قصة عودة الهوية

قصة عودة الهوية
  • 20 يناير 2020
  • لا توجد تعليقات

تاج السر الملك


اول مرة تمت فيها سرقة هويتي، حدثت في زمن سحيق، قبل أن يخترع البشر شرور الهكارة، كنت في بغداد في قسم تسجيل الطلاب الوافدين، أقف أمام المسجل العراقي، والذي طلب مني، دون ان يعنى برفع راسه الضخم من الفايل الضخم:
حظرتك من السودان؟
نعم
اهلا فيك عيني…اسمك؟
تاج السر
انتفض الرجل ورفع رأسه فالتقيت بعويناته قعر القارورة:
شنو يا معود؟ تيسير؟
لم اكن املك في تلك اللحظة، قدرة او طاقة على المحاججة والملاججة، أوالشرح، تلفت يمينا ويسارا، وتأكدت أن خلا لي الجو، فأمنت موافقاً بهزة يائسة من راسي
فقلت
نعم تيسير!
ثلاثة اشهر تصرمت، وكل بغداد وضواحيها ينادونني تيسير السوداني، ثم انني لم اعد التفت حين يناديني البني كجة بتاج السر، فاضطرو مرغمين علي مناداتي بتيسير، واستفحل الامر فصارو حينما يسالهم قادم من السودان عني، يتعجبون ويقولون: تاج السر ده منو، في تيسر غايتو، من مدني!.
ثم شاءت الاقدار ان اجد نفسي في اليونان، اعمل في سفينة صخمة، سالني ضابط الهجرة عن اسمي فقلت بكل ثقة: تيسير، فرفع زوربا الاغريقي راسه، وحدق في بعويناته الملونة، وقال:
كايسي؟
فاجبته : كالي ميرا
ضحك وقال لي الدنيا ضهر، لكن مقبولة منك يا كايسي.
طوال اقامتي وتجوالي في الجزر اليونانية، فا نا حيثما حللت.. كايسي، وما أجمله في خشوم أخوات افرودايتي.
ثم شاءت الظروف ان نتوقف في واحدة من رحلاتنا ونحن في الطريق الي رومانيا، بميناء تركي صغيراسمه مرسين، قيل ان اهل الكهف لبثوا فيه، اول تركي سالني عن اسمي، فرحت وقلت ان اسمي سيكون سهلاً لنطق عند الاتراك، فقال:
اضني اركاداش؟
قلت
تاج السر
رفع التركي راسه بعويناته الهالكة وتهلل قائلاً:
طاجيكيستان؟
قلت: بلي والنيسان راحة الانسان، فضحك وقال لي، الظاهر كنت كمسنجي في خط المناقل، فضحكنا معا، وتجرعنا الجعة.
وحيثما حللت في تركيا وجبال الاناضول، فانا طاجيكستان، من (مملكت) سودان..
الافارقة الذين كنت التقيهم في منافي العالم، وحتي الذين هاجرو علي ظهر برميل جاز، اتفقو علي تسميتي.. تاجي ملاجي، منهم من وصل، ومنهم من ينتظر، ومنهم من حتل ببرميله في جوف المتوسط، ولم يعد منهم يونس واحد من بطون الحيتان.
في بيروت رفع الزلمه القومسيير راسه وعويناته سوداء وقال: شو هيدا الاسم بربٌك من وين عم تچيبو ها الاسامي؟ شو معناتا تيييچ؟ أجبته شو معناتا وسيم طبارة، ومشيل شلهوب، فانتهرني ، فأمسكت.
وصرت تييج.
ثم اذن الله لكي القي عصا ترحالي، فعدت وانا بلاهوية، وبلا اسم، مثل أحمد المنسي بين فراشتين، مضت الغيوم وشردتني، ورمت معاطفها الجبال وخبأتني، عدت الي مدني ذات نهار خريفي مدوعش، قلت بسم الله وانا اخطو دارنا، وحوشها المضفور، بقدمي اليمنى، فصاحت امي من منتجعها في البرندة، والتي تسمى النملية
….. منو؟ ابو السرة؟
فعاد لي اسمي وهبطت علي هويتي، في التو واللحظة، ناصعة من غير تشفير، فنزلت من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد، وفي تلك الليلة، دعوت الله ان يرد غربة اسم صديقي عبدالله في البرونكس، والذي لا يزال الاسبان ينادونه ب(عبدبلب).

التعليقات مغلقة.