معطات خالية محطات (1): مطرود من بربر

في العام 1996 رافقت صديقي وزميلي بفرقة تيراب الكوميديا محمد صديق الى منزلهم العامر بمدينة بربر بعد ان فرغنا من موسم اكاديمي وفني رائع… ومكثت برفقته واسرته الكريمة اسبوعا لا ينسى… كانت ليالي الاسبوع الأول عامرة باللقاءات الفنية والعروض المسرحية.. ونهاريات جميلة كنا نقضيها في حديقة اولاد المحقق بحي الشرام…

ولكن ولأن الحلو ما يكملش على قول اخوتنا في شمال الوادي..يومها كت ومستضيفي محمد صديق .. القصير المكير.. عائدان من السوق الى المنزل ندحرج وقتها دراجة والده صديق مختار متعه الله بالصحة والعافية.. استوقفنا شاب حمريطي .. وحمريطي لغير الناطقين بلغة الريف تعني الابوني او ولد الحور كما يطلق عليه في عموم ارض المليون ميل مربع وقتها..استوقفنا وأخرج بطاقته ليرينا هويته الأمنية…،ومطالبا في الوقت ذاته من مستضيفي محمد صديق ان يرافقه الى مكتب الامن واعتباره موقوفا وفق اجراءات تعسفية تعودنا عليها في ذلك الوقت.

قاد هذا الحمريطي زميلي اسكلاتشي كما نلقبه في تيراب الى مكاتب الامن… وركبت انا دراجة عم صديق الى المنزل واخبرت عمي صديق بان هناك حمريطي فاقع لونه لا يسر الناظرين اقتاد محمد الى الى مكتب الامن..لم تفلح محاولاتي في العثور على بدرالدين في ورشة النجارة التي يعمل بها وكذلك فشلت في الوصول الى العازف اسامة بابكر لانهم وقتها قد شرفوا مكاتب جهاز الامن في بربر وزاملوا محمد صديق في المعتقل.

انتظرنا حتى مساء اليوم ولم يعد محمد ولا رفقاء الجلسات الفنية الى منازلهم.. قرر عم صديق ان يصطحبني للذهاب لمدير الامن في منزله عقب صلاة المعرب.. وقد كان.. ذهبنا لنسال سبب اعتقالهم لمحمد وصحبه الكرام..ولم يكن الاستقبال يشابه استقبال الزوار في كل منزل سوداني.. قابلنا مدير الامن بالعنجهية التي عرفوا بها.. ولم يتكرم حتى بوفادتنا بكوب موية زرقاء.. تحدث بصلف وغرور.. بان كل المعتقلين كانوا يجتمعون لمناقشة اجندات سياسية يتآمرون على الحكومة الاسلامية الرشيدة…ولذلك وجب اعتقالهم والتحري معهم … ولم يكتف فرعون زمانه بذلك بل قال لي وانت يا ود الكلاكلة .. بكرة الصباح تركب الباص وتمشي الخرطوم… وتأتي ما تجي بربر…وإذا اصبح الصبح ولم تغادر ستكون برفقة زملاء الاجتماعات السرية في المعتقل…ذهبنا انا وعم صديق لإخراج محمد ورفاقه وعدنا بكرت احمر.. يمنعني البقاء في بربر. (نواصل)