جهاز المغتربين: “وجبات السمك” أم معهد لأطفال الشوارع؟

جهاز  المغتربين: “وجبات السمك” أم معهد لأطفال الشوارع؟
  • 08 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

عواطف عبداللطيف

برفقة سعادةً حمدوك، ضجت الأسافير بصورة مهندمة للأمين العام لشوؤن تنظيم المغتربين الجديد وهو يعلن تنازله عن راتبه طيلة عمله لنفرة القومة ليك يا وطن، رغم أن طفل الدرداقة وماسح الاحذية وأم الشهيد وملح الارض تسابقوا لمداواة جراح الوطن بدلاً من اعتذاره عن المنصب العالة علي الجهاز الحكومي قبل أن يكون علي كيان المغتربين، فأي حظوة هذه، وأي حوبة ملحة التي جعلت ملء هذا الشاغر الطفيليء والمطلوب أصلا إلغاؤه يتقدم حتى علي الملفات الساخنة كتعيين الولاة والدبلوماسيين بالخارج، وقضايا بناء مؤسسات ناهضة وداعمة للتنمية المستدامة، وتقصير الظل الاداري، والصرف البدخي، وأي رسالة يريد إيصالها بهذه الطلة أكرمه الله، في وقت نعلم ان بعض منسوبي مقطوع الطاريء الشرفاء قدموا مساهماتهم المادية لقناعتهم الشخصية ان الوطن فعلا عليل .

إن ما يعرف بجهاز تنظيم شوؤن العاملين بالخارج هو أساس العلل بالخدمة المدنية غير الوطنيه وتركة ثقيلة يجب بترها، ولا مساغ قانوني أصلا له فهو لم يصنع الفرص الوظيفية والتعليمية للمغترب وابنائهم، ولا سجل حضوراً في ملفات حفظ كرامتهم المبعثرة بدول المهجر، ولا خلق لهم الفرص الاستثمارية الطموحة لتعمير بلدهم وتطوير مدخراتهم، فأي سوداني حمل حقيبته وأوراقه وشق طريقه في فجاج أرض الله الواسعة لتدبر لقمة عيشه لأسرته ولتحسين ظروفه الوظيفية وإرضاء تطلعاته العلمية المستقبلية.

وفي إجازاتهم او زياراتهم الاضطرارية مجبرين لاقتطاع وقتهم الثمين ليقفوا بالأيام والساعات ذليلين متوترين يتصببون عرقاً من نافذة ليركضوا لأخرى ليملؤوا اورنيك وليختموا الآخر، ليس هذا فحسب، فلكل وريقة رسومها، ولكل نافذة دفعيتها عدا نقدا، وفي قمة الضيق والتزاحم بالأرجل والاكتاف مرضى وعجزة ونساء بأطفالهم الرضع يلجؤون للوسطاء ليقوموا عنهم بهذا الرهق، وكله بثمنه، فما أن يحين توقيت إجراءت الخروج والاتاوات والضرائب والدمغات الوهمية وغيرها الكثير الذي شبه المغترب بالبقرة الحلوب إلا ويتحسس “وما خبأه لهذا اليوم الأسود”، فالبحر خلفه والنار أمامه، فلعل بعض من الريالات أو حفنة دولارات تغطي هذه الجبايات الخانقة والضرائب الجائرة فيجد ان التزاماته الشخصية والاسرية وجيرانه وصحبه قد تقاصرت عما تبقى من محصلته المادية فيضطر للاستدانة من هنا وهناك، وقد يلجأ بالحاح لرفقة عمله بالخارج بعد أن يكون رصيده الذي سهر الليالي ليحصده من كفاحه السنوي ببلاد الاغتراب قد نفد تماماً، ستر به اخوته، ورتق جلباب عمه وخالته.

وإن شاءت الظروف ووقع في معضلة كضياع مستندات ثبوتية وطرق باب اي من مسوؤلي الجهاز وجده موصدا تماما لأن ” صينية الأفطار” أُدخلت للامين العام وربعه، وكبار موظفيه، فقد كنت أحرص في كثير من تلك الاوقات العصيبة ان أطرق تلك الابواب، فتجاهد اتيام السكرتارية لتطفيشك بحجة عنده اجتماع، ورائحة الاسماك و التقلية تضرب انفك، وهذه نحسب أنها من أسوا السلوكيات بدواوين الحكومة، أفطار المسوؤلين وطق حنك وقت الظهيرة، والذي تغلق له القاعات، وتعطل الاعمال، وليت رئيس مجلس السيادة يصدر قراراً صارما ًيمنع وجبة الإفطار بمكاتب الدولة، ويكون ملزما لكبار رجالات الدولة قبل موظفيها تماما كالقرار الذي اصدره الرئيس نميري أبو عاج بمنع ارتداء الموظفات للاثواب الملونة، وتعميم الابيض، الذي صار العلامة الابرز لهن حتى في ماموريات العمل الخارجية.

وعودة لموضوع سيء الذكر جهاز المغتربين البيروقراطي المترهل بست ادارات و٣٠ قسماً والمتداخلة مهامه وكثير من اجهزة الدولة والجاثم علي صدر ما يقارب من ستة ملايين مغترب بعثر جزءاً غير قليل من مداخيلهم قوة عين كدى، فقد اصيبت الجاليات الناشطة والروابط المهنية بدول الاغتراب بالصدمة، ووقفت بمحطات الاندهاش لتعيين أمين عام جديد للجهاز، كأنه من الملفات الحيوية والساخنة او من اولويات بناء المؤسسات الثورية ونهضتها في الوقت الذي اطلقت الجاليات مناشدة لإلغاء هذا الكيان العبء الثقيل علي كاهلهم، والذي مص دماءهم، وفشل منذ قيامه في بداية الثمانينات في إنشاء اي شراكات ذكية لتصب في مواعين التنمية المستدامة.

وجاء التعيين الصادم بدلاً من الاإغاء الكامل برغم أن كثيراً من الوظائف المفصلية الضرورية والملحة الحساسة لم تجد الحسم كشواغر السفارات والمديرين العامين للبنوك والمستشفيات والجامعات الخ، وما زال ميزان الانظمة والقوانين مختلاً والخزائن خاوية، وبرغم ان الكيانات بالمهاجر في مشارق الارض ومغاربها ظلت تشكوا لطوب الارض من هذا الجسم الطفيلي المتغول علي مداخيلهم، ويهين كرامتهم، ولا يوجد مثيله في بلاد العالم ذات الكثافة المهاجرة، وتطالب بإلغائه وليس تغيير وجه بآخر، وتحويل مهامه عفوا الاعتباطية لإدارة الشؤون القنصلية بوزارة الخارجية، و مقره المتمدد يحول كمشفى دولي يدار كشركة مساهمة عامة، وعمالته من الكفاءات العلمية بالمهجر او مدرسة فنية مهنية تعيد تأهيل أطفال الشوارع والمشردين كمعهد القرش سابقاً، فإذا بقرار صادم يصدر بتعيين أمين عام للجهاز لتندثر تطلعات الجيش الجرار والضلع الأهم في معادلة المجتمع السوداني غير العليل وانجع اذرعه في السراء والضيق والنماء المستدام والشريك الاصيل في مسارات النضال الوطني وملح طعام الغبش في افراحهم واتراحهم وترجمة لبنود ثورته حرية سلام وعدالة لتترجم لصالح الوطن والمواطن بدلا من التهامي لمكين تيراب، كأنها لعبة كراسي، وسلامتكم
اعلامية وناشطة اجتماعية مقيمة بقطر
Awatifderar1@gmail.com

التعليقات مغلقة.