وماذا كنتم تتوقعون غير سقوط الفاشر
منذ الساعات الأولى لهذه الحرب القذرة بدت أهدافها واضحة، إلا لمن أُصيبوا بلوثة في العقول.
ومع استمرارها لأسابيع وأشهر اتضحت الصورة أكثر، لكن بعضنا اختاروا أن يعطلوا عقولهم تماماً، ولذلك مضوا وراء إعلاميي الكذب والضلال كما القطعان مصدقين أن لدينا جيشاً وطنياً يمكن أن يخوض حرباً من أجل كرامتنا.
ومع خروج الجنجويد من الخرطوم بكامل عدتهم وعتادهم، وتوجههم ناحية الغرب دون أن يعترضهم جيش الكيزان، بدا أحد أهداف الحرب أكثر وضوحاً. ولهذا لم أتوقع شخصياً غير سقوط الفاشر التي بدت عصية إن طال الزمن أم قصر.
لكن المخزي – والمعتاد من هذا الجيش الذي لم ينجح في شيء أكثر من نجاحه في شراء ذمم إعلاميين وضيعين ومجرمين يستحقون العقاب – أن ينسحب تاركاً المواطنين الذين صمدوا طويلاً أمام الحصار وتحملوا الجوع والعطش لمواجهة مصيرهم بهذه الصورة البشعة.
والأنكأ والأمر أن يخرج علينا قائد الجيش بتصريحات يقول فيها: إنهم آثروا الانسحاب لأن المدينة تتعرض لعنفٍ ممنهج، ولذلك اختار الجيش اللجوء لمناطق آمنة!
فهل يظن البرهان أنه يترأس فريقاً لمرشدين سياحيين، أم يقود جيشاً يفترض أنه معني بحماية الأرض والمواطن وتوفير الأمن اللازم له؟
أي جيش هذا الذي يبحث عن أمانٍ لم يحصل عليه المواطن المغلوب على أمره؟ ومع كل ذلك، لا تزال بعض الأقلام الرخيصة تستميت في الدفاع عنه، دون أن يطرف لحملة هذه الأقلام جفن؟!
أما الأعجب من كل ذلك، فهو أن تسمع عن إعلان التعبئة العامة، ورغبتهم في ارسال المزيد من المدنيين للمحارق، بينما يستمتع الجيش وقادة أسلحته بالعيش في المناطق الآمنة!
هل سمعتم يوماً عن نقابة الأطباء تطلب من ربات البيوت والمواطنين العاديين أن يتدثروا بالأبيض ويتوجهوا للمستشفيات لإجراء العمليات الجراحية؟ هل طلب المهندسون منكم يوماً، كمواطنين، أن ترسموا الخرائط أو تشيدوا الجسور؟ هل أمركم المعلمون يوماً بالتوجه للمدارس وحمل الطباشير لتدريس الطلاب نيابة عنهم؟
فلماذا إذن نقبل بأن نحمل السلاح ونقاتل مع جيش هو دائماً أول من يهرب من ساحات الوغى ونعتبر ذلك حمية ووطنية عالية؟!
شنوا حربهم القذرة لقتلكم وتجويعكم وإفقاركم وإذلالكم، ولخلق الفتنة بينكم كإثنيات وأعراق متباينة، وتشريدكم – وهي أهداف تحققت بالكامل.
والآن، بسقوط الفاشر، يدخلونكم في مرحلة متقدمة من أهدافهم القذرة وما زلتم تقرأون من نفس كتاب التضليل والإفك والانسحابات التكتيكية، وتصفون معارضي الحرب بالعمالة والارتزاق!
مع إن أي صاحب عقلٍ سوي لابد أن يُدرك حقيقة أن مؤيدي الحروب والقتل والدمار هم دائماً المتكسبون والخونة والعملاء.
لكننا، وللأسف، لا نريد أن نفهم – رغم كل هذه المصائب التي حلت بنا.
وها نحن اليوم نحصد ما زرعوه من كذبٍ وخداع، ونمضي بين الركام نبحث عن وطنٍ اختطفه تجار الدم والشعارات.


