في مثل هذا اليوم من كل عام، تعتلي المملكة العربية السعودية ذرى المجد، وتزهر أراضيها بعطر الولاء والانتماء، وتضاء سماؤها بوهج التاريخ، ويحتفل شعبها الوفي وقيادتها الحكيمة بذكرى التأسيس العظيم الذي أرسى دعائمه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – فأقام صرحاً شامخاً لا تنال منه العواصف، ولا تنقص من شموخه السنون، بل تمضي الأعوام وهو يزداد رسوخاً، ويزهر شباباً، وتتعاظم قوته كأن الزمان يغذيه، والتاريخ يحرسه، والمستقبل يناديه، بفضل الله ثم جهد ملوك تشربوا من مدرسة المؤسس، وارتووا من إرثه المجيد، وأحفاد ساروا على نهجه، يحملون رايته بقلوب مؤمنة، وعزائم لا تلين، وعقول تحسن البناء كما أحسنت الحفظ والرعاية.
وهذا اليوم الوطني الـ95 ليس مجرد تاريخٍ عابر في رزنامة الأيام، بل هو نبض وطن باذخٍ في هيبته، رفيع في طموحه، متين في جذوره، فارع في عطائه، هو يوم تجسد فيه المملكة رحلتها الأسطورية من البدايات المتواضعة إلى الريادة العالمية، ومن رمال الصحراء إلى أبراج التنمية التي تلامس السماء.
تهنئة من قلب سوداني
من أرض النيلين، ومن قلب سودانيٍ نابض بحب السعودية، أعيش في جنباتها منذ ثلاث وعشرين سنة عامرة بالمحبة والوفاء، أرفع أجمل آيات التهاني والتبريكات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رجل الدولة والحنكة، الذي تسكن الحكمة كلماته، وتشرق الهيبة من هيئته، القائد المجبول على الفطنة، المتوشح بوقار التاريخ، يحمل في ملامحه سكينة الملوك، وفي قراراته حسم العظماء.
وإلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ذلك الفارس الهمام، الذي لم ينحصر طموحه في حاضر المملكة، بل رمى ببصره نحو المستقبل، وصاغ رؤية 2030 بذكاء القائد، وجرأة المصلح، ونضج المفكر، فكانت وثيقة طموح لا تعرف المستحيل، وخارطة طريق لمستقبلٍ تبنى فيه الأوطان بالعقل كما تبنى بالحب؛ فقاد الأمة نحو عهد جديد، لا يقاس إلا بلغة الإعجاز، ولا يروى إلا كملحمة من الإرادة الصلبة، والعمل الدؤوب، والتحول المدروس؛ جعل من الحلم مشروعاً، ومن الرؤية واقعاً، ومن الطموح منهجاً، فصارت المملكة تتقدم بثبات في ميادين السياسة والاقتصاد والمعرفة، حتى غدت أنموذجاً عالمياً يشار إليه بالبنان
وإلى الشعب السعودي الكريم، هذا الشعب الذي لا يكبر إلا ويزداد تواضعاً، ولا يعطي من فيض جوده إلا بسماحة روح وإخاء. شعب متجذر في القيم، موشح بالمروءة، إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا استؤمن أدى؛ يجمع بين أصالة البداوة ورقي الحضر، يفتح قلبه قبل داره، ويعطي بسخاء من لا يحصيه إلا الله؛ في تعامله سماحة، وفي طباعه شهامة، وفي وفائه دروس تروى، فهو عماد الوطن، ودرعه المتين، وروحه النابضة بالعزة والوفاء.
المملكة وطن له سر المحبة
المملكة ليست وطنا فحسب؛ بل هي قيمة إنسانية وروحية تتجاوز حدود الجغرافيا؛ هي وطن يحمل بين جنباته قدسية المكان، وقداسة الرسالة؛ هي الأرض التي انطلقت منها أنوار الإسلام، وتشرفت بخدمة الحرمين الشريفين، فصارت منارة الإيمان، وموئل المسلمين.
فيها يلتقي المجد بالتاريخ، وتتصافح الأصالة مع الحداثة؛ فيها تتجاور المآذن مع ناطحات السحاب، وتنسجم الروح الإسلامية مع طموحات التقدم العصري. مملكةٌ تسير على صراط التوازن، فلا تفرط في دين، ولا تضيع هوية، بل تبني الإنسان قبل البنيان، وتعمر المكان بروح الحياة، وتغرس في أرضها علماً وزهراً، وتنثر في أرجائها فرحا يعانق السماء، كأنها حين تعمر، تنبت الأمل، وتزهر القلوب قبل التراب.
رأيت النهضة تنمو أمامي
لقد عشت في المملكة ما يكفي لأشهد التحولات الكبرى؛ رأيت بيوتها الطينية تستبدل بالمدن الذكية، ورأيت صحاريها تزهر بمدن مثل نيوم وذا لاين، رأيت اقتصادها يتنوع، ومجتمعها ينفتح، وثقافتها تزدهر، وكل ذلك دون أن تفقد روحها، ولا أن تفرط في مبادئها.
وإن من أرقى ما شهدته في مشاريع التنمية الحديثة، هو ما يعرف بـ”أنسنة المدن”، وهو مفهوم تنموي عميق يعيد للإنسان مركزه في التخطيط الحضري. ففي السعودية، لم تعد المدينة مجرد إسمنت خرساني وحديد، بل صارت كائنا حيا يراعي راحة الساكن، وصحته النفسية، ورفاهيته الجسدية؛ الحدائق تتسع، الأرصفة تظلل، المسارات ترصف، والمجتمع يعاد تشكيله بروح إنسانية بديعة، تضع الإنسان أولا، وتشركه في جمال الحياة اليومية؛ هذه ليست تنمية فقط، بل هي حضارة تبنى بالعقل والقلب معا.
تلك هي المملكة كما رأيتها : لا تسير خلف ركب الحضارة، بل تقوده؛ لا تلهث خلف العالم، بل تدعوه ليرى نموذجا متفردا في البناء
السعودية والسودان.. أخوة تتجاوز الكلمات
السعودية لم تكن يوما في تاريخها إلا سندا وظهرا لأشقائها، وللسودان نصيب وافر من هذا العطاء؛ كم من أزمة خففتها، وكم من مريض عالجته، وكم من شاب فتحت له أبواب الرزق، ومجالات التعليم والعمل.
نحن السودانيين لا ننسى فضل المملكة، لأنها لم تعاملنا كغرباء، بل كأبناء. احتضنتنا أرضها، واحتوانا أهلها، وكأننا جزء لا يتجزأ من نسيجها. ومن عاش في كنف السعودية كما عشت، يدرك أن المروءة هنا ليست طارئة، بل أصيلة، والكرم ليس طقوسا بل فطرة جبلّية.
وليس هذا فحسب، بل أبنائي أنفسهم ولدوا في هذه الأرض الطيبة، ولا يزالون ينهلون العلم من مدارسها، ويتنشقون من بيئتها معاني الاحترام والانضباط والقيم النبيلة؛ لقد تربوا على ترابها، وتشربوا من معينها، فهم سعوديو الروح، سودانيو الجذور، عربيو الهوى، مسلمو الانتماء. كيف لا، وهي التي فتحت صدورها قبل مؤسساتها، واحتضنت أبناءنا كما تحتضن نخيلها السحب العابرة.
الختام : دعاء من قلب مخلص
في هذا اليوم الوطني الـ95، نبارك لأنفسنا ولأشقائنا السعوديين بهذا الوطن الذي ما فتئ يدهش العالم، ونرفع أكف الدعاء بأن يحفظ الله المملكة وقيادتها، وأن يديم على أرضها الأمن والأمان، والرخاء والاطمئنان.
نسأل الله أن يبارك في عمر الملك سلمان، ويسدد خطى ولي عهده محمد بن سلمان، وأن يعلي راية المملكة فوق كل أرض وتحت كل سماء
دام عزك يا مملكة الخير، ودامت رايتك عاليةً خفاقة، ودامت محبتك في قلوبنا لا تغيب.
وكل عام وأنت يا أرض الحرمين بخير، وأمن، ورفعة، ومكانة لا تضاهى.