هل تكون “العدل والمساواة” قاصمة مسار دارفور؟

هل تكون “العدل والمساواة” قاصمة مسار دارفور؟
  • 16 مايو 2020
  • لا توجد تعليقات

د. منى عبدالفتاح

أعادت أجواء العنف التي وقعت أحداثها في ولاية جنوب دارفور بين قبيلتي “الفلاتة” ذات الأصول الأفريقية و”الرزيقات”، التي تعود إلى أصول عربية الأسبوع الماضي، إلى الأذهان صورة دارفور التي تختلف عن بقية مناطق النزاع في السودان. فإضافةً إلى دارفور، اشتعلت أحداث عنف متزامنة في ولاية جنوب كردفان وشرق السودان، ولكن ما يميّز الأولى هو حجم ما تعكسه من هواجس وإسقاطات وسعي لتجاوز تسييس القبائل الذي ظلَّ يغذّي الحرب منذ اندلاعها عام 2003. وهذا ما جعل كثيرين يشيرون إلى أنّ ملامح العنف تشبه ما كانت تقوم به الحكومة السابقة، خصوصاً ما مُنيت به المفاوضات من هزائم وارتطامها في كل مرة بمطالب الحركات المسلحة التفاوضية “مسار دارفور” من الحكومة الانتقالية.  وضمن حركات “مسار دارفور”، تبرز “حركة العدل والمساواة” التي صُنّفت كذراع عسكرية لحزب “المؤتمر الشعبي”، أسّسها حسن الترابي لمواجهة خصومه الذين جاء بهم إلى سدّة الحكم. ونسبة إلى طبيعة مكوّناتها الثورية ذات الصبغة الأيديولوجية، فإنَّ “العدل والمساواة” قد لا تصمد تحت جناح “الحركة الثورية” المتآلفة إلى حدّ ما مع الانتقالية، ذلك أنّ مسارها الخاص أشار إليه رئيس الحركة جبريل إبراهيم في الذكرى الـ12 لغزوة أمدرمان، بإمكانية غزو العاصمة مرةً أخرى.

“الذراع الطويلة”

 نفّذت حركة “العدل والمساواة” عملية “الذراع الطويلة”، ودخلت قواتها العاصمة الوطنية أمدرمان في 10 مايو (أيار) 2008. وفي الذكرى الـ 12 لهذه العملية، قال رئيس الحركة في تغريدة على “تويتر”، إنَّهم مستعدون لدخول العاصمة مرةً أخرى. وعندما كثرت الانتقادات بأنّ مسبّبات الغزوة الأولى قد زالت بزوال الحكومة السابقة، تراجع عن قوله شارحاً أنه كان يقصد الدخول برفقة “الجبهة الثورية” ولكن من بوابة السلام. وعلى الرغم من بعض سمات الرضا عن الحكومة الانتقالية الحالية، إلَّا أنّ “حركة العدل والمساواة” تتّحد مع بقية الحركات المسلحة المنضوية تحت لوائها في المطالب الخاصة بالإقليم، وتفترق عنها تبعاً لأجندتها وتكتيكاتها الخاصة، وفقاً لطبيعة نشوئها وتكوينها وأهدافها.

“الكتاب الأسود”

تولّى جبريل ابراهيم رئاسة “حركة العدل والمساواة” بعد مقتل شقيقه رئيس ومؤسس الحركة السابق خليل إبراهيم، في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2011، في غارة جوية، شمال كردفان. وتشير أصابع الاتهام في مقتله إلى حكومة الإنقاذ التي كان من أشرس المدافعين عنها، وعضواً نشيطاً في “الحركة الإسلامية السودانية”، كما تولّى ثلاث حقائب وزارية، إلَّا أنَّه انسلخ عن “الحركة الإسلامية” وأعلن التمرّد وانضم إلى الحركات المسلحة في دارفور. وتزامناً مع حدوث الخلاف بين البشير والترابي الذي عُرف بالمفاصلة الشهيرة عام 1999، وأدت إلى استبعاد الترابي وتكوين حزب “المؤتمر الشعبي”، صدر “الكتاب الأسود… اختلال ميزان السلطة والثروة في السودان” عام 1999، وتبنّته حركة “العدل والمساواة”، وقيل إنّ الترابي كان وراء هذا الكتاب. ورد فيه أنَّه “كتابٌ راصدٌ للواقع، عارض للحقائق المجرّدة الموثّقة التي لا تنكرها العين ولا تخطئها البصيرة”، كما ورد على لسان رئيس الحركة أنّه “منذ الاستقلال، حكم السودان 12 رئيساً، جميعهم من الإقليم الشمالي. ونحن نتساءل هل هذا الوضع مقصود لأهداف عرقية وسياسية أم أنّ الظروف العسكرية والسياسية الوقتية هي التي كانت تتحكّم في عملية الاختيار؟”. وظلّ أبناء دارفور وقيادات حركاتها المسلحة وأحزابها المعارضة في الخارج يتظلّمون من تهميش حكومة الخرطوم واستئثار أبناء الشمال بالسلطة والثروة.

مطالب “مسار دارفور”

بقيت مطالب أبناء دارفور وتظلّماتهم تشعل الصراع من بين طيّات “الكتاب الأسود” ومحطات المفاوضات من دون حلّ جذري للأزمة في عهد الإنقاذ. ويتكوّن “مسار دارفور” من تنظيمات وحركات: “جيش تحرير السودان” و”العدل والمساواة السودانية” و”تحرير السودان – المجلس الانتقالي” وتجمع قوى تحرير السودان. واتَّخذ مسار إقليم درافور (غرباً) وهو أحد خمسة مسارات لمفاوضات جوبا للسلام، موقعاً بجانب ولايتي جنوب كردفان (جنوباً) والنيل الأزرق (جنوب شرقي)، وشرق السودان وشمال السودان ووسطه. وتوصّلت الحكومة الانتقالية في 18 مارس (آذار) الماضي مع مسار دارفور إلى اتفاق بشأن “ورقة الثروة” وانطلاق محادثات حول ملف الترتيبات الأمنية، ضمن مفاوضات السلام في جوبا.

وكانت الحركات المسلحة التفاوضية “مسار دارفور”، قد قدّمت إلى وفد الحكومة الانتقالية ورقة حول القضايا العالقة الخمس، التي تتمثّل في ملف السلطة والثروة والعدالة والمصالحة وتعويضات المتضرّرين من الحرب وجبر الضرر، إلى جانب النازحين واللاجئين. كما طالبت الحكومة الانتقالية بإعادة هيكلة مجلس السيادة الانتقالي ومؤسسات الدولة والفترة الانتقالية. وهناك النقاط التي ركَّزت عليها الوساطة كإجراءات لبناء الثقة بين الطرفين من بينها: إطلاق سراح أسرى الحرب وإسقاط الأحكام الغيابية والحظر الذي فرضه نظام الرئيس المعزول عمر البشير على بعض قادة الفصائل المسلحة، وفتح الممرات الإنسانية لإغاثة المتضرّرين من الحرب.

استفتاء بثوب جديد

وظلّت حركة “العدل والمساواة” متمسّكةً بمبدأ الإقليم الموحّد لدارفور. وخلفية هذه المشكلة تعود إلى تاريخ انفصال جنوب السودان عام 2011، حين تباينت الآراء حول الاستفتاء على وضع ولايات دارفور الإداري، بين بقائها على حالها أو زيادتها أو الاكتفاء بإقليم واحد. ولم يكن التباين في وجهات النظر فقط، إنّما في تمسّك الحكومة السابقة بإجراء الاستفتاء كأحد استحقاقات اتفاقية أبوجا 2006، بينما كانت الحركات الدارفورية المسلحة ترى أنّ قيام الاستفتاء يُعدُّ نسفاً لمفاوضات الدوحة، التي كانوا يرونها قطعت شوطاً في خلق نواة بناء السلام في الإقليم. وبين نظرة الحكومة التي تختزل الاستفتاء في كونه قضية زمنية، ونظرة الحركات المسلحة إلى الاستحقاقات الأساسية التي ينبغي أن تلتزمها الحكومة، ظلّ قدَر الإقليم معلّقاً ومرهوناً بتجاذبات السياسة إلى ما بعد قيام الثورة.

ولم يُثِر الاستفتاء كبند من بنود الاتفاقية حفيظة أهل دارفور والحركات المسلّحة حين التوقيع عليها، باعتباره أحد منجزات عملية السلام. ولكن عندما أعلنته الحكومة، أثار جدلاً  كبيراً وسط الحركات، بدعوى أنّ حرص الحكومة على إقامة الاستفتاء هو لتقسيم دارفور وإضعاف شوكتها، ما يشي بأنّ هناك فكرة مدفونة وسط نيران الرفض هذه، مفادها بأنّ النتيجة التي لن تكون مرضية ستقود هذه الحركات إلى تبنّي المناداة بحق تقرير المصير. كما كانت هناك أصوات رحبّت باستفتاء دارفور الإداري من حيث المبدأ، إلَّا أنّها توجَّست من حالة الحرب والظروف الأمنية السيئة التي تعيشها دارفور. وترى أنَّه للوصول إلى عملية استفتاء جيدة لا بد من الوصول قبلها إلى اتفاق سياسي مع الحركات المسلحة وتهيئة الظروف لوقف الحرب وتنفيذ بقية بنود اتفاقية أبوجا، حتى ينجح الاستفتاء الإداري.

قاصمة ظهر المسار

وهدّدت حركة “العدل والمساواة” في يناير (كانون الثاني) الماضي، يإيقاف التفاوض مع الحكومة الانتقالية في حال عدم معالجة ملف الأسرى والكشف عن مصير المفقودين. وعلى الرغم من سير المفاوضات بشكل مقبول وسط كل العراقيل، ربما يكون الاختلاف حول بعض التفاصيل قاصماً لوحدة الحركة ضمن مسار دارفور. أما الأهم، فإنَّ هناك ما هو أكبر من التفاصيل ويتعلَّق بتكوين الحركة ذاتها. وتقوم حركة “العدل والمساواة” على عدد من المرتكزات تصبُّ في الإصلاح الدستوري وإنهاء الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي مع العدل والمساواة واحترام مدنية وديمقراطية الدولة وحقوق الجماعات العرقية المختلفة في السودان والتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروات والوظائف والمناصب العليا في الدولة السودانية بعيداً من أي تمييز عرقي أو عنصري.

وهذه في المجمل هي خلاصة ما تنادي به الحركات الدارفورية المسلحة، غير أنَّ الحركات ذات سمت علماني صريح، بينما “العدل والمساواة” تقف على أرضية “حزب المؤتمر الشعبي” الذي انفصل عن “المؤتمر الوطني” سياسياً، بينما بقيت أيديولوجيته الإسلاموية المرتكز الأساسي الذي بإمكان الحركة النهوض استناداً إليه. وعلى الرغم من الخلافات في ظلّ الحكومة السابقة بين “المؤتمر الوطني” الحاكم و”المؤتمر الشعبي” بعد المفاصلة، إلَّا أنّ هناك فرصة الآن لحركة “العدل والمساواة” للتواؤم بعد أن أصبح الجميع خارج دائرة الحكم. وما قد يساعدها على ذلك بشكل حاسم هو تكوينها الإسلامي الثوري وقربها من النظام السابق بجناحيه، إضافةً إلى تاريخ الانشقاقات في الحركة واستعدادها لتصفية الحركات الأخرى مدعومةً لوجستياً وبخبرات عسكرية لا تجد غضاضةً في تدريبها بالخارج والعودة بها لتعويض خفّة الوزن السياسي بالعمل الميداني العسكري.

المصدر: اندبندنت عربية


التعليقات مغلقة.