سقوط الفاشر وضغوط الرباعية: هل تحدد مصير البرهان؟
شكّل سقوط مدينة الفاشر منعطفًا حاسمًا في مسار الصراع السوداني، إذ لم يعد الحدث عسكريًا فحسب، بل تحوّل إلى مؤشّرٍ على إعادة توزيع مراكز النفوذ بين الأطراف المتحاربة. فقدان الجيش السوداني لآخر معاقله الرئيسة في دارفور، عمّق عزلة قائده الفريق عبد الفتاح البرهان، وأظهر هشاشة التحالفات التي بُنيت على أسس ظرفية بين المؤسسة العسكرية والحركات المسلحة الدارفورية والتيارات الإسلامية.
في هذا السياق، برزت الرباعية الدولية — بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة السعودية والإمارات والمملكة المتحدة — كفاعل دبلوماسي يسعى إلى كبح الحرب عبر الضغط على طرفي النزاع للانخراط في مفاوضات غير مباشرة جرت في واشنطن. غير أن هذه الضغوط، التي هدفت إلى فتح مسار تفاوضي، أسهمت في كشف التناقضات الداخلية داخل معسكر البرهان، إذ تعارضها التيارات الإسلامية المتحالفة معه والتي ترى في أي تسوية سياسية تفريطًا في هدفها المعلن: القضاء الكامل على قوات الدعم السريع.
في المقابل، تسعى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى استثمار سقوط الفاشر كورقة ضغط تفاوضية ومؤشر على تفوقها الميداني. أما الحركات الدار فورية المسلحة — التي قاتلت سابقًا إلى جانب الجيش — فتجد نفسها اليوم أمام خيار واقعي بين استمرار تحالفها مع البرهان أو التكيّف مع موازين القوة الجديدة في الإقليم، بما يحفظ لها مصالحها المحلية.
تتزايد بذلك عزلة البرهان بين ضغوط الرباعية من الخارج وضغوط الإسلاميين من الداخل، وبين تفكك التحالفات الميدانية التي كانت توفر له الغطاء العسكري والسياسي. ومع استمرار حالة التآكل داخل الجيش وتراجع قدرته على فرض الانضباط، يمكن أن يأتي الخطر الأكبر على البرهان لا من خصومه التقليديين، بل من داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
عموما، إذا استمرت المعطيات الراهنة دون تحوّل نوعي في ميزان القوى أو الدعم الدولي، فإن الجيش ذاته هو الطرف الأقرب للتخلّص من الجنرال البرهان، حفاظًا على بقائه كمؤسسة قبل أن يفقد شرعيته ووحدته بالكامل.


