التطبيع والشحن والشحن المضاد

التطبيع والشحن والشحن المضاد
  • 24 أكتوبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

آثارت خطوة التطبيع جدلا كثيفا في أوساط الشعب السوداني، وبغض النظر عن قيمة الخطوة من ناحية دينية وعروبية، وتعارضها او تناغمها مع المسلمات الايدولوجية للبعض الا انها أظهرت جدلا صحيا ونقاشا مستقلا حتى داخل الحزب السياسي الواحد.

الأجيال الجديدة واضح انها متحررة من كثير من قيود وعبء الايدولوجيات الدينية والقومية لذلك لم يمثل لها التطبيع نهاية العالم ولا قيام القيامة، وإنما مثل لها مجرد موقف سياسي في عالم لم تعد فيه حدود في عصر العولمة، ولم يعد الموقف السياسي يستوجب التحنيط في محطة واحدة وانما يستوجب المرونة، فالسياسة ليست دين ولا ايدولوجيا وانما وسيلة لحكم الشعب وتحقيق مصلحته في الحياة الكريمة وأبعاده عن الحروب والفتن والاستقطاب.

في زمان خرطوم اللاءات الثلاثة كانت القومية هي لغة العصر وكان التكتل القومي الايدولوجي هو التيار الكاسح في العالم العربى، حيث ظن القوميون ان المخطط الصهيوني يستهدف دولة يهودية من المحيط إلى الخليج، مر الآن أكثر من نصف قرن على زمان فتوة القومية العربية ومازالت إسرائيل مجرد دويلة في مساحة لا تساوي مساحة وسط السودان، والتحول الأضخم ان القوميون نفسهم وقعوا على الاعتراف بحق إسرائيل في الحياة وفي دولة اسمها إسرائيل بجانب دولة فلسطين وبالتالي لم يبق شيء من عهد الفتوات القديمة ونواجه الآن عهد الفتوة الناعمة، عهد القوة الاقتصادية والتكنولوجية.
لذلك من وجهة نظري الحوار الذي يدور الآن حول قضية التطبيع هو ليس حوار مباديء وعدم مباديء وإنما حوار أجيال مختلفة، مختلفة في النظرة للسياسة ومختلفة في النظرة للعالم الجديد، الذي لم يعد دولا منعزلة وانما كيان واحد ذو روح واحدة وكل شيء أصبح فيه قابل للتطور لشكل جديد يتؤام به مع العالم الجديد.

اذا نظرت إلى المواطن العربي اليوم في عواصم العرب ستجده يلبس لبس افرنجي ويتكلم افرنجي وياكل من الوجبات السريعة ويستخدم التكنولوجيا في كل شيء، وإذا نظرت إلى المواطن الأمريكي تجده كذلك يفعل نفس هذه الأشياء، كذلك مواطن اوربا ومواطن عواصم آسيا واستراليا وافريقيا، تلاشت الحدود تماما في عالم اليوم واختفت الفروقات وتغير مفهوم الفرد والجماعة ومفهوم السيادة والدولة، وهذا يستوجب من الجميع النظر بعين مرنة إلى هذه التغيرات، حتى نفرغ حوار التطبيع الراهن من الشحن والشحن والمضاد.

sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.