واقعتان عن التآمر على الثورة: أين كمامات الفيروس؟

واقعتان عن التآمر على الثورة: أين كمامات الفيروس؟
  • 02 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

د. مرتضى الغالي

مسألتان مؤرقتان … وكلاهما من تآمر الثورة المضادة…أولاهما الأمر المؤسف الذي جعل بعض أفراد عائلات سودانية يدافعون عن الفساد عياناً بياناً ويرفضون إجراءات العدالة والقضاء؛ لأن أرباب أسرهم كانوا من قادة الإنقاذ ووزرائها ومسؤوليها….ولهذا يقتحمون دواوين العدالة في غوغائية وهمجية لأنهم يعرفون أن الناس لن تعاملهم كما كان الحال أيام الإنقاذ المُجرمة.. جاؤوا يصرخون مطالبين بإطلاق سراح آبائهم المتهمين بالفساد المالي وجرائم القتل والتزوير والاعتداء على الدستور، كأن هؤلاء الآباء والأزواج لهم حصانة خاصة ضد المساءلة من التحقيق والتحري والمحاكمة… فمن يجرؤ على الاقتراب من (نعامة المك)..!!

طيب هل غضبتم عندما جرى دق مسمار على رأس مُحتجز أعزل بغير جريرة..؟! ماذا لو كان هذا المسمار الصدئ في رأس واحد من (بارونات الإنقاذ) الذين تطالبون بإخلاء سبيلهم…؟! هل ترضون بإفلات القتلة ومرتكبي جرائم التعذيب والحرامية من العقاب..؟ لماذا لا تنتظرون حكم البراءة على هذه الحملان الوديعة التي تشكو من بطْء (مروحة المكيفات) في غرف السجن الأنيقة؟ لماذا تريدون تمييزهم عن بقية المتهمين وحتى على أصحاب الجُنح الصغيرة من (نطاطي الحيط) ونشالي المحافظ..؟! خاطبوكم بالحسنى داخل الأروقة العدلية وانتم تقابلون التأدب بتهريج سخيف وصباياكم يرفعون أصابعهم في وجوه الكبار تأكيداً على سوء الأدب و(نقص التربية)…! هل هكذا أدبهم أباؤهم حماة الشريعة وأهل الشرع ودعاة الفضائل وأساتذة الجامعات..؟! لماذا لم تقدموا عريضتكم أو مكتوبكم في أدب وتحملوا اللافتات كما كان يفعل شباب الثورة..ليس أمام محامين وقضاة وأفندية بل أمام دبابات وتاتشرات ومصفحات ودوشكات..!!

العدل حق والسجن للمجرمين والحبس للمشبوهين والناس سواسية أمام القانون فقد انقضى عهد المحسوبية والاستباحة (والولد خال) والناس لا يأمنون إخلاء سبيل متآمرين على الوطن ليعيثوا في الأرض فساداً وإجراماً مرة أخرى كما فعلوا لمدى ثلاثين عاماً يعرفها القاصي والداني.. فهل فاتت على أولادهم وأسرهم؟! أم أن إطعام الفم هو الطريق إلى إغماض العين؟ وأن الرفاهية المادية التي يوفّرها الآباء للأسرة يمكن أن تكون (صك براءة) للقاتل الأثيم والسارق الزنيم..؟!

معلوم أن الإنقاذ أفقرت الوطن وأغنت قياداتها ومحاسيبها ورفعتهم من صحاري (الكدم والعدم) إلى سواحل (الكوت دازور وميامي بيتش) والاتهامات الموجهة لمسؤولي الإنقاذ جسيمة فلا يظنها ذووهم (هينّة وليّنة) ومن النوع الذي يتم فيه الإفراج بالضمانة المالية المليارية في عهد (سمسرة الإنقاذ) بكل شيء في السودان حتى التقاضي.. ومعلوم أن أصغر صبي في الأسر الإنقاذية (أياها) يمكن أن يدفع المليارات في غمضة عين.. من طرف جيبه الشمال..!

قبل سقوط الإنقاذ وفي أيام النعمة المسروقة كان على هذه الأسر أن تتساءل عن شبهة الفساد لدى الآباء الإنقاذيين.. فهي واضحة بيّنة إلا لمن يحب أن يرتدي (نظارات نادية لطفي)..! وكان عليها أن تراجعهم في ما يفعلونه بالبلاد والعباد؟ وكان عليها أن تتشكك في الثروات غريبة المصدر التي تتدفق عليهم بأحجام مهولة ومن مصادر مجهولة ولكنهم (كفوا الماجور وقلبوا الطاجن) على النفس اللوّامة.. ..وكان على هذا الفتى الذي يرفع إصبعه الآن في وجه الناس أن يخرج من (حياة النغنغة) التي استيقظ من نومه (فوجدها على كومه) ليسأل عن مصدر ثروة الأب الموظف معلوم الماهية (غير الوارث) أو الوزير محدود الماهية (ابن العامل) من أين لهذا وذاك كل هذه العمارات و”مُراحات الإبل” والشركات والمزارع (والسفر كل أسبوع لبلاد برَه) والسكنى في عشرات الأفدنة وتأجير البنايات بالدولارات لهيئات وشركات الخواجات الكفرة؟

ألم يسبق أن سأل صحفي صاحب ضمير وشجاعة في مشهد عام أحد هؤلاء الآباء الإنقاذيين وقال له: كيف يكون لابنك الطالب أكثر من سيارة وكيف يملك المليارات.. فماذا كان جزاؤه؟ هل وجهوه للمحاكمة أم لاحقوه وشردوه وضربوه ضرب غرائب الإبل عقاباً له بأنه تجرأ وتحدث عن (ابن ملك الدنمارك)؟!

من المؤسف أن تدافع عائلات سودانية عن رب الأسرة وهي تعلم انه متهم بحيازة المال الحرام أو أنه قاتل أو انه كان يعذب الناس بيده داخل السجون..! ولا يعقل أن يغيب ما يعلمه كل السودانيين عن هذه العائلات الإنقاذية هذا أمر مخجل .. يدل عن سقطة أخلاقية ترفض مجريات العدالة بشفاعة القرابة (ماذا كان سيحدث لوعيد الرسول الكريم لو سرقت ابنته فاطمة؟!).. يا لها من وصمة عار..!!
المسألة الثانية أيضاً (سقطة أخرى مدوية) تتعلق بأمر تروّيت فيه لأني لم أصدقه في بادئ الأمر.. وهو حديث لشخص عسكري اسمه (صلاح عبد الخالق) قالوا إنه يحمل رتبة فريق وكان في مقعد بمجلس السيادة.. وهو قوله كما نُشر في الصحف (لو عاوزنها مدنية كان يمشوا يعتصموا في الدايات… ليه جوا اعتصموا لينا في القيادة)..هذه حديث (ساقط ركيك) بكل ما في الكلمتين من معنى ولا يمكن تجاوزه؛ أولاً الذي اعتصموا في ميدان القيادة هم الشعب السوداني أو هم التمثل الأوسع والممكن في الزمان والمكان لكافة الشعب.. وإذا أراد هذا الرجل أن يغالط ويماري في ذلك فنحن على استعداد لسماع حجته..!

ثانياً: والله العظيم هؤلاء الناس لم يأتوا إليك ولا إلى من ترى أنهم على شاكلتك.. هؤلاء أتوا إلي الجيش السوداني وهو جيش الوطن وجيش الشعب.. أتوا إلى ميدان القيادة بهذا الاعتبار وبهذه الرمزية، وجعلوا منه (مدينة فاضلة) قد لا تحبها أو تفهم معناها.. فهل ترى إنهم أتوا الجيش خوفاً ليندسوا خلفه.. وأنت تعلم إن شباب الاعتصام كانوا الأسرع إلى مواجهة الدبابات والمصفحات وتلقّي الرصاص بالصدور العارية.. وقد استشهدوا حقاً وصدقاً على المتاريس.. فهل هذه حالة ناس جاءوا بمشاعر الخوف والاندساس..؟! ..هل الجيش ملكك أنت حتى تعود بالضمير إلى ذاتك وتقول (ما كانوا جوا لينا)؟!

ثالثاً: السقطة الأكبر هي إيراد عبارة (الدايات) من باب التحقير ..!! هذه المؤسسة العظيمة… مكان صناعة الحياة التي كرّمها الله جعلها هذا الرجل مطعناً للتحقير (الأطرش) الجاهل..؟ مكان أرفع لحظات الوجود الإنساني أصبحت عنده (معرّة) وتحقير واستخفاف جاهل جهول..؟ هذا المكان الجليل.. حيث صرخة الميلاد وعظمة عطاء الأمومة..! هل أراد الرجل السخرية من كل الثوار السودانيين واعتصامهم الذي (أخزى عين الإنقاذ) والذي وقفت له كل منابر العالم إعجاباً ودهشة..هل يظن أن الثوار جاءوا لميدان القيادة بأيديهم العارية في وجه كل آليات الموت من أجل الاحتماء بأحد.. أو الدعوة إلي (نصف حكومة)..؟!
إذا لم يكن هذا هو السقوط فقولوا لنا ماذا يكون..؟! الله لا كسّب الإنقاذ…!

التعليقات مغلقة.