عملٌ بلا إعلام.. حربٌ بلا سلاح

عملٌ بلا إعلام.. حربٌ بلا سلاح
  • 13 يوليو 2020
  • لا توجد تعليقات


أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي تواجه حكومة الفترة الانتقالية يتمثل في الآلة الإعلامية للقوى المضادة للثورة، التي تستوجب استنهاض كل الطاقات الإعلامية المخلصة في داخل الوطن وخارجه من أجل الدفاع عن ثورة الشعب التي اقتلعت نظاماً قبع في السلطة 30 عاماً، ووجه كل إمكاناته لبناء ترسانة أمنية، وأخرى إعلامية، وقد كان هناك تهاون ولا يزال من حكومة الفترة الانتقالية، وقبلها المجلس العسكري الانتقالي، في اقتلاع هاتين الترسانتين.

وتتضاعف الحاجة إلى هذا الاستنهاض، والحكومة الانتقالية تخوض حرباً ضروساً في اتجاهات عدة، أهمها إزالة التمكين، ويبدو واضحاً أن اللجنة المعنية تجابه استهدافاً إعلاميّاً، من خلال ما يسمى “الجداد الإلكتروني”، في محاولة للنيل من أعضائها، وممارسة اغتيال الشخصية عليهم، والتشكيك في إجراءاتها من الناحية القانونيّة، والادعاء بعدم ملكيّة رموز النظام لما يصادر منهم من أموال، وعقارات، ونحوها.

وتتضاعف الحاجة إلى الإعلام، و”الانتقالية” تمضي إلى قضايا خلافية عميقة، مثل الاتفاق مع الحركات المسلحة، وما يشتمل عليه هذا الاتفاق من موضوعات حساسة، كعلمانية الدولة، التي تصر عليها بعض الحركات، من دون مراعاة أن ذلك يصدم عقيدة كثيرين من عامة الناس، بفعل آلة الإعلام المضاد التي تذهب مذاهب شتى في تناول الأمر، وتصل إلى نتيجة مفادها مفارقة السلطة للإسلام، وسيطرة الكفرة والملاحدة على مقاليد الأمور، ومن ثم، تتعالى دعوات الجهاد، والتكفير، واللعب على وتر الدين، مما يفتح الباب لمتشددي العالم للنهوض لمحاربة الدولة الكافرة، في ظنهم.

وتأتي التعديلات في القوانين من دون ذراع إعلامي يشرح ويبين ويزيل ما قد يكون من لبس لتعطي الفرصة للمهووسين الذين ولغوا في فساد النظام البائد ليعودوا ببضاعتهم القديمة، ليعيدوا الترويج لها، ولسان حالهم “يا متشددي العالم اتّحدوا”، وهم يدركون سهولة استثارة المشاعر الدينيّة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي ترسل رسائل مقتضبة تجد صدى لدى البسطاء، الذين لا قبل لهم بالمقالات والدراسات التي تقدم وجهات نظر، قد تكون مع التعديلات وداعمة لها.

أي الاعتماد هنا في الدفاع عن خطوة الحكومة على الاجتهادات والمبادرات الشخصية، وبعض البيانات الرسمية التي لا يطلع عليها الأغلبية، بينما يرسل المعارضون رسائلهم عبر وسائط مختلفة تخاطب البسطاء، وتدغدغ مشاعرهم، مما يفتح جبهة لا قبل للحكومة لمواجهتها، ما لم تتسلح بإعلام قوي قادر على اختراق الحجب، والوصول إلى الجمهور المستهدف بلسان مبين وأسلوب سهل يناسبانه، ويزيلان ما أغلق عليه.

إن الاستمرار من دون إستراتيجيّة إعلامية توظف كل وسائل الإعلام، وتبدع في صوغ محتوى إعلامي يخاطب كل الفئات، ويحمل الإجابات عما يدور في اذهان كل منها من تساؤلات واستفسارات حول كل قضيّة عامة يبدو مخاطرة غير محمود العواقب، لأنه إذا تلقف المغرضون القضية، ونسجوا من الرسائل ما يؤثر في الرأي العام، أو في أي مجموعة في المجتمع، فإن ذلك سيثقل كاهل الإعلام الرسمي، الذي عليه أن يزيل ما علق في الأذهان من آراء وقناعات مضادة، وبعد ذلك يحاول أن يقنع بما يراه، وبما يحقق التفاعل مع السياسات والممارسات التي تتبناها الحكومة.

لقد آن الأوان لصوغ إستراتيجية إعلامية تقدم الدعم للمصالح الوطنية، وتدافع عن السياسات التي تتخذها الحكومة الانتقاليّة، على أن تقوم هذه السياسات على إستراتيجية واضحة تحدد الأهداف، وترسم الطريق لتحقيقها، مع الاستمرار في التقييم، والأخذ في الحسبان ردود الفعل المتوقعة، وقبل ذلك كله تحدد الأولويات، وتختار الوقت المناسب، حتى لا يصبح كل قرار تتخذه الحكومة عبئاً ثقيلاً يستوجب عملاً إعلاميّاً كبيراً للإقناع، في ظل التربص الواضح من قوى الثورة المضادة.

إن أي عمل بلا إعلام داعم ومؤمن به كخوض حرب بلا سلاح.

التعليقات مغلقة.