وارتحلت أمي…

وارتحلت أمي…
  • 07 يونيو 2025
  • لا توجد تعليقات

كتب- د. داود محمد داود

سبابتها التي رفعتها إلى السماء ناطقة الشهادة ملأت قلبي بالصبر والرضا بالقضاء والقدر.
أمي يرجح أنها ولدت عام 1943م بدكّساب بدال وها هي ترتحل في الجمعة 30 مايو 2025م.
تزوجها أبي وهي طفلة في سن الثانية عشرة.
عاشت حياة مديدة مليئة بالإيمان بالله مزدحمة بالصلوات فرضها وسننها كريمة تملأ سيرتها الطيبة كل مكان تسكن فيه.
يو حرم صارت أكبر نخلات آل سالم.
مرت بامتحانات صعبة في حياتها واجتازتها فقد قتل أخي داود بحادث حركة في الخرطوم قبل مولدي بعام وكان صبيا باذخ النبوغ وصبرت كما صبر والدي المرحوم.
ولأنني كنت عوضه أحبتني أمي كعينيها وكذلك أبي.
أحفظ، ألوان مسبحتها ومواقيت صلواتها وأسبح في نهر دعواتها بالنوبية وبعربيتها المكسرة كانت الصلوات همها دوما فحين اهتزت ذاكرتها كانت تطلب الوضوء لتصلي كيفما اتفق ومتى ما أرادت.
في حج 2019م يسر الله لها فقد كان إذني للاغتراب منها هو ذاك الهدف.
الذين يعرفون أمي يعرفونها بصلاحها ومحبتها لأهلها واعتزازها بذلك الهدوء الذي بقي سمة لها طوال عمرها المبارك.
قالت لي وأنا أعود لغربتي من أول إجازة: دعواتي أن تسترني بيديك… قلت أطال الله عمرك أمي وبارك.
تمتعت بها حامدا شاكرا محبا موقنا بتلك البركات التي غمرتني بوجودها إلى جواري.
كانت محبتها ظلي ونسمتي وهدفي في الحياة… قلقي المستمر على صحتها بعد 2018م. ولكنها كعادتها رفقة التنفس لي. شاي صباحنا أنس وذكريات نضحك ونسرد ما نحب لا تلامس نميمة ولا تقترب من غيبة..
آن هاجمها مرض النسيان كانت تتوضأ مرارا قبل المغرب وتسأل لاكثر من 20 مرة أن هل حان وقت المغرب؟ تصلي وتعيد الصلاة كأنها لم تصل..
حين بلغت الثمانين طلب منها طبيبها التوقف عن الصيام بسبب الضغط فرفضت قالت أستطيعه…
أمي كيف ذاك المجهول الذي فرقنا؟
أحس أنك في مكان واسع الاخضرار وأنهار تجري من ماء غير آسن و من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر وأنهار من عسل مصفى وفيها من كل الثمرات.
ضاحكة مستبشرة.
وصلاحك ذاك لم ينسك الشهادتين برغمك كنت تعرفينني أحيانا وتنكرين من أنا أحايين كثيرة.
بأي لغة أمي قلت للملكين أن الله ربك وأن الإسلام دينك وأن سيدنا محمد رسول الله هو النبي الذي أحببت واتبعته.
الأبناء والبنات الحفدة والأسباط سلالة منك يدعون لك.
هذا أول عيد بدونك كنت حجنا ومأوانا جميعا كنت حلوانا والدعوات…
سريرك مسبحتك غطاؤك بسمتك وصاياك حكمتك وضوحك المشرق في التعامل مع الذين يصدقونك المحبة..
كنت تقولين قبل النوم أسامح الذين أساؤوا إلي…
أتراني أرقى لمكانتك كي نلتقي هناك؟!
يو مسكاااقمي؟!
هيأتني دوما لأؤمن بهذه اللحظات…
داؤد أين تجهيزات كفني… العطور… سنوات طويلة وذاك يبيت معنا حتى حين اشتعلت الحرب تركنا الذهب ومتاع الدنيا وحملنا الأكفان والعطور…
سيدتي… أمي أغلى المحبوبات.
اللهم تقبلها قبولا حسنا.. اللهم ما وعدت به محبيك ومحبي رسولك… لم تقرأ اسمك في كتاب لكنها آمنت بك إذ سمعت بأنك الله…
اللهم دارا خيرا من دارها لها…
اللهم السندس والاستبرق وكتابها باليمين… اللهم جنة النعيم في مقام مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا…
أمي وداعا أستودعتك من هو أكرم الأكرمين الرحمن الرحيم وأحمده أن منحنا أما تقية وإذ استرد أمانته ب وإن إلى ربك الرجعى… قلنا إنا لله وإنا إليه راجعون..
حين ارتحل أبي رحمه الله صبرني شاعر أندلسي قال.
وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع.
اللهم عاملها بما أنت أهل له وارفق بأمي فإنها كانت تحبك وتحب محمدا صلى الله عليه وسلم.
داود حرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*