لثورة أصل في النفس والمجتمع

لثورة أصل في النفس والمجتمع
  • 09 ديسمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

محمد حمدون

هل تحب الخمول والكسل ؟! ..
لماذا تنتفض ضد المرض حالما يداهمك ؟
الجهل سيدك…أو أنت السيد إن لم تستسلم له..

.. إجابات التساؤلات أعلاه كلها ثائرة ، بطبيعتها وليست بتدخل مخل ، فحبك للنشاط ، وكراهيتك للمرض ونفورك من الجهل ، هذه ثورتك بالطبع الإنساني الجِّبِلي ، فقد تتعطل هذه الطباع لأسباب خارجة عن الإرادة ؛ فالجاهل لأسباب معينة جاءه الجهل ، والمريض لأسباب معينة كان المرض ملازماً له ، والمتوحد لأسباب نفسية توَّحد واْنطوَى .لكن الإنسان ذا الوعي ، بعقل وفطرة سليمة وقلب نابض وصحةٍ وإرادة تامة ، فهذه عوامل فطرة خَلقية وخُلقية ، تجعل منه ثائراً..
مصادرةُ واحدةً من عوامل الطبع هذه ، تكون وسائل الفطرة الثائرة في النفس الإنسانية قد تعطلت ، فلا ثورة من مجنون ، ولا ثورة من مسجون مسلوب الإرادة ، ولا ثورة من جاهل( من هو الجاهل؟).. ولا ثورة من مختل الصحة ، ولا تُتصور الثورةُ من ميت .ولماكانت تلك هي عوامل حياة المرء ،فان اْنعدامها يعني موت الذات بمعانيها ولا نعني موت الجسمان ،
فليس ثمة شك يتداعى لمخيلة العارفين بأدبيات الثورات أن الثورة الشعبية أدب وفن ، وهي ضمن هذا المفهوم الكبير في حياة الشعوب ،فأنما هي إذن لها أهميتها البالغة في حياة كل مجتمع ، ولا نتصور مجتمعاً غير ثائر وإلا لانتفت الإستمرارية وانقرض النوع ، ولم يكن بالضرورة أن تكون كل ثورة بحجم مُتصور ومقيسة حدودها بحيث نرى واحدة ثورة ، وأخرى ليست ثورة ،إذ من الممكن أن يكون كل حراك لأجل التغيير هو ثورة..وهو كذلك.

تعريف الثورة:
بعيداً عن التعريفات الكلاسيكية ، ماهيةُ الثورة ملفوف في معنى الحراك ضد السكون بحيث أدى هذا السكون لحراك آخر لا تنعقد فيه مصلحة ذات أو ذوات جماعية..وليس كل سكون ، لكنه السكون الذي ينطوي علي آثارٍ تنعدم فيها الإيجابية ، سكون سلبي ، ومن سلبيته أن نرى نتائجه بادية علي المجتمع من فقر مدقع بين أفراد المجتمع يتعدى معدله خط الفقر العالمي ،وأمية بكل أنواعها بين أوساط المجتمع ،ونسبة تشرد كبيرة واْرتفاع في معدلات البطالة وسط الشباب وخريجي الجامعات وتدنٍ كبير في معدلات الأجور بحيث يُحدث ذلك فارغاً كبيراً بين الدخل الشخصي وتكلفة المعيشة المرتفعة لأسباب متراكمة أهمها مطلقاً الأسباب المعيشية للناس والظلم المجتمعي ومايترتب عليه، ومن ذلك فإن الثورة إنما هي في الحقيقة ثورتان :
الأولي: ثورة داخلية ذاتية تنتفض فيها نفس الإنسان وتتنازع نفسياته حتى تتمهد الدواخل وتتهيء للثورة الأخرى التي جاءت أسبابها وتجلت..


الثورة الثانية : هي التي كانت محل الرجاء وأساس الحراك الداخلي الذي ثار ؛ وهي الثورة الذاتية ضد الجهل و الفقر و الظلم و ثورة ضد التحكم والديكتاتورية..ألخ..
هذا الجانب السالب من السكون هو الذي يتطلب العمل الحركي الشعبوي وهذا العمل هو المعنِي بالثورة…
…إذن نتعرف للثورة من كونها حراكاً داخلياً ذاتياً فردياً أو جماهيرياً لأجل التغيير(الذاتي أو الجماعي) تطلعاً للخروج من راهنٍ جاء قاطعاً لأسباب معينة فأحال المجتمع والوطن لراهن آخر إما سيءٍ أو أسوأ.


…عليه فإن هذا الحراك الجماهيري المسمى ثورة ، له متطلباته المتفق عليها من جماهير المجتمع المعين ، هذه الأركان تمثل نقطة إتفاق تلقائية بين مكونات المجتمع ، نراها من التعريف كمال يلي :أولا: وجود حالة راهنة جديدة دحرجت الوطن بأكمله لحال سيئ ، أو لحال أسوأ ، بسبب الفساد في الأساس والظلم وهما منبع الأسباب كلها..
ثانياً : التحكم الكبير والسيطرة القابضة علي كل مفاصل وتفاصيل الوطن والمجتمع…


ثالثاً : عدم وجود نوعين من الرقابة لدى موظفي الدولة ، هما : الرقابة الذاتية ، وهذه تعكس مدى تجذر الأخلاق ووطنية الموظف العام وحبه لبلده..والأهم مدى إيمانه والإلتزام بقواعد دينه وهنا تترائى أمامه أوامر الدين ومنهياته فيلتزم ويخدم وطنه مخلصاً..


و الرقابة القانونية: و هذه لها أهميتها الكبيرة في تسيير العمل ، هاتان الرقابتان ، ينطوي إنتفائهما على كوارث جمة تتقازف بالمجتمع فتفككه . وأكبر كارثة تحل بسبب إنعدامهما هي كارثةالفساد ،والفساد شر مستطير..لا شئ يبقى مستقيماً في الحياة ببقاء الفساد…


…هذا المثلث من النقاط…يمثل وجوده في أي مجتمع ،إثارة العواطف والعقول.. فتتولد من ذلك الثورة ، وعامل الزمن كفيل بتراكم هذه الأسباب ومن التراكم تنتج شرارة الثورة فتتصاعد وتتكاثر حتى تبلغ مداها ،وعند الوصول لمرحلة معينة، تكون القوة الأكبر عند الشعب ، عندها لن تجدي أية قوة أخرى ولن تنفع…فانها مرحلة أن يستمع الكل لصوت الشعب المتردد عبر جدار الفضاء الواسع..مردداً أهداف وغايات الشعب حيال بلده .


بالطبع تختلف وتتعدد أنواع الثورات ، فثورة صناعية وعلمية ونهضوية وثورة سياسية وغيرها..
فهي تختلف باختلاف الأهداف والغايات والوسائل وطبيعة الأفراد والمجتمعات ودرجةوالوعي واختلاف الثقافات . لكن بالعموم ،فالثورة أياً كان نوعها ، فإنها حراكاً من بعد خمول لفترة تقصر أو تطول ، لها أهدافها المتفق عليها جَمْعياً من أبناء رِقعة جغرافية معينة( حي..مدينة..دولة..)أو كياناً معيناً كاتحادٍ أو نقابة أو مؤسسة معينة ، أو فكر معين ، ولو أن الثورة اْنصرفت بالأذهان في معناها لثورة الشعب بأكمله في الدولة كلها ، لكن الأكيد والأهم هو أن الثورة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحقوق فكل مطالبها هي الحقوق ، فليس هنالك ثورة تستبعد ضمن أهدافها مطالب بالحقوق فهي تقتصر علي ذلك رغم تعدد سبل ذلك ، فثورتي ضد الجهل ، هي ثورة الحق في التعلم ، وثورة تناهض الظلم هي ثورة تطلب حقها من العدل ، وثورة تطالب بنبذ الإهانة والتهميش والإذلال ، هي ثورة تطلب حقها في الحياة الكريمة والإعتبار الإنساني لوجودها في المجتمع والوطن..


…جزئية علمية صغيرة نتبين منها فطرية الثورة في كل نفس بشرية ، ولو أن درجات الوعي والعلم والفهم والثقافة لها مفعولها الكبير في معنى الثورة عند كل شخص..وكل مجتمع…إن عمليات انقسام الخلايا في طور التكوين الأولي لكل كائن وللإنسان خاصة لهي بدايات تأصيل الثورة في النفس الإنسانية ، والعجيب أن خلايا كل الجسم تتنادى من كل جزء في الجسد لتُعبر عن رفضها للمرض الذي داهم جزءاً من الجسد ، فنوع معين من الخلايا الجذعية تتمايز لتعطي خلايا من نوع تلك التي أصابها العطب كجرح مثلاً ،ونرى نحن الجرحَ وقد اْندمل خلال فترة قصيرة ، دون أن يستدعي ذلك اْنتباهنا ،أليست هذه ثورة الفطرة التي جُبل الناس عليها؟!!.

الوسوم محمد-حمدون

التعليقات مغلقة.