودان أقل بكثير من تلك الدول مما يحتم ان تكون اسعار السلع الضرورية في متناول اليد، ولكن ما ذنب الدولة في ان تتحمل الخسارة الكبيرة في سلعة لها سعر دولي واحد مثلها مثل الذهب والمعادن الأخرى؟!
  • كما ان دعم سلعة البنزين لا تستفيد منه سوى فئة قليلة جدا من المواطنين، وحتى الركشات وعربات الامجاد التي تتحرك بالبنزين وتُستخدم بكثافة كوسيلة ترحيل، لا يستفيد منها المواطن البسيط لارتفاع الاجرة بشكل كبير مقارنة بسعر البنزين. ويؤدى الانخفاض الشديد لسعر البنزين حيث تبلغ تكلفة ملأ تنك العربة حوالى 250 جنيه أقل من سعر (فتيل دواء) لآثار ضارة جدا منها هدر الموارد واكتظاظ الشوارع بالعربات في كل الاوقات بسبب الحوامة المجانية بداع ومن غير داع، وتلويث البيئة!
  • لو كنت وزير المالية لرفعت سعر لتر البنزين فورا الى مائة جنيه، أما الخيار الآخر فهو اراقة ماء الوجه والتسول على موائد الملوك واهدار السيادة السودانية .. فهل يقبل الشعب السوداني هذا الهوان الذى ثار عليه؟!

manazzeer@yahoo.com

الوسوم زهير-السراج

التعليقات مغلقة.