حزب الأمة القومي و مطلوبات المرحلة

حزب  الأمة القومي و مطلوبات المرحلة
  • 24 ديسمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد حمد مفرح


ثمة حقيقة بدهية معلومة لكل ملم بحقائق الواقع السياسي السوداني تتمثل في أن المعادلة السياسية بالسودان لا تستقيم و لا يعول على مردوداتها الإيجابية بصورة كبيرة دون   حزب الامة  القومي. و مما يجدر ذكره أن هذه الحقيقة لا تهدف إلى تقزيم الأحزاب السودانية الأخرى أو الإستهانة بدورها السياسي و الوطني الذي لا خلاف عليه بقدر ما تهدف إلى إبراز الدور الطليعي و المؤثر لحزب الأمة القومي في المسرح السياسي منذ فجر الإستقلال حتى الآن. فالتجربة السياسية التراكمية لهذا الحزب و التي صقلتها سنوات طوال من الممارسة السياسية المؤطرة بمد و جزر الأحداث السياسية بالسودان من تقلبات  و نجاحات و إخفاقات طبعت مسيرة العمل السياسي الطويلة، تؤهل، أي هذه التجربة،  هذا الحزب الرقم للعب دور وطني و سياسي يعول عليه في ارساء  دعائم الحكم الديموقراطي و ترسيخ  التجربة الديموقراطية بالبلاد. و لا شك  في أن هذه حقيقة مجردة تؤيدها شواهد كثر  تؤكد أن هذا الحزب يتكيء على إرث سياسي تليد  و أدبيات سياسية راسخة و ملهمة عملت على إثراء التجربة السياسية بالسودان و مثلت موجهات هادية للعديد من الأحزاب التي استلهمت تجربة حزب الأمة و أفادت منها. غني عن القول أن أية محاولة لعقد مقارنة بين الإرث السياسي  لحزب الأمة القومي من جهة   و غالب الأحزاب السودانية الأخرى من جهة أخرى ستكون محصلتها أن ثمة فجوة واسعة بين هذا الحزب و بين بقية الأحزاب المعنية. و سوف تفضي هذه المقارنة إلى أنه بقدر ما أن هذه الأحزاب ما زالت تتلمس طريقها في عملية البناء الحزبي فإن التجربة السياسية لحزب الأمة القومي تؤهله لريادة العمل السياسي بالبلاد و ذلك بحكم ثقله السياسي و الجماهيري و نضج تجربته مع توافر الكثير من مطلوبات الفعل السياسي المنتج الذي يتسنى لهذا الحزب من خلاله لعب دوره الوطني كما ينبغي و ذلك على النحو الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني المتمثلة في النهضة الشاملة التي تحقق الرفاه الاجتماعي و التطور العام.

و من الحقائق المعروفة أن إستهداف الأنظمة الشمولية لحزب الأمة القومي منذ فجر الاستقلال حتى آخر حكومة شمولية و محاولاتها المستمرة إضعافه و تفتيته أقعدت هذا الحزب طويلا و حالت بينه و بين التطور و الترقي في مسيرته السياسية المرتجاة بالشكل المرجو. و مع ذلك ظل هذا الحزب واعيا بما يجري و صامدا أمام هذا النهج التدميري الممنهج و مؤكدا على صلابة عوده و استعداده لتجاوز كل ما حدث.

و إذا أخذنا في الإعتبار محاولات  إضعاف الحزب المشار إليها آنفا و البيئة السياسية غير المؤاتية بالبلاد، بكل نتوءاتها و تعقيداتها المختلفة، و كذا الأوضاع العامة بالبلاد فضلا عن عوامل أخرى عديدة،  يمكننا التأكيد على أن أوجه القصور التنظيمي وغيره بهذا الحزب تعد، في الغالب، نتاجا طبيعيا لهذه المؤثرات التي ظلت تلقي بظلالها السالبة على الأداء الكلي للحزب.

غير أن من المؤشرات الإيجابية الواعدة أن قيادة الحزب تعي تماما هذه المؤثرات السالبة و تبذل الجهد في سبيل وضع حد لها كي تعبد الطريق أمام  الأداء المنتج الذي  ينعكس إيجابا على الحزب و الوطن. و ليس أدل على ذلك من المنتوج الفكري شبه الراتب للحبيب الإمام الصادق المهدي، عليه شآبيب الرحمة، و المتمثل في المؤلفات و المقالات الكثر التي ظل يرفد بها الحزب و الساحة السياسية و الفكرية بالبلاد حتى إنتقاله للرفيق الأعلى. علاوةً على ذلك فإن الدور الفكري و السياسي البنّاء الذي ظلت تقوم به أعداد مقدرة من قيادات و عضوية الحزب، في الحقب المختلفة، ظل يعمل ، هو الآخر، على رفد الحزب بكل ما من شأنه العمل على تطويره. و  يؤكد هذا  الحراك الفكري و النشاط السياسي، دون ريب،  على مضي الحزب قدما في ترقية أدائه و تطويره. غني عن القول أن الإنتقادات التي توجه للحزب جراء القصور الذي يشوب الممارسة السياسية داخل مؤسساته و ما إلى ذلك تعد دليل عافية و وجه من وجوه التطلع إلى سد الثغرات و تطوير الأداء المؤسسي، أكثر منها تحرير شهادة فشل لهذا الحزب. كما تؤكد، من بعد، على تمتع الحزب بالديناميكية و الحيوية ((Dynamism and Vitality الضروريتين لإستبقاء جذوة النشاط السياسي الفاعل متقدة داخل مؤسسات الحزب.

من جهة أخرى، و  لكي يضع هذا الحزب النقاط على الحروف و يؤكد عملياً أنه قدر المسؤولية الوطنية و زيادة، عليه أن يقوم، اليوم قبل الغد، بكل ما يلزم من أجل الإستعداد لمرحلة ما بعد الفترة الإنتقالية و يعد العدة للإنتخابات مع الأخذ في الحسبان أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت جسور الواقع السياسي السوداني خلال فترة الإنقاذ، ما يستلزم القيام بالخطوات الاتية: 
١. إدراك حقيقة أن حزب الأمة الموحد، المتماسك يمثل المعادل الموضوعي للأداء السياسي الفاعل داخل الحزب، المفضي لسودان  قادر على كسر طوق التخلف و إرتياد آفاق النهضة. 
٢. القيام بكل ما يلزم للتطوير المستمر للعمل المؤسسي داخل مؤسسات الحزب و ربط هذا التطوير بالمستجدات العصرية لزوم المواكبة و التحديث.

  1. القيام بزيارات لمناطق نفوذ الحزب بكل أنحاء السودان بغية تفقد أحوال الجماهير بها و تنويرها بمجريات الأحداث بالحزب و البلاد عامة مع الإستماع اليها و الوقوف على رؤاها و أفكارها و مقترحاتها مع تبني ما يلزم تبنيه من هذه الرؤى. و من المعروف أن الحبيب الإمام، عليه الرحمة، قد شرع في القيام بهذه الزيارات فزار العديد من مناطق نفوذ الحزب، الأمر الذي كان له أثره الإيجابي على الحزب.
  2. ٤. تبني خطاب فكري و سياسي مواكب للمستجدات و المتغيرات في الساحة السودانية و الاقليمية و الدولية، يزاوج بين الاصل و العصر دون تفريط أو إفراط.
  3. إستيعاب/مخاطبة الخطاب الفكري آنف الذكر لشريحة الشباب على مستوى القطر، بحسبانها الشريحة  الأكبر مقارنةً بغيرها و لحاجتها لجرعات فكرية عن الحزب و دوره الوطني في الماضي و الحاضر.
  4. قيام الحزب بتعريف كل الجماهبر، غير تلك المنضوية  تحته، بطرحه الفكري و برنامجه السياسي المتجددين و رؤاه ذات الصلة بحلحلة قضايا البلاد المختلفة و غيرها.
  5. إنطلاق الحزب، و هو يعد العدة للإنتخابات المقبلة، من فرضية أن المتغيرات و المستجدات التي جرت بالبلاد و بالذات خلال حقبة الانقاذ الطويلة تجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بالنتائج التي يمكن أن تفضي إليها الإنتخابات المقبلة، ما يستلزم مضاعفة الجهود  الرامية لكل ما يعزز موقف الحزب الإيجابي حيال نتائج هذه الانتخابات.
  6. ادراك حزب الأمة القومي  لحقيقة أنه، و بحكم ثقله السياسي و الجماهيري، تقع عليه مسؤولية تثبيت دعائم الحكم الديموقراطي بالبلاد لتودع من خلاله النظم الشمولية إلى الأبد و تلحق بركب التطور الدولي.
  7. على حزب الأمة الإهتمام الجاد بعملية إنشاء مراكز بحث تعمل على رفد الحزب بالبرامج و الأفكار و الرؤى في مختلف المجالات سعيا وراء التطوير المستمر و تحقيق الأداء المعياري بالحزب.
  8. ١٠. ضرورة إيلاء الحزب ركائز العمل الحزبي التي تمثل فاعليته و صمام أمان  أدائه، مثل التنظيم و المال و الإعلام و غيرها، الإهتمام اللازم حتى تتوافر له ديمومة التطور و ديناميكية التجديد.
  9. ١١. ضرورة إهتمام الحزب بجماهيره و  عضويته مع السعي لحلحلة مشاكلها بالقدر الذي يجعلها أكثر ولاءاً له و التصاقا به.
  10. سعي مؤسسات الحزب المعنية بصورة حثيثة و جادة لرصد تحديات الحزب الماثلة و العمل على تخطيها بغية الإستعداد للإنتخابات بالقدر الذي يلبي تطلعات جماهير الحزب. و من الممكن الإستعانة، في هذا الصدد، بخزانة فكر (Think Tank ) من المختصين و المفكرين من عضوية الحزب علاوةً على عقد الورش المختلفة و غيرها.
    و بعد … فقد إنبرى عدد من الكتاب و المحللين السياسيين خلال الأيام القليلة الماضية متناولين شأن حزب الأمة القومي و مآلاته في المستقبل المنظور حيث أكد بعضهم، و بصورة قطعية، أن غياب الإمام الصادق المهدي عن الحزب يعد بمثابة تحرير شهادة وفاة لهذا الحزب بإعتبار أن الإمام يمثل الدينمو الفكري و السياسي له و أن الحزب، حسبما ذهبوا إليه، غير مؤهل بدونه للقيام بدوره السياسي المرتجى. غير أن بعضهم ذهب إلى رأي مخالف لهذا الرأي فحواه أن هناك قيادات و كوادر بالحزب مؤهلة لقيادة الحزب و لعب دور مقدر في الممارسة السياسية داخله، ما يتسنى للحزب مواصلة دوره في الساحة السياسية و الإستمرار في مشوار تطوره.
    و بالرغم من الدور الفكري و السياسي الرائد الذي ظل الحبيب الإمام يلعبه في الإرتقاء بالحزب ما مكنه من قطع مشوار مقدر على المستوى التنظيمي و السياسي و غيرهما، و كذلك بالرغم من أن الإمام يمثل حالة فكرية و سياسية متفردة و إستثنائية، إلا أن هناك عدد مقدر من قيادات الحزب مؤهلة للإرتقاء به بالقدر الذي يمكّنه من لعب دوره الوطني المأمول.

التعليقات مغلقة.