جنوب كردفان حصان يركض بحدوة جديدة

جنوب كردفان حصان يركض بحدوة جديدة
  • 03 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

العالم أحمد دقاش

                                              

قبل ايام فقط وفي تطور دراماتيكي حُسم الجدل حول تعيين الولاة المدنيين بعد أن استهلك جهدا كبيراً ووقتا طويلا من الحكومة ، خلالها كانت “قحت” تعزف لحن وموسيقى حرية ..سلامة ..عدالة، التي حتى الآن لم تتأسس وتتوطن في مناطق النزاع.

جنوب كردفان ظلت تعمل فيها آلة الحرب منذ وقت طويل وسالت فيها دماء ودموع الارامل واليتامى والمحزونين دون توقف وتبدلت معظم مفردات الفرح والجمال الى مناحات وتنقل مواطنها بين صيوانات وتجمعات العزاء تحت الشجر وداخل الكهوف حتى وكأنه قد كتب على إنسانها التعايش مجبراً مع هذا الواقع المحزن. فالمنطقة تعيش غياب هيبة الدولة وحالة اللاقانون. ومنذ قيام الثورة ظلت الولاية يسيرها والياً عسكرياً بقانون الطوارئ الذي يستخدمه عند اللزوم وكثيراً ما كانت ترتكب جرائم فظيعة وتفلتات أمنية كبيرة تسجل ضد مجهول بينما كان الفاعل مشهود ومعلوم.
فاجئنا السيد رئيس الوزراء الدكتور حمدوك بتعيين والياً لجنوب كردفان من خارج الصندوق حيث لم يكن د. حامد البشير اصلاً ضمن الترشيحات ونحسب ان حمدوك قد وفق في ذلك، رغم اننا كنا ندخره لما هو أكبر من الولاية لخبراته المتعددة والمتنوعة .لكن طالما أن الولاية في حالة أصعب وسيولة أدارية وأمنية فلماذا لا نستدعي لها والياً قي قامة د. حامد البشير، وطالما كان هناك بصيص أمل في اصلاح حال الولاية. فالرجل أبن المنطقة ونعرفه عن قرب مدرك لتفاصيلها الاجتماعية والسياسية والتاريخية ، ومتخصص في علم الانثروبلوجيا، علم تنمية العلاقات الانسانية وادارة الشعوب وفوق هذا وذاك فهو سفير وخبير أممي تعلم وخبر الكثير في مطابخ العولمة وسياساتها الكلية والجزئية تجاه الشعوب وخاصة دول العالم الثالث. وفي ذلك قإن جنوب كردفان أولى به وبخبراته التي يمكن أن تسهم في معالجة تقاطعات الولاية التي عقدت المشهد السياسي والاجتماعي على المستوى المحلي بل حتى العلاقة مع المركز الاتحادي لهذا الوطن الجريح.

إذا كان ذلك هو الدكتور حامد البشير والي جنوب كردفان الجديد وما يحمل من مؤهلات وخبرات جاء يحملها على ظهره قاصداً الولاية. فما هي متطلبات نجاحه في هذه المهمة الصعية ؟ تستحضرني هنا مدخل مسرحية كانت معروضة في مسرح جورج ابيض بالقاهرة لفترات طويله اسمها ” باب الفتوح” حيث يبدأ العرض بكلمات قوية تحت مؤثرات صوت وضوء قوية فتقول ” لو أنا منحنا الحرية لكل شخص.. واقمنا العدل حيث كنا .. وزرعنا كل شير من ارضنا.. لملكنا الدنيا إذا شئنا ” لا اتذكر النص بدقة ولكن اعتقد كان هكذا مضمونه. لقد كانت احداث المسرحية تدور حول القائد صلاح الدين الايوبي وكيف أنه وجد محيطه الاقليمي ممزق منهاراً بلا اراده وكيف أنه جيش قومه ونظمهم في مواجهة التحديات والتي كانت وقتها الغزو الصليبي واحتلاله القدس. ومعروف لدينا كيف انتصر.فلماذا لانبتدع شعاراً يوحد أهل جنوب كردفان ويكون هادياً لهم في مواجهة التحديات الراهنة،

اي كان والينا المعين وخلفيته السياسية والاجتماعية فالعبرة في برنامجه من أجل اصلاح الحال. ودعونا نتفق ونركزعلى قاعدة إبن المنطقة المؤهل ويقين أنه سيكون حريصاً على مصلحة أهلها، ونتحرر من وضع الشروط المسبقة بأن يكون الوالي من هذه الأثنية أو تلك أو إجترار مرارات الماضي التي تعزي الكراهية بين مكونات الولاية.
د. حامد البشير قطعاً يحمل في رأسه العديد من الافكار وخاصة مسألة إدارة التنوع في الولاية. وارجو أن لا يشتت جهوده في الاجتماع بأهل المنطقة كمكونات اجتماعية أوقبلية، فالحال والمطلب معروف لكل مجموعة.

لكن الافضل أن يجتمع بهم كأهل مصالح مشتركة في وجود أدنى حد من التوافق السياسي الذي لا يمكن تجاوزه حتى لو تجاوزنا رموزه الافراد. فبعض مكوناتنا له ارتباط تاريخي ووجداني كالثورة المهدية التي بدأت نضالاتها من عرينها في قدير لتحرر كل السودان. بل هناك من له ارتباط وجداني بثورة الفكي علي الميراوي أو ثورة السلطان عجبنا ضد المستعمر، مروراً باتحاد عام جبال النوبة الذي جمع بين التنوع الاثني في المنطقة وتطور ليكون الحزب القومي السوداني وعصريته المواكبة.

وانتهاء بالحركة الشعبية التي تعتز بنضالها وشهدائها. كل ذلك التاريخ والارث نكن له كل التقديروالاحترام وقطعاً أن الجميع يحمل هذا الوطن بجميع اركانه الاربعة في سويداء القلب وحدقات العيون. صحيح أن بعض المكونات الساسية لها ملاحظات وتحفظات تجاه بعض وهذا من طبيعة العمل الساسي ولكن نفهم أن هناك قدر من الاحترام المتبادل. لكن فوق كل ذلك فإن الحل التوفيقي السياسي يقتضي تجاوز الكثير من المرارات والسمو فوق الجراحات من أجل الوطن. وغد إذا جاءنا حاكماً من الحركة الشعبية سنقف معه وندعمه طالما عمل بحق المواطنة وعامل أهل المنطقة سواسية دون الانتصار لفئة دون أخرى وفتحت الحركة ابوابها لتتعامل مع الجميع بتسامح فالاصلح لها أن تحكم المنطقة مستقرة تعيش مكوناتها في سلام.
ما أعرفه أن الوالي المعين مهموم بإعادة الولاية لسيرتها الاولى في التعايش الاجتماعي والسلام والاستقرار، وهذا بالطيع يمر عبر عدة محطات. أهمها إعاده هيبة الدولة وتفعيل القانون وتطبيقه بصرامة على الجميع. وتطوير الادارة الاهلية وتأهيلها لتقوم بدورها كمظلة أجتماعية وإدارة شعبية بعد أن استغلتها الانقاذ لخدمة أغراضها السياسية …

نعم نريد الادارة الاهلية أن تعمل بدفع رباعي، مدركة لوظيفتها في تعزيز العلاقات البينية للقبائل ورعاية افرادها. ومؤكد أن ذلك سوف يساهم في ضبط المتفلتين بينها والكشف عن جرائمهم بعد أن كانت القبيلة ملاذاً أمناً لكثير من المتفلتين الخارجين عن القانون.

سعدت جداً بتصريج د. رضوان النيل كنده ألذي كان أحد المرشحين لولاية جنوب كردفان. فالرجل قد رحب بتعيين دكتور حامد البشيروالياً دون تحفظ ،ولم يقل انا او اخربها لكونه فقد فقد الفرصة قي أن يكون والياً. بل دعا كل مكونات الولاية الى التعاون مع الوالي المعين ودعمه ومساندته بما يمكنه النهوض بواجباته. وهكذا في رأي يكون الفهم الناضج والسليم للمعاني الكلية للعمل السياسي والوطنية. فلا داعي للعودة الى الاسطوانة التي درج البعض تكرارها أن فلان لا نقبله لأنه يتبع لجهة ما قامت بالانحياز لمجموعة وسلحتها ضد أخرى لأن مثل هذا الكلام يقود آخرين لاثارة موضوع ضرب الحركة الشعبية انتقاءً لمجموعات دون أخرى في وقت مبكر سبق حكومة الديمقراطية الثالثة المتهمة بالتسليح وتكوين الدفاع الشعبي فيما بعد. ودونك مثالاً ضرب الرُحل في الدبكر والاميرة وام ضهيب من ضواحي الليري في في 83/84 وأخيراً مجزرة القردود وأم سكينة والبطحاء ومناطق أخرى من ضواحي تلودي في 85م ومناطق اخرى في وسط الولاية، مما دفع هذه المجموعات لحمل السلاح لحماية نفسها. وفي اعتقادي أن تيادل مثل هذه الاتهامات يعني الانزلاق في مغالطات تعبئ الصدور بالكراهية والاستقطاب.

صحيح أن بعض الجرائم لن يسقط بالتقادم وهذه يمكن أن نبني لها ملفات خاصة ونعالجها قانونياً ، لكن دعونا نقول نحن ابناء اليوم وعلينا مخاطبة مشكلة مواطن المنطقة الآن الذي بحاجة الى اعادة بناء مدرسة الريف التي دمرتها الحرب والاهمال / بناء المستوصفات والشفخات / تطوير مستشفيات المدن وتأهيلها/ بناء الطرق والجسور لتسهيل الحركة ونقل المنتجات.. المواطن يريد بناء احياء وقرى السلام لإعادة توطين اللاجئين..

المواطن يرغب في الحصول على الخدمات كغيره من مواطني بقية الولايات .. المواطن يريد أن يقرر بنفسه وبحرية في شئونه المحلية بدون أي ضغوط أو توجيهات خارجية ويحدد ايهما اصلح له ،الحكم الذاتي أم الفدرالي.. المواطن يريد أن يذهب ليزرع ارضه ويعود الى بيته هو آمن. وكذلك يريد ان يخرج ليرعي بهيمته في الصباح ويعود في المساء وهو أمن مطمئن.

الخلاصة أن مواطن جنوب كردفان قد عاني في صبر سنين عجاف واليوم يود أن يستقبل والياً يركب حصاناً ابيضاً علي حافريه حدوة جديدة من حديد تمكنه من الركض تجاه مستقبل مشرق يستشرف فية آمالاً عريضة سندها الاعتماد على الذات والثقة في النفس .. فمرحباً بالدكتور حامد البشير والياً لجنوب كردفان ونأمل أن نؤكد له جميعنا نحن مواطني الولاية أننا ابناء اليوم ولا رجوع الى الخلف بأذن الله.

التعليقات مغلقة.