انقلابيون يحضون السودانيين على (انتخابات)

انقلابيون يحضون السودانيين على (انتخابات)
  • 04 ديسمبر 2021
  • تعليق واحد

محمد المكي أحمد


المقال الأسبوعي
٤ ديسمبر ٢٠٢١

من المفارقات عشية وغداة انقلاب 25 أكتوبر 2021 و اتفاق البرهان – حمدوك، الثُنائي، أن قادة الانقلاب الذين أطاحوا بالقوة نظاما انتقاليا ، لبسوا ثوب الاصلاحيين، الساعين إلى ( تصحيح مسار الثورة) لكن واقع الحال يؤكد أنهم اخفقوا في تسويق مؤامرة الانقلاب محليا ودوليا.

على وقع (مليونيات) سودانية، ومناشدات وضغوط دولية رافضة للانقلاب نلحظ أن أهم المفارقات تكمن في دعوات متكررة يوجهها الانقلابيون ومن يؤآزروهم ، إلى أحزاب سودانية، لترتيب أوضاعها، لخوض (الانتخابات) في 2023.

هذه الدعوة تعد ُمن المفارقات، وسبب استغرابها يتمثل في أن قادة النظام الجديد هم منفذو الانقلاب ومصدر الدعوة في الوقت نفسه ، خصوصا أنهم نفذوا انقلابا من أسوأ أنواع الانقلابات، إذ أطاح ( شركاء) ما يعني أنهم غير مؤهلين للحديث عن توافق وطني وانتخابات حرة ونزيهة، أو إسداء النصح بشأن أية عملية ديمقراطية.

عمليات القمع بعد الانقلاب كشفت خواء دعوة الاستعداد لـ ( انتخابات) ، إذ جرت اعتقالات بالجملة لأعضاء في ( لجان المقاومة) وسياسيين وصحافيين ووزراء وناشطين، ورافضين للانقلاب.

الاستبداد يعني أن هناك ديكتاتوريين غير مؤهلين لرعاية ( انتخابات) أو مجرد الكلام عنها كاستحقاق، لأنهم لو كانوا من رواد الحرية والديمقراطية لأدركوا طبيعة أدوارهم واحترموا أدوار المؤسسات العسكرية والأمنية الحيوية والمهمة ، التي تحمي المواطن والوطن ، ولا يجوز استخدامها في قهر الناس بانقلاب.

هذا معناه أن حديث منفذي الانقلاب عن ( انتخابات) هو تضليل وخداع واستخفاف بعقول السودانيين والبشر، لكن مثل هذه المسرحيات والحيًل لا تنطلي على السودانيين، وغيرهم ، لأن الناس اختبرت أشكالا عدة من الادعاءات التي رددها انقلابيون في مراحل مختلفة.

اذا تأملنا قصصا مأسوية روتها شخصيات تعرضت للاعتقال بعد انقلاب الفريق البرهان ، فانها دحضت الحُجة بشأن ( الانتخابات) و جاءت أهم شهادات في (قناة الجزيرة مباشر)، ما جدد التأكيد أيضا على أهمية العمل الصحافي، المهني، الذي يحترم حق الناس في معرفة الحقائق، عبر حوار غير تقليدي، يتيح أوسع فرص النقاش، ويضع أيضا بعض الشخصيات في محكات صعبة، لتدقيق المعلومة وكشف الحقيقة، احتراما لحقوق الإنسان في الحرية والحياة الكريمة، وفي تدفق المعلومات.

في مقال كتبته، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، نوهت بقناة ( الجزيرة) وأرى أن (الجزيرة مباشر) تميزت خلال هذه الفترة عن قنوات عدة باجراء مقابلات حيوية مع سياسيين سودانيين، مؤيدين ورافضين للانقلاب، وأكرر ما قلته سابقا في هذا الشأن بأن لا قيمة لأي عمل إعلامي إذا لم يحترم حقوق الإنسان، ولم يحرص على تحري الحقيقة منعا للادعاءات، والتضليل.

أعتقد بأن الزميل الأستاذ أحمد طه في ( الجزيرة مباشر) لعب دورا مهنيا، وانسانيا، راقيا، وبهدوء لافت وبجدارة، إذ نجح – بدقة أسئلته لضيوف يرمون الكلام على عواهنه – في إدارة حوار اتسم بالحيوية والجاذبية.

وجاء في شهادات سياسيبن ووزراء وصحافيين أن (الاعتقال تم بطريقة وحشية) و( خضعنا لحبس انفرادي في معظم فترة الاعتقال) و( جرت مداهمة داخل غرفة نوم) و( تعرضت لاعتداء جسدي أمام الأسرة) و(عصبوا العينين) و(اختطفوني بعد خروجي من ستديو قناة الجزيرة) و( داخل المعتقل في جهاز الأمن عوملت معاملة طيبة).

السؤال: هل من اعتقلوا ( شركاء) الأمس القريب وقمعوهم ، وقتلوا المتظاهرين السلميين، وأصابوا آخرين باستخدام الرصاص أو الغاز المسيل للدموع، وجرى في زمنهم اقتحام مستشفيات، لملاحقة جرحى ومتظاهرين، وعرقلة وصول مصابين بالسرعة المطلوبة الى مستشفيات كما جاء في تقارير محلية ودولية، هل يتمتع هؤلاء بأدنى درجات الصدقية؟.

هل يقتنع الناس بأن السلطة الانقلابية حريصة على انتخابات حقيقة ، تتوافر فيها شروط النزاهة وتواكبها ترتيبات مُتفق عليها بين ألوان الطيف السياسي، بعدما نسف الانقلاب كل جسور التواصل والثقة مع ( قوى الثورة والتغيير)؟ .

من مفارقات الانقلابيين بشأن كلامهم عن ( انتخابات) أنهم يكررون أسطوانة مشروخة تقول إن الحكومة السابقة (خطفتها أربعة أحزاب صغيرة) ورغم أن هذا الكلام يجيء لتبرير الانقلاب فان الانقلابيين خطفوا السلطات كلها وقمعوا الناس.

لست بصدد الدفاع عن أحزاب الحكومة السابقة، إذ كتبت قبل الانقلاب آرائي بشأن ما أرى أنها سلبيات حكومتي حمدوك ( الأولى والثانية) ، و رغم وجود سلبيات عدة في أداء الحكومتين وأحزاب شاركت في الحكم، فان أخطاءها لا تبرر الانقلاب، لأن الانقلاب جريمة كبرى، وهو يُدمر ولا يبني ، ويسلب الناس حقوقا إنسانية أساسية ، جرى اعتمادها في الأمم المتحدة في (الاعلان العالمي لحقوق الانسان ) منذ العام 1948.

وفيما يتحدث انقلابيون عن ( أحزاب صغيرة) فقد نسوا أنهم حزبيون ومُسيسون وأن حديثهم عن ( توسيع المشاركة) يصب في مجرى (المحاصصة) التي يرفضونها ، ما يضع دكتور حمدوك الذي أرتضى قيادة حكومة (يُشرف) عليها مجلس انقلابي، أمام تحديات كبيرة ، بشأن كيفية تحديد من تنطبق عليهم صفة ( كفاءات مستقلة) ومعلوم أنه لا توجد معايير متفق عليها في هذا الشأن.

من حق أي انسان أن ينتمي لأي حزب أو كيان، أو يرفع لافتة الاستقلالية، أو يدعيها، أو يرى أنه ( كفاءة مستقلة) هذا في رأيي حق من حقوق الإنسان، ما يعني أن الكلام عن (أحزاب صغيرة اختطفت السلطة) في الحكومة السابقة هو في الحقيقة يعكس تملمُل انقلابيين من مواقف قوى سياسية، كانت في الحكم أو خارج الحكومة، كما يعكس غضبا تجاه شخصيات انتبهت في وقت متأخر جدا لخطورة احتكار ( المكون العسكري) للسلطة، وصناعة القرار ، والمؤكد أن هذا من أهم أسباب الانقلاب.

لا أدافع عن أخطاء حكومتي حمدوك قبل الانقلاب أو عن أحزاب السلطة آنذاك أو أي حزب، اذ أن قادتها قادرون على ذلك، لكن أرى أنه بدا واضحا أن مروجي الكلام عن ( الأحزاب الصغيرة) لا ينطلقون في مواقفهم من قناعات تحترم حقوق الإنسان، إذ يحكمون على الناس والأشياء بالعدد والكم، وهذه روح تستخف بوعي الناس وحقوقهم.

هدف عدد من مروجي الدعوة إلى الاستعداد لـ ( الانتخابات) في نهاية الفترة الانتقالية و الضرب على وتر ( توسيع المشاركة) لا يركز على أن تتضافر جهود السودانيين ، إذ أن الهدف يكمن في الالتفاف على أهداف ثورة ديسمبر 2018 ، وضربها من داخل مؤسساتها، كما يحدث الآن، بأساليب عدة.
برقية:
رغم شراسة التحديات، سيصنع ملامح المستقبل، الشباب، الثائر، بسلمية، في (مليونياته) التي تهز الانقلابيين وتربك الجالسين على رصيف الأحداث، وتقدم لنا وللعالم دروسا غير مسبوقة في حب الوطن ووحدة الهدف.
modalmakki@hotmail.com

رد واحد على “انقلابيون يحضون السودانيين على (انتخابات)”

  1. يقول عواطف إسماعيل:

    السلطة الانقلابية لا يمكنها أن تقنع حتى نفسها بحسن نواياها وسعيها الدوؤب الى نظام ديمقراطي عبر الانتخابات خصوصا بعد انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الذي بطشت خلاله بكل من وقف في طريقها من سياسيين وثوار ورافضين للانقلاب …
    اما الاستاذ احمد طه فقد نجح بجدارة ومهنية ان يدحض ادعاءات اذرع الانقلاب وحاملي المباخر عبر حوار هادف وبناء كما
    استطاع ان يسقط اقنعتهم واحدا تلو الآخر ولم يبق حتى ورقة التوت التي كانت تستر عورتهم …
    شكرا استاذ محمد على هذا المقال الرائع الذي سبر اغوار الكثير من خبايا الانقلاب ومن تبعه دون ان يستفيد من دروس الماضي