أزمة الجهوية والقبلية في السودان وتأثيرها في الحياة السياسية

  • 25 مارس 2020
  • لا توجد تعليقات

د. عبد الناصر سلم

تعتبر القبلية والجهوية أحد أبرز أسباب التراجع والتدهور السياسي في السودان منذ فجر الاستقلال وحتي الآن وتسببت هذى الأزمة لاحقا في فصل جنوب السودان الذي كانت قياداته تشعر بأن نخب الشمال تسيطر على الحكم والمناصب السياسية والحياة الاجتماعية بصورة عامة لدرجة أن البعض ظل يردد بأن حتي الوجوه التي تظهر في الأجهزة الإعلامية خاصة التلفزيون تنتمي لمنطقة جغرافيا محددة، وشكل هذا الإحساس أحد أسباب الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق .

عموما ظل السودانيون في حالة حوار سياسي وتدافع مدني وعسكري مستمر للتراضي على نظام حكم يحقق استقرارا مستدامًا مع بدء الوعي السياسي للنخب إبان الاستعمار وتشكّل الحركة الوطنية التي قادت إلى الاستقلال في العام 1956م.

وبعد مضي ستة عقود على الحكم الوطني وتجريب سبع نسخ من الدساتير والأوامر العسكرية، وستة انتخابات تعددية، وثلاث حقب حكم مدني، وثلاثة أنظمة عسكرية، وأربع فترات انتقالية، وثلاث حروب أهلية، وسبع اتفاقيات للسلام، لا تزال القوى السياسية عاجزة عن الوصول إلى معادلة تحقق استدامة السلام والاستقرار والتنمية جاء تقسيم السودان في العام 2011 تتويجًا لتراكمات فشل النظام السياسي في استيعاب تنوع التركيبة الاجتماعية، وعجزه عن معالجة المظالم الناتجة عن اختلال معايير المشاركة العادلة في السلطة والثروة، وعدم الاستعداد لدفع استحقاقات ذلك لتلبية تطلعات مواطنيه في التنمية المتوازنة والمساواة وتكافؤ الفرص كشروط موضوعية للمحافظة على وحدة السودان وسط تخوفات من استمرار هذا الوضع .

رغم مظاهر التطور والحداثة في مناطق كثيرة في السودان المدن الكبرى والمناطق الحضرية إلا أن القبيلة والبنية القبلية في السودان ما زالت تحافظ على كيانها كبنية نفسية وثقافية تؤطر أنماط السلوك بما في ذلك السلوك السياسي ولها نفوذ على الثقافة السياسية وعلى العملية السياسية في السودان وقد زاد ذلك في العقود الثلاثة الأخيرة خاصة خلال فترة حكم الحركة الإسلامية في السودان بصورة كبيرة بسبب تسيس القبيلة وأثننة السياسة، إن صح التعبير.

وحسنا فعلت الحكومة الانتقالية التي تضم بين مكوناتها في مجلس الوزراء والسيادة مختلف الوان الطيف السياسي السوداني من الجغرافيا العريضة للبلاد كما نشيد بقرار الغاء نظام ومعالجة قانون الإدارة الأهلية في البلاد وإلغاء نظام العمد والمشايخ في العاصمة الخرطوم ونتطلع إلى تغيير في المناهج يستصحب ثقافة كل أهل السودان بدون فرز في دارفور وكردفان والشرق والشمال والوسط والجنوب والقبول بالآخر كثقافة دائمة مالم نقوم بإجراءات حاسمة في هذا الجانب سيشعر الآخرين بانهم مهمشين سياسيا واجتماعيا وربما طالبوا بالانفصال كما فعل الجنوبيون فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فمن دون ذلك ستستمر الصراع القبلي في السودان.

لذلك يجب أن نستقل فترة الوعي التي صاحبت ثورة ديسمبر لنعالج أخطاء الماضي فيما يتعلق بالقبلية والجهوية والعنصرية ونعلم أن المعالجات طويلة ولكن لابأس أن نبداء كما فعلت وزارة الإرشاد والأوقاف بنقل شعائر وترانيم الكنيسة ولكن البعض اعترض على هذا الإجراء مما يشير إلى أننا لا زالنا بعيدين عن تجاوز هذه الأشياء ببساطة وبعيدا عن أي شيء أو حسابات أخرى نقول أن قناة السودان قناة قومية لكل السودانيين المسحيين والمسلمين وحتي اللادينيين هكذا يجب أن نتعلم واعجبني جدا التنوع الثقافي في بعض الأحزاب السياسية خاصة أحزاب اليسار التي عالجت هذا الأمر بطريقة جيدة حيث حوت مكونات معظم أحزاب اليسار السوداني على عناصر من كل السودان بعكس بعض الأحزاب الأخرى التي تسيطر عليها جهويات من مناطق جغرافية محددة في السودان، فمثلا قبل سنوات التقيت بعلي الريح السنهوري حزب البعث العربي الاشتراكي واعجبني جدا التنوع الثقافي والبشري بالحزب الذي يرفع شعار العروبة لكنة رغم ذلك يضم كل السودانيين بمختلف سحناتهم الافريقية والعربية .


البلدان المتقدمة حول العالم لا تنظر لشكلك أو لونك أو عرقك بل تنظر ماذا يمكن أن تقدم لهذه الدولة فأنا مثلا مقيم في السويد حيث يمكن أن تشاهد كل الناس في التلفاز لا فرق بين أحد هذا الأمر تم تجاوزه منذ فترة في كل أوروبا نحتاج لتجارب ديمقراطية لأنها تؤسس لعدالة سياسية واجتماعية عدالة في كل شيء.


دائما في ظل الديمقراطية تقل النعرات القبلية عكس ما كان يحدث في السابق إبان فترة النظام البائد نسبة لقلة فرص التمثيل في الدولة تظهر بعض الفئات تثير هذه النعرات لذلك الديمقراطية مهمة حتي تصل الخدمات والتنمية للجميع في الأطراف ويحس البعض بأن ممثليهم موجودين في السلطة هذا بالطبع يقلل من الاحتقان الذي نشهده بسبب الإحساس بعدم التمثيل في المناصب والحقوق لجهة أن قضية التنمية مهمة لجميع أطراف السودان الذي يعاني من مشكلة تنمية فجدلية المركز والأطراف نريد أن يكون الانتماء للمركز اقوي أو بالأصح الانتماء لدولة السودانية وليس لقبيلة أو جهة محددة كما قال الراحل جون قرنق نحن لسنا عرب ولاافارقة نحن سودانيون فقط وكذلك نحن لسنا كلنا مسلمين ومسحيين، ما يجمعنا الرقعة الجغرافية السودانية لذلك الانتماء يجب أن يكون لها نتجاوز بها أخطاء الماضي فمنذ الاستقلال كانت بعض الأقاليم الجغرافية تنتمي لحزب أو جهة محددة وهذا أحدث خلل كبير في السياسة والواقع الاجتماعي لأن بعض الجهات حاولت استغلال هذا الأمر، الأحزاب السياسية والحركات المسلحة كانت تبحث عن جمع الناس حولها وفق مبررات الانتماء للون والعرق والمنطقة الجغرافية وهذا طبعا أزم من المشكلة السودانية .


كلنا لاحظنا أنه مجرد بدء إجراءات فعلية تقل هذه النعرات فبعض التحسن الذي حدث في دارفور خلال الفترة الماضية مرده ممارسة المجالس والسلطة الإقليمية وغيرها لمهامها حيث استطاعت هذه المؤسسات أن تخلق رأي عام إيجابي وسط الناس بانهم موجدين في المجتمع السوني كذلك نحتاج إلى إعلام فاعل لتحسن الصورة المشوهة هذه كذلك نحتاج إلى كل الثقافات في السودان وليست ثقافة قبلية محددة وتعديل المناهج التي تقدم إلى الآخر حتي يخرج البعض من القوقعة التي تتمترس حولها القوقعة القبلية والاثنية والجغرافية حتي يشعر أنه منتمي لهذا الوطن فقط فهنالك من لا يعلم عن ثقافة الآخر شيء، بالمناسبة حتي الأمريكان كانوا يعانون من نفس الأزمة لكن عملوا إدارة مختصة لمراقبة نشر المواد التي تمثل كل مكونات المجتمع في وسائل الأعلام وقد نجحوا في ذلك، كذلك في التاريخ هنالك حوجه لمراجعة بعض تاريخ السودان الذي كتبع مكي شبيكة.

مدير المركز الأفريقي لحقوق الإنسان في السويد

التعليقات مغلقة.