خذوا العظة من الفأر

خذوا العظة من الفأر
  • 09 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

جعفر عباس

جائحة الكورونا أثبتت أن الغباء يتفشى وبائيا في العديد من الدول بدليل أن هناك في كل بلد ملايين الناس مازالوا يزعمون أن الأمر بمجمله أكذوبة روجت لها صناعة الأدوية أو الاستعمار أو أعداء الإسلام أو بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي جزء من حرب كيميائية شنتها الصين على بلاده، ولم يستشعر ترامب الخطر إلا بعد أن صارت الكورونا تقتل ثلاثة أشخاص كل دقيقة في نيويورك، ولو انتبهت البشرية إلى نواقيس الخطر التي انطلقت من الصين في مطلع يناير المنصرم لما كان الناس يتساقطون قتلى اليوم بالمئات في عديد من الدول.

وإلى من يستخفون بالتحذيرات المتكررة عن مخاطر الكورونا أهدي الحكاية التالية: هي تشبه حكاية الثور الأحمر الذي لجأ إليه الأسد شاكيا من الجوع فنصحه الثور بأكل الثور الأبيض وبعدها نصحه بأكل الثور الأسود ثم البني ثم المرقط، وبعد أن »شطب« الأسد على الثيران من كل الألوان هجم على الثور الأحمر فكان ان قال قولته المشهورة: ألا إنني أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.

كان اللعاب يسيل من فم الفأر، وهو يتجسس على صاحب المزرعة وزوجته، وهما يفتحان صندوقا أنيقا، ويمنِّي نفسه بأكلة شهية، لأنه حسب أن الصندوق يحوي طعاما، ولكن فكه سقط حتى لامس بطنه بعد أن رآهما يخرجان مصيدة للفئران من الصندوق، واندفع الفأر كالمجنون في أرجاء المزرعة وهو يصيح: لقد جاؤوا بمصيدة الفئران يا ويلنا. هنا صاحت الدجاجة متهكمة: اسمع يا فرفور المصيدة هذه مشكلتك أنت فلا تزعجنا بصياحك وعويلك.. وخليك شجاع.. فتوجه الفأر إلى الخروف: الحذر، الحذر ففي البيت مصيدة، فابتسم الخروف وقال: يا جبان يا رعديد، لماذا تمارس السرقة والتخريب طالما أنك تخشى العواقب، شد حيلك وتحمّل عواقب أفعالك، ولا توجع رؤوسنا بصراخك، وأنصحك بالكف عن سرقة الطعام وقرض الحبال والأخشاب، هنا لم يجد الفأر مناصا من الاستنجاد بالبقرة ولكنها وبدورها قالت له باستخفاف: يا خراشي… في بيتنا مصيدة عشرين في عشرة سنتيمتر؟ يا لهوي.. يبدو أنهم يريدون اصطياد الأبقار بها. هل أطلب اللجوء السياسي في حديقة الحيوان؟ عندئذ أدرك الفأر أن سعد زغلول كان على حق عندما قال مقولته الشهيرة: »مفيش فايده«، وقرر أن يتدبر أمر نفسه، وواصل التجسس على المزارع حتى عرف موضع المصيدة، وقرر الابتعاد عن مكمن الخطر.

وذات ليلة سمع فرفور صرخة مدوية وخرج من جحره ليستكشف الأمر فرأى ثعبانا يتلوى بعد أن أمسكت المصيدة بذيله، ثم جاءت زوجة المزارع وبسبب الظلام حسبت أن الفأر »راح فيها«، وأمسكت بالمصيدة فعضها الثعبان، فذهب بها زوجها على الفور إلى المستشفى حيث تلقت إسعافات أولية، وعادت إلى البيت وهي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، والشخص المسموم المحموم بحاجة إلى سوائل، ويستحسن أن يتناول الشوربة، )وماجي لا تنفع في مثل هذه الحالات(، وهكذا قام المزارع بذبح الدجاجة وصنع منها حساء لزوجته، وتدفق الأهل والجيران لتفقد أحوالها، فكان لا بد من ذبح الخروف لإطعامهم، ولكن الزوجة المسكينة توفيت بعد صراع مع السموم دام عدة أيام، وجاء المعزون بالمئات واضطر المزارع إلى ذبح بقرته لتوفير الطعام لهم.

وإذا كان »فهمك تقيل«، فإنني أذكرك بأن الحيوان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو الفأر الذي كان مستهدفا بالمصيدة، وكان الوحيد الذي استشعر الخطر، ثم فكر في أمر من يحسبون أنهم بعيدون عن مصيدة الكورونا وأن »الشر بره وبعيد«، فيستخفون بها ويعتبرون من يحتاط لتفاديها جبانا وموسوسا.

وتذكر أيضا كلام أجدادنا: إذا حلقوا راس )شعر( صاحبك، بلل رأسك بالماء لأن الدور سيأتيك.. وطبعا قيل هذا الكلام عن زمن كانت فيه الحلاقة ضربا من التعذيب، وتذكر أن فيروس الكورونا ديمقراطي ولا يميز بين الناس بحساب العرق أو الوظيفة أو الثروة فخذ حذرك ما فعل فرفور الذي أعلاه مذكور

الوسوم جعفر-عباس

التعليقات مغلقة.