دكتور كامل إدريس: اصطدام الكتاب النظري مع الواقع المؤلم والصراع المحتدم

دكتور كامل إدريس: اصطدام الكتاب النظري مع الواقع المؤلم والصراع المحتدم
  • 04 يونيو 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

▪️في لحظة فارقة من تاريخ السودان، وفي ظل واقع لا يُطاق، يطل علينا الدكتور كامل إدريس، رجل القانون الدولي المعروف والمدير الأسبق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ليُكلف بتشكيل الحكومة الانتقالية وإدارة دفة البلاد في وقت تُغرقه الفوضى، وتحاصره النيران من كل جانب. رجل يحمل في جعبته كتبًا تنضح بالفكر والتنظير، وتفاؤلاً استراتيجياً يغري الحالمين. لكن، هل تكفي هذه النظريات لمداواة جراح وطن يتنفس الموت والتشظي؟
بين التنظير والواقع: المفارقة القاتلة
من يطالع كتابات دكتور كامل إدريس يجد نفسه أمام رؤية تنموية متقدمة، تؤمن بالحوكمة الرشيدة، وبقدرة العقل الجمعي السوداني على تجاوز المحن، وترتكز على أدوات القانون، التنمية المستدامة، والابتكار. تلك رؤية لا يختلف عليها اثنان من حيث المبدأ، لكنها تصطدم اليوم بواقع مأساوي مرعب:
*حرب أهلية ضروس تمزق العاصمة والولايات.
*مؤسسات دولة منهارة بالكامل.
*شعب مشتت بين المنافي ومعسكرات النزوح.
*اقتصاد متهالك لا يملك القدرة على شراء الدواء، ناهيك عن إصلاح الطرق أو دعم الزراعة.
*صراعات قبلية وجهوية وميليشيات تفرض الأمر الواقع.
▪️في هذا المشهد الدموي، يصبح من الصعب – بل من المستحيل – تطبيق “نظريات مكتبية” تتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنًا اجتماعيًا. فكيف يمكن لحكومة أن تُفعّل خطط التنمية وهي عاجزة عن فرض سلطتها على مدينة واحدة، بل أحيانًا على شارع واحد؟

صراعات محتدمة ومشروعات مؤجلة

▪️الصراع في السودان لم يعد مجرد خلاف سياسي بين عسكر ومدنيين أو بين تيارات أيديولوجية متنازعة. بل أصبح صراع وجود، صراع على الموارد، على السلطة، وعلى الهوية نفسها. الميليشيات المسلحة التي تتصارع في العاصمة الخرطوم ودارفور وكردفان لم تعد تقاتل من أجل مطالب واضحة، بل لأجل البقاء والسيطرة والنفوذ.
وسط هذا اللهيب، ما جدوى الحديث عن إصلاح التعليم؟ عن تحديث مؤسسات الدولة؟ عن الاستثمار في البحث العلمي؟ هل يقرأ الجنرالات ورجال الميليشيات كتب دكتور كامل إدريس؟ هل سيستجيبون للغة السلام والعقلانية وهم يسكرون بالنصر في الميدان ويحكمون بالقوة لا بالشرعية؟
رجل بلا حزب.. وحكومة بلا أرض
——‐————————
▪️من أبرز المآزق التي تواجه الدكتور كامل إدريس أنه رجل مستقل، بلا قاعدة سياسية منظمة، ولا جماهير تخرج إلى الشوارع دعمًا له. سيواجه، منذ اليوم الأول، مقاومة من قوى الثورة التي ترى فيه وافدًا على المشهد، ومن العسكر الذين يتوجسون من مشاريعه الإصلاحية، ومن الإسلاميين الذين يرون في شعبيته تهديدًا لعودتهم. كما أن المحيط الإقليمي والدولي لن يمنحه الدعم ما لم يروا ملامح الاستقرار و”جدوى الاستثمار السياسي” فيه.
▪️فهو، باختصار، رئيس وزراء بلا جيش، بلا موارد، بلا أرض، وبلا غطاء شعبي واضح، وسيحاول أن يفرض أجندة “الكتاب” على واقع يفرض قوانينه بالنار والبارود.
شعب تائه بين الجوع والموت
—–‐———————–
▪️كيف يمكن لحكومة دكتور كامل إدريس أن تبدأ مشروعات بناء وطن جديد وشعبها مشرد، يعاني الجوع، والمرض، واليأس؟
▪️المستشفيات مدمرة.
▪️الأدوية شحيحة.
▪️المدارس مغلقة أو محروقة.
▪️مئات الآلاف من الأطفال بلا تعليم.
▪️الملايين بلا مأوى أو مصدر دخل.
▪️الواقع الإنساني يفوق قدرة أي حكومة مهما حسنت نواياها. ولا يمكن لأي برنامج إصلاح أو “خطة استراتيجية” أن تنجح ما لم يُوقف نزيف الحرب، وتُبنى الثقة، وتُفتح أبواب المصالحة الوطنية الحقيقية.
الخلاصة: هل يمكن أن يصمد الرجل؟
▪️الدكتور كامل إدريس يدخل حقل ألغام، لا يملك فيه خريطة آمنة. ومع أنه يملك عقلية قانونية نادرة ورؤية دولية محترمة، إلا أن الواقع السوداني الراهن لا يتعامل مع الحالمين بل يسحقهم. سيحتاج الرجل إلى:
▪️معجزة سياسية لوقف الحرب.
▪️شبكة إقليمية ودولية تسانده ماليًا وسياسيًا.
▪️دعم شعبي حقيقي من الشارع السوداني.
▪️حزم غير مسبوق في مواجهة أمراء الحرب والفساد.
إنه اختبار قاسٍ ليس له فقط، بل لكل من آمن بأن السودان يمكن أن يُحكم بالعقل لا بالبندقية. فهل سينجح الدكتور كامل إدريس في أن ينقل أفكاره من رفوف الكتب إلى واقع الشعب؟ أم سيكتشف – متأخرًا – أن الحلم وحده لا يكفي؟
ربما تحدث معجزة فمن يدري؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*