رحلتي إلى آخر الدنيا (26): هنا “مايكروسفت”

رحلتي إلى آخر الدنيا (26): هنا “مايكروسفت”
  • 16 يناير 2020
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

في الطريق إلى ضاحية ريدمونت الجميلة في سياتل كنت أفكر في إرادة بيل جيتس الفولاذية، التي مكنته من تأسيس أعظم شركة في العالم لتقنيات الكمبيوتر مثل ويندوز وطائفة واسعة أخرى على امتداد نحو نصف قرن ويرتقي سلالم الكفاح والنجاح؛ ليصبح ثاني أغنى رجل في العالم بعد أن تصدر القائمة مواطنه في هذه المدينة بيزوس صاحب شركة أمازون للبيع عن بعد عبر النت الذائعة الصيت.

ويشتهر جيتس بمبادراته الإحسانية الإنسانية الخيرية، دارس جامعة هارفارد، وتقدر ثروته الشخصية بنحو ٨٨ مليار دولار.
عند مدخل مقر إمبراطورية جيتس الأساس لا نجد عائقا يحول دون استكشافنا هذه المدينة التكنولوجية الفيحاء.
توقفنا في ساحة مشجرة زاهرة حولها بناءات طوابق تعلو عشرة، بواجهات زجاجية مطعمة بخشب صقيل راق، زهور يانعة منسقة، نوافير ترسل مياها متراقصة، أطقم تأمين يقظة دون أن تشعر بها، فقط نلمحها من على البعد، ملاعب يلهو فيها الصبية، بناء مطرد للتوسع، قليل من الخواجات والهنود يسجلون حضورا فاليوم الأحد عطلة إلا للضروريين من العمالة، وهم بعض أكثر من ١٠٠ ألف يعملون عبر القارات من كل الجنسيات، المهم أن يثبت المتقدم للعمل احترافيته وجدارته في البرمجة.
وتعد ” مايكروسفت ” أكبر مصنع للبرمجيات بعائد سنوي يسجل نحو ٨٥ مليار دولار.

نمضي قدما ونقف على شلالات صناعية تأسر الرائي، ومصفوفة ألوح لتوليد الطاقة الشمسية رغم توافر النفط المنتج محليا، فالعالم كله يتجه للطاقات المتجددة بدلا عن الطاقة الأحفورية المتمثلة في النفط والغاز.
نمر على المجمعات الأنيقة تباعا حتى نعبر جسرا تحته شارع عام تنهمر فيه دفقات السيارات.
نواصل زيارة المجمعات الراقية حتى نصل إلى المجمع رقم ١٢٧ وكلها متكاملة، منظمة، ورائعة. تصوروا!
وتذكرت كيف كنت ضمن أول فوج من موظفي الشمالية، الذين درسوا برنامج ويندوز الذي كان طفرة ولايزال في جامعة وادي النيل في عطبرة، مبعوثا من وزارة التربية لنيل دبلوم الحاسوب

السباق العالمي بات تكنولوجيا حيث تنافس الصين الولايات المتحدة وكوريا في الجيل الخامس فائق السرعة. وقد أنشات الصين أول سينما بالجيل الخامس، الوحيدة في العالم .. المارد الأصفر يتعملق.
وقد تمكنت شركة مايكروسفت حديثا من بلوغ تقنية التصوير ثلاثية الأبعاد المدعمة بالليزر ومن تطبيقاتها العجيبة أن يخاطب متحدث جمهورا خليطا من عدة جنسيات فيسمعه كل منهم ويتابعه لحظيا بترجمة فورية لكن الجديد المدهش أن كل منهم يسمع المتحدث بنبرة صوته وكأنه يتحدث بلغته!
العالم يطير!

حتى تكتمل اللوحة عرجنا على بحيرة واشنطن كبرى بحيرات المدينة المتصلة بالمحيط الهادئ القريب.
على اليسار مجموعة من طائرات بوينق رابضة فهنا مصانعها ورئاستها.
نتمشى راجلين على الساحل الساحر الممتد ووراءنا غاب من الشجر وأمامنا تمخر القوارب وحتى الشراعية المميكنة .. وبشر من كل فج يطوفون منتشين بعبق الأصيل وسحر البانوراما، وبعضهم وجد جوا مفعما بالجمال فاستلقى على النجيل الناعم ينهمك في متعة القراءة.

هنا يسكن أثرى أثرياء المدينة، بل العالم بينهم بيزوس وجيتس وكل منهم ينعم في قصره المنيف وتحت إشارته اليخوت الفاخرة والطائرات الخاصة وعيشة مترفة، وهم يجودون في وفاء لمدينتهم النابضة، ونوالهم يرفد خزانتها المتخمة فهي من المدن الثرية العالية الدخول.

ومما استوقفني أن أحزمة شجرية على الساحل مكتوب على لوحات كل منها أنها ” وقف ” على روح المرحوم كذا. وهو نوع وقفي جديد وراق ليتنا نماشيهم فيه فالتشجير جمال وجلال، والوقف من تراثنا المحمود.
من اللافت أيضا أن المحال تعج بالعصائر المعلبة والمزججة لكنها خالية من تلك الطازجة أو المعصورة رغم توافر الفواكه كبيرة الحجم التي تملأك واحدة منها أو اثنتان شبعا.
مع إطلالة المساء الدفاق بالحركة عدنا بعد قضاء نهار لا ينسى في مدينة متألقة نسكنها وتسكننا.

أنور محمدين
سياتل

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.