العقوبات الأميركية شماعة فشل النظام وفساده.. ماذا بعد رفعها؟     

العقوبات الأميركية شماعة فشل النظام وفساده.. ماذا بعد رفعها؟     
  • 22 سبتمبر 2017
  • لا توجد تعليقات

حسن احمد الحسن

 

عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات وقيود على إيران منذ أن احتجزت الرهائن الأمريكيين عام 1979، ما أدى إلى حظر تجاري كامل على طهران عام 1995 فضلاً عن قرارات الأمم المتحدة المتلاحقة لمنع إمدادات وبيع ونقل المواد والمعدات والبضائع وغيره، لم تملأ طهران الدنيا عويلاً بالعقوبات وآثارها على اقتصادها بل نجحت في توظيف مواردها الذاتية في صمت وتحقيق تنمية اقتصادية، بل أنها تمكنت من دخول النادي النووي، ثم أجبرت العالم بعد ذلك للجلوس معها لإبرام اتفاقية البرنامج النووي وتخفيف ورفع العقوبات.

أما كوريا الشمالية فقد نالت بدورها سلسلة من العقوبات الأميركية والضغوط الدولية ولم يمنعها ذلك حتى الأسبوع الماضي من انتاج صواريخها النووية المثيرة للجدل، وتحقيق طفرة تكنولوجية في مجال الأسلحة وتقنياتها ولم يعاني شعبها يوما نقصاً في المواد الغذائية أو المحروقات أو الدواء، ولم تحمل صحفها أو تتحدث مجالسها عن قصص الفساد وحماية المتنفذين لها وسرقة المال العام والقروض ومخصصات محاربة الملاريا والأدوية، ومثلما تقوم طهران بإعدام من تثبت عليهم تهم الفساد شنقاً في الميادين العامة كانت تقوم كوريا بنفس الشيء، ولكن على طريقتها الخاصة .

أما كوبا التي عانت من الحصار الأميركي والعقوبات الأميركية الاقتصادية منذ عام 1962 لم يمنعها ذلك من أن تكون أكبر قلعة في العالم للتخصصات الطبية والعلاجية مشتهرة بأطبائها وخبرائها في هذا المجال،  بل أن القيادة الكوبية نجحت في سد أي ثغرات للفساد بالحسم الناجز، وهو ما أعانها على الصمود والبناء، وما أجبر الولايات المتحدة على عهد باراك أوباما على إعادة العلاقات معها بأقوى صورة ممكنة.

أما في السودان فرغم أن نظام الإنقاذ ( نظام الرئيس عمر البشير) هو الذي تسبب بسوء سياساته وممارساته ضد شعبه وانتهاكاته وتبنيه للمتطرفين في العالم في جلب العقوبات الأميركية والغربية والأممية للبلاد والعباد، متسبباً في تأخر البلاد عن النهضة والتنمية لربع قرن، لم يستفيد من تجارب غيره سواء في كوريا او كوبا أو ايران بل عمل بكل جد واجتهاد على استغلال هذه العقوبات كشماعة لغطاء فشله في توفير أبسط مقومات الحياة حتى أضحى المواطنون يطالبون حتى اليوم  بالماء النظيف والخبز والدواء بعد أكثر من ربع قرن من سيطرته على موارد البلاد .

بل أن أنصاره والمقربين والنافذين فيه قد وظفوا العقوبات في بيع مؤسسات الدولة وتبديد مواردها الاقتصادية وبيع بعض ممتلكاتها لأنفسهم بثمن بخس بحجج التمكين والسيطرة الحزبية على الاقتصاد، وتسجيل مئات الشركات الحقيقية والوهمية بأسمائهم وأسماء أفراد اسرهم، لاحتكار حركة الاقتصاد اليومي وتمويل المشروعات على نحو ما هو معلوم للمجتمع السوداني، وغير ذلك كثير مما تحمله الصحف يومياً من صور الفساد والاختلاسات وما تفيض به المجالس.

لم تنجز “الإنقاذ” شيئاً مثلما أنجزت في الواقع رصيفاتها اللائي تعرضن للحصار، وشتان ما بين ما أنجزته كوريا الشمالية وإيران في ظل العقوبات الأميركية عليهما وما أورثته “الإنقاذ” للسودان من تدهور وفقر وتخلف، ويكفي فقط عجزها عن جمع القمامة من الطرق العامة التي تعبرها سياراتهم الفارهة.

الآن جميع المؤشرات التي اعتمدوا إليها إن صدقت تؤكد قرب إعلان رفع العقوبات الأميركية عن البلاد، مع الإبقاء على اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، فما هو المتوقع من عائد للشعب السوداني وما هو الجديد الذي سيقدمه النظام الحاكم للشعب السوداني؟ وما هو الفارق الذي سيلمسه الناس في واقعهم هل هو مجرد نصر اعلامي للنظام ام أنه مدخل لواقع جديد في حياة الناس؟

لعل الجديد الواضح سيكون أن شماعة العقوبات الأميركية التي يستخدمها النظام لتبرير أزمات البلاد لن تعد قائمة أو صالحة لمخادعة الرأي العام بعد رفعها وأخشى ما أخشاه أن يعيد النظام انتاج أخطائه من جديد أن تتوسع مافيا عمليات الفساد التي أضحت مخيفة لدرجة كبيرة دون جدية في محاربتها من قبل الدولة ومؤسساتها وقوانينها، وأن يكون رفع العقوبات فتحاً لمافيا الفساد لا استشرافاً لبناء دولة راشدة.

أو أن يفسر النافذون في النظام أن فتح أميركاً لصفحة جديدة مع السودان يبرر لهم المزيد من استغلال النفوذ وتبديد ثروات البلاد وتقنين أوضاع الذين اثروا من الفساد والمال العام، وتمكين قبضة بطانته وسدنته وممارسة اقصاء من يخالفهم الرأي ومن لا يرغب في تلويث سيرته وتاريخه بنهج الترغيب والترهيب.

غير ان أميركا التي يهمها تحقيق مصالحها في المقام الأول لن تدفع حتما بكل أوراقها في لعبتها مع النظام السوداني حيث ستبقي على ورقة قانون سلام السودان الذي سنه الكونغرس وهو قانون أشبه بقانون جاستا، وستبقي على إسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وستبقي على ملف حقوق الانسان وتحقيق السلام العادل كوسيلة ضغط تظل مرفوعة في وجه النظام.

ولن يكن أمام النظام لتحقيق غاية الرفع الكامل للعقوبات ورفع اسمه من قائمة الإرهاب إلا من خلال ابداء الجدية والصدقية التي تحقق عمليا ًالمشاركة السياسية على أساس انتخابات حرة نزيهة وبناء نظام ديمقراطي بكامل مؤسساته المستقلة، وصياغة دستور ديمقراطي يؤسس لدولة المواطنة والحريات العامة الأساسية، ويوقف الحرب ويحقق السلام والتنمية ، هنا فقط لن يكن أمام واشنطن من خيار غير رفع العقوبات الشامل ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتعامل مع السودان بوزنه الحقيقي وبقيمه الحضارية وبريادته في القارة الأفريقية ودوره الواصل كجسر بين افريقيا والعالم العربي .

ويبقى السؤال قائما كيف سيواجه النظام أزماته بعد زوال شماعة العقوبات التي درج على تعليق كل اخفاقاته على مشجبها تنمية ودواء وغذاء وفيضان وسكة حديد وخطوط بحرية وجوية ومشروع جزيرة ورصف طرق وانارة وجمع قمامة وغيره.

*صحافي سوداني

 

التعليقات مغلقة.