من اللوحات إلى الغرافيتي.. فنون الاحتجاج السلمي في فلسطين

من اللوحات إلى الغرافيتي.. فنون الاحتجاج السلمي في فلسطين
  • 01 يونيو 2021
  • لا توجد تعليقات

المصدر:الجزيرة


يحاول الفن دائما أن يتحدى الوضع الراهن، ويمكن القول إن كل الفن سياسي، بمعنى أنه يحدث في مكان عام، ويتعامل مع أيديولوجية موجودة بالفعل وخطاب مهيمن. مع ذلك يمكن للفن في كثير من الأحيان أن يصبح سياسيا بشكل خطير وصريح مثل سلاح فتاك. على مدار تاريخ الحركات الاجتماعية والثورات، كان الفن يتفاعل ضد الاضطهاد والعنف والظلم وعدم المساواة.

يتحدى الفن الحدود والتسلسلات الهرمية التقليدية التي تفرضها السلطات بمختلف أشكالها، ويفتح مساحات للمهمشين، لكي يساهموا في التغيير الاجتماعي، من خلال المعرفة وزيادة الوعي. بهذه الطريقة تتجاوز حياة الفنان الشخصية وأعماله الفنية فرديته ليجمع الفن بين الوظائف السياسية والإنسانية للفن.
فنون الاحتجاج عبر التاريخ
من الصعب تحديد بداية فنون الاحتجاج تاريخيا. لكن الفن المفاهيمي وفنون الاحتجاج بشكل عام، تأثرت بشكل كبير بالدادائية، وهي حركة فنية مناهضة للحرب، استخدمت السخرية والخطاب غير العقلاني المناهض للمثالية لانتقاد الحرب العالمية الأولى وأجندتها الرأسمالية.

بعض الأمثلة المبكرة لفنون الاحتجاج تشمل رسام الجداريات المكسيكي ديفيد ألفارو سيكيروس، الذي كان نشطا جدا في السياسة اليسارية في بداية القرن الـ20 وأراد الوصول للشعب من خلال الفن. بالإضافة إلى ذلك يمكن اعتبار لوحة الغرنيكا لبيكاسو التي رسمها بسبب فظائع الحرب الأهلية الإسبانية، مصدر إلهام لحركة حقوق الإنسان الحديثة.

أما فيما يتعلق بفناني الاحتجاج المعاصرين لا يمكن تجاهل الفنان والناشط الروسي بيتر بافلينسكي، الذي أخذ فن الاحتجاج إلى أقصى الحدود. يشار إلى بافلينسكي مشهور باسم فنان الألم الحي، حيث اختار فن الأداء الذي غالبا ما يتخذ أشكالا متطرفة كلغة اعتراض سياسي.

تتضمن بعض أفعال بافلينسكي المثيرة خياطة فمه في احتجاج سياسي ضد بعض الاعتقالات من قبل الحكومة الروسية. كما لف نفسه عاريا في سلك شائك اعتراضا على قمع النشاط المدني وترهيب السكان، وفي فعل أشد تطرفا، قطع شحمة أذنه احتجاجا على استخدام روسيا للطب النفسي القسري ضد المعارضين.

فنون الاحتجاج في فلسطين
تعد فنون الجدران والغرافيتي أحد عناصر النسيج السياسي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني. لا يفكر فنانو الشارع في فلسطين في الغرامات أو التداعيات القانونية لطلاء الجدران، بل تشجعهم السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.

ظهرت الكتابة على الجدران كشكل من أشكال المقاومة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، حين بدأ شباب المقاومة، وأعضاء الفصائل الفلسطينية المختلفة، أثناء الانتفاضة الأولى باستخدام الجدران كلوحات رسائل للتواصل مع الناس، خاصة مع ساعات حظر التجوال الطويلة التي فرضها الاحتلال خلال الانتفاضات. كان الشباب الملثم يرشون على الجدران والأزقة أسماء الشهداء وانتماءاتهم، ويدعون إلى الاحتجاج والتحدي.

ما ظهر كشكل من أشكال المقاومة ومنصة للدعاية الحزبية والخطاب السياسي، نما ليصبح شكلا من أشكال الفن. شاركت منظمات المجتمع المدني، وكذلك المنظمات الدولية، في الإشراف على مئات الجداريات التي تدافع عن حقوق الإنسان، مثل الدعوة إلى العدالة البيئية والحق في المياه النظيفة لأهل غزة.

ما زالت الفصائل الفلسطينية أيضا تستقطب فناني الغرافيتي لإنتاج أعمال جدارية متعددة الأغراض تعبر عن توجهاتهم. مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من أراضي غزة عام 2005 أصبح من السهل على الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة رسم الغرافيتي بحرية أكبر.

فنون جدار الفصل العنصري
بعد بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية عام 2006، تحول الجدار إلى لوحة احتجاجية عندما رسم عليه فنان الشارع الإنجليزي الشهير بانكسي أول لوحة جدارية.

في غضون أسابيع أصبح الجدار في دائرة الضوء، وتحول إلى أكبر جدارية احتجاج في العالم، حتى أنه أصبح يعكس نضال ورغبات ومخاوف الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال وداخل حدود الجدار الفاصل.

تعرض لوحات وملصقات الجدار تفاصيل القصص الشخصية والإنسانية للفلسطينيين المتضررين من الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك تحكي الكثير من اللوحات على الجدار، قصص النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وتوثق حكايات الشخصيات الفلسطينية البارزة التي ناضلت من أجل الحرية. كما كتب على الجدار كلمات ثورية مثل “لا مزيد من الصمت” أو “نريد كسر جدار الصمت الدولي”. من بين رسوم الجدار لوحات صغيرة لصواريخ تخترق نجمة داوود اليهودية.

بشكل عام استخدم موقع الجدار كمساحة للاحتجاج. عادة ما يكون هناك احتجاج في يوم الجمعة من كل أسبوع في بعض مناطق الضفة الغربية، حيث يتم حرق الإطارات وإلقاء الحجارة، فترد سلطات الاحتلال بإلقاء الغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي، بالإضافة إلى اعتقال بعض الأشخاص. يمتلئ الموقع ببقايا الإطارات والعبوات التي أطلقت من أبراج المراقبة، وتصبح الجدران محترقة سوداء في أماكن متفرقة من الجدار.

وضعت السلطة الفلسطينية ملصقات لسيدة في منتصف العمر، ماتت خلال هجوم بالغاز المسيل للدموع. كتب تحت الملصق “ماتت هذه المرأة بسبب مرض في القلب تفاقم بسبب الغاز الإسرائيلي المسيل للدموع”. أظهرت لوحة أخرى أما ترتدي الحجاب وتحمل طفلها الميت، كتب بجوار اللوحة “توقفوا عن قتل أبنائي وإخوتي وآبائي”.

التضامن الدولي مع فلسطين
يأتي الفنانون والسياح من جميع أنحاء العالم إلى الحاجز للتعبير عن تضامنهم مع فلسطين. تعكس الكتابات التضامن أو التعاطف من مختلف شعوب العالم، حتى إذا لم تدعم الحكومات حقوق الفلسطينيين، تبقى الشعوب متضامنة ومدركة لأهمية نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، ويظهر هذا من الجمل والكلمات التي كتبت على الجدار.

تعد صور المفاتيح وشعارات حق العودة أيضا من أكثر أعمال الغرافيتي انتشارا في فلسطين، وغالبا ما تكون هذه الصور مصحوبة برسوم لشخصية حنظلة التي ابتكرها رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي. شخصية حنظلة ليست مرتبطة بأي فصيل سياسي، لكنه يمثل فلسطين بمعناها الإنساني، رمزا للقضية العادلة.

التعليقات مغلقة.