الوجه غير المرئي للحرب في أوكرانيا: ما الذي يمنع بوتين من تدمير “كييف” ومسحها من على وجه الأرض؟

الوجه غير المرئي للحرب في أوكرانيا: ما الذي يمنع بوتين من تدمير “كييف” ومسحها من على وجه الأرض؟
  • 04 مارس 2022
  • لا توجد تعليقات

د. عصام محجوب الماحي

لماذا وكيف يقاوم ويصمد الأوكرانيون، وهل بالفعل نفد وقود من دبابات روسية غازية، وماذا في جعبة بوتين للحرب مع أوكرانيا، وما الذي يمنعه من تدمير كييف ومسحها من على وجه الأرض؟ أنّها أسئلة تصيب كل مراقب بالدوار وهو يبحث لها عن إجابات مقنعة ومقبولة مع أدلةٍ وبراهين لا تعتمد على المعلومات الزائفة الكثيرة التي يجري بثها لا في وسائط التواصل الاجتماعي فحسب، وإنّما حتى في وسائل أعلام عريقة، أصبحت تبلع الطعم مع وجبة معلومات صحيحة فيتم اصطيادها وجعلها مروجة لأكاذيب وتضليل دون أنْ تدري.
الشاهد أن الصورة المرئية للحرب في أوكرانيا والتي نشاهدها تتكون حتى الآن من ألغازٍ غير مكتملةٍ: مقاومة مذهلة للأوكرانيين وصمودهم؛ صفوف من دبابات وسيارات تابعة للجيش الروسي مُدمّرة على الطُرق الأوكرانية؛ آثار قصف جوي في المدن، ودبابات روسية مُتوقِّفة تعاني من نقص الوقود؛ مقاتلون مرعبون من الشيشان، ومدنيون يتسلمون أسلحة في شوارع كييف؛ وأخيراً وليس آخراً، تشديد المجتمع الدولي للعقوبات، ورفع حالة تأهب الأسلحة النووية في روسيا.
فماذا وراء الحرب المخفية التي هي وراء هذه الصور والمشاهِد وتنقلها لنا مباشرة الفضائيات الإخبارية ، وما هي العناصر المفقودة من ألغاز النزاع في أوكرانيا؟ وكيف تُفهم حقائق المقاومة غير المتوقعة من الأوكرانيين؟
يقول يونوتس شوتيا، الخبير في المخابرات والمتخصص في النظم العسكرية والنزاعات المسلحة لصحيفة (اديفارول) الرومانية واسعة الانتشار “اعتقد أننا فوجئنا بالمقاومة الأوكرانية لأنّنا بالغنا في تقدير القوة العسكرية الروسية، وفي نفس الوقت استخفّينا بالأوكرانيين وبقدرتهم على المقاومة بشكل جماعي”. ويضيف “كان يجب أن نعلم أن القوات المسلحة الأوكرانية لم تعُد كما كانت عام 2014 لقد أصبحت تتمتع بخبرة كبيرة”.
لا ريب أنّه بعد خسارة شبه جزيرة القرم، أجرى الجيش الاوكراني عملية إصلاح عميقة بدعم من حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة الامريكية، وأصبح أكثر احترافاً وحاول تلبية معايير الناتو بعُدّةِ طُرقٍ، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأوكرانيين أصبحوا يتمتعون بخبرة كبيرة في القتال بعد مواجهة الروس في إقليم دونباس الانفصالي. لقد واجه الأوكرانيون العديد من الهجمات هناك، خاصة في عامي 2014 و2015، عندما قاوموا بشكل بطولي، كما يفعلون الآن. ووفقا لخبير الاستخبارات الروماني “منذ ذلك الحين وحتى اليوم، درس الأوكرانيون عن قُرب الروس وقاموا بواجباتهم كاملة. أثبتوا أنهم جيش محترف. استوعبوا بسرعة الأسلحة المحمولة المضادة للدبابات والأسلحة أرض – جو المُستلمة من دول الناتو واستخدموها بشكل ممتاز”. ويردف يونوتس شوتيا موضِّحاً “ان أكبر رصيد للجيش الأوكراني هو إرادة المقاومة، وهذا الامر مُهِمٌ جِدّاً حتّى في الحروب الحديثة”.

  • عوامل القوة في أوكرانيا:
    يقول الخبير “لقد ساعد دعم الناتو والولايات المتحدة بشكل خاص، الأوكرانيين على التغلب إزاء قيودهم التكنولوجية والهيكلية. إن التبرعات بالأسلحة، التي نراها في الميدان تفعل العجائب، ويبدو أن الجنود الأوكرانيين ينفذون (كتاب اللعبة) التكتيكي بدقة – يقومون بكمائن ناجحة جداً، وهجمات بالأجنحة، ومناورات جيدة التنفيذ”. ويرى يونوتس أن الأوكرانيين قرأوا الاستعدادات والتكتيكات الروسية جيدا، “كانوا يعرفون ما ينتظرهم وتوقعوا كل خطوة وحركة. كما أن صناعة الدفاع الوطني صارت رصيداً إضافياً لأوكرانيا، فقد ورث الأوكرانيون العديد من مصانع الأسلحة من الحقبة السوفيتية وتمكنوا من إبقائها قيد التشغيل، الأمر الذي سمح لأوكرانيا بإنتاج وصيانة وتحديث أنظمتها العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة. وعلاوة على ذلك، كان الأوكرانيون يعملون على نظامين واعدين للغاية، أي صاروخ (نبتون) المضاد للسفن وصاروخ (هريم) الباليستي قصير المدى”. وأضاف الخبير الاستراتيجي “لديهم مخزون صغير من هذه الاسلحة واعتقد انهم سيستخدمونها في الوقت المناسب. قد تكون هذه ورقة جوكر رابحة يمكن لأوكرانيا من خلالها أن تؤذي روسيا قليلاً أو كثيراً إذا صعّد الروس الحرب”.
    غني عن القول إنّ مساعدات وأموال الاتحاد الأوروبي والناتو تُعد دعماً أساسياً، ولا يمكن أن تعاني أوكرانيا من أي عرقلة في وارِدات السلاح. كما أنّ أي حِصار لوجيستي يوقف التزود بالمعدات المتطورة مثل الصواريخ المضادة للدبابات أو صواريخ أرض – جو، من شأنه أن يعرِّض المقاومة الأوكرانية للخطر”.
  • بوتين أراد نتائجاً كبيرة بجهد قليل:
    القول بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل في الحرب الخاطفة لا يعني أنه لم يعُد لديه في جعبته “أوراقاً ساحقة”، فأفضل التشكيلات الروسية تشارك في المواجهة لكنها لم تُسْتغل بعد. حاول بوتين “أنْ يقْتَصِد في استعمال القوة”، أي الحصول على أكبر قدر ممكن من النتائج بأقلِّ جهدٍ مُمْكِن، وقد “تراجعت” هذه الخطة، كما يوضح الخبير يونوتس شوتيا متسائلاً لماذا فشل الروس؟
    ويجيب بنفسه “أرسلوا قوات هجومية وعمليات خاصة في سلسلة من الضربات الجوية والتفجيرات الانتحارية للسيطرة على المطارات حول كييف. تمّ شن هذه الهجمات، على الرغم من أن روسيا لم تحصُل على تفوق جوي، ولم تتعرّض القوات البرية الأوكرانية لهجوم من الأرض، لذا امتلكت حرية إسقاط المروحيات الروسية”.
    ويضيف مُحلِّلاً “كان الخطأ الكبير هو استخدام وحدات من المنطقة العسكرية الشرقية في بيلاروسيا لمهاجمة كييف. ربما كانت هذه الوحدات الأسوأ تجهيزاً في الجيش الروسي، لكنها أيضاً الأخف وزناً من حيث المَرْكِبات. كان الهجوم على كييف يتطلب المزيد من الدبابات، بينما أرسل الروس دبابات من الجيش الأول إلى خاركوف، وربّما كان التشكيل المُدرّع الأفضل تجهيزا في الجيش الروسي، ولكنهم أرسلوه بدون دعم جوي قريب، ولذلك لم يتمكّنوا من التقدُّم”.
  • لماذا نفد الوقود من الدبابات الروسية؟
    يعتقد خبير الاستخبارات شوتيا أن الكتيبة الحربية المُرعبة (spetsnaz – سبيتسناز) ستدخل المعركة في الأيام المقبلة لتدمير أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية وشاحنات الإمداد القادمة من دول الناتو. وفيما يتعلق بنشر القوات الشيشانية على الجبهة الشمالية حيث تكبد الروس خسائر فادحة، يدعي الخبير أن ذلك إجراء حدث دون مخاطر سياسية على بوتين، لأن السكان الروس لن يدخلوا في حالة حداد إذا فقدوهم، كما يزعم بأنّ الرهان كان على الحالة النفسية التي ستتركها الكتيبة المعروفة “بقوات قديروف” على معنويات الأوكرانيين “فمعروف عنهم الوحشية في القتال والمعارك”، بحسب يونوتس شوتيا.
    وحول صور الدبابات الروسية التي نفد وقودها يقول الخبير الروماني إن جنرالات روسيا كانوا متفائلين للغاية ولم يضعوا خطة لوجستية طويلة المدى “وعلى الأرجح أنهم كانوا يتوقعون أنْ تكون قواتهم في كييف في غضون 48 ساعة وأنْ يقدِّم الجيش الروسي الكثير من خدماته اللوجستية من داخل الأراضي الأوكرانية”، ولذلك، ما حدث يؤكد أيضاً أن الجيش الأوكراني ضرب خطوط الإمداد الروسية بشِدّة.
  • فما هو، إذن، “الآس” الذي في كُمِّ بوتين:
    “الآس” الذي يخفيه بوتين في كُمِّه هو بالأحرى “مطرقة ضاربة”، وسيستعمله إذا استمر الأوكرانيون في المقاومة، كما يعتقد شوتيا الذي يرى أن بوتين سيطلب من جيشه استخدام صواريخ باليستية واسعة النطاق وخاصة صواريخ اسكندر مع الطيران الروسي. ويضيف “ستكون هذه الحملة الجديدة أكثر وحشية وستهدف إلى كسر إرادة الجيش والسكان في المقاومة، والذين شاهدوا العمليات الروسية في حلب يعرفون ما يمكن أن يحدث بعد ذلك”.
    وعليه، لتجنب سيناريو حلب، يجب ألّا يجد الأوكرانيون انفسهم محاصرين في كييف، وعلى الناتو تزويدهم باستمرار بصواريخ أرض – جو، وأيضاً جو – جو للطائرات التي لا تزال تعمل. ويذهب الخبير يونوتس شوتيا في شرح رؤيته العسكرية ويقول “إن إبقاء الطيران الأوكراني على قيد الحياة (ما بقي من سرب الطائرات الحربية) سيكون عاملاً مُهِماً، وإذا قصفت الطائرات الروسية كييف بقنابل شديدة الانفجار، فإنها ستفعل ذلك من صواريخ قصيرة المدى وليس صواريخ جو – أرض. وفي هذا السيناريو، يجب أنْ يكون الطيارون الأوكرانيون قادرين على اعتِراض الطائرات الروسية”.
    ويعتقِد الخبير أنه إذا استخدم الروس صواريخ باليستية أو مدفعية ثقيلة، فلن يكون أمام أوكرانيا خيارات للدفاع عن نفسها، “لا نعرف ما إذا كانت أنظمة S-300 الأوكرانية قد نجت من قصف اليوم الأول من الحرب، وإذا نجت، فكم عدد ما تبقى منها؟ كما أننا لا نعرف ما إذا كانت فعّالة ضد صواريخ إسكندر، التي تتبع مساراً باليستياً جوياً قادراً على أداء مناورات مراوغة في المرحلة النهائية”. ويضيف الخبير المتخصص في الشئون العسكرية “هناك إجابة واحدة للمدفعية تنحصر فقط في نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي، بيد أن الأوان قد فات وقد رفض الإسرائيليون بالفعل بيع النظام لأوكرانيا”.
  • سيناريو حلب والتهديد النووي:
    وفي قراءة الخبير يونوتس شوتيا أنّ “مسح” كييف من على وجه الأرض، بقصف عنيف كما حدث في مدينة حلب السورية، غير مُمْكِن طالما أنّ روسيا تريد تنصيب “حكومة دُمْية” موالية لروسيا في أوكرانيا. ويضيف “سيكون مثاليّاً للكرملين أنْ يقبل الشعب الاوكراني بهذه الحكومة. وعوضاً عن ذلك، سيتعين على الجيش الروسي التعامل مع الأراضي التي دخلها بوضعها تحت الاحتلال لتنصيب حكومة جديدة. لذلك، بالنسبة لروسيا، لا يزال هناك دافع لعدم التعامل بوحشية في هجومهم وعدم مسح كييف من على وجه الأرض، غير أنّ هذه الحسابات يمكن أنْ تتغير في أي وقت، خاصة إذا شعر بوتين بالإهانة واليأس”.
    وفيما يتعلق بوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة “تأهب”، يقول الخبير الاستخباراتي إنّه ردّ على الدعم العسكري لحلف شمال الأطلسي لأوكرانيا وهو “تصريح رادع”. ويختم موضِّحاً “نعلم من العقيدة العسكرية للقوات المسلحة الروسية أن موسكو تحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية بطريقة “وقائية”، أي الهجوم قبل مهاجمتها. وفي هذه المرحلة، يذكرنا بوتين بتصريحه أنّه على استعداد للقيام بذلك، ويبدو أنّها إجابة متوقعة نسبياً، لكن لا ينبغي لأحد أن يصاب بهلع من ذلك وإلّا سيخسر، كما في “لعبة البوكر”.
  • من هو الخبير الاستراتيجي يونوتس شوتيا؟:
    محلل ومدرب في Open Source Intelligence (OSINT) – مصادر الاستخبارات المفتوحة، متخصص في الأنظمة العسكرية والنزاعات المسلحة. أسس منصة T-Intelligence وتهدف إلى إطْلاع المواطنين عبر المحيط الأطلسي بالقضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك.
    نُشِرت تحليلات المنصة في (فوربيس وجانيس) وجرت الاستفادة منها في تقارير أمنية حكومية، كما فعلت الحكومة الكندية.
    قام بتاسيس Shutea Knowmad، للتدريب في أساليب البحث والتحليل في OSINT، وقد درّب أكثر من 100 طالب، بما في ذلك اشخاص من حكومات أوروبية أطلسية. الخبير الاستراتيجي يونوتس شوتيا مدير الأبحاث والاستخبارات في Tactical Report، وهي شركة استشارات جيوسياسية ودفاعية في الشرق الأوسط. حاصل على ماجستير في الأمن والاستخبارات والدراسات الاستراتيجية من جامعة جلاسكو، حيث تلقى فيها دراسته النظامية، كما حصل على إجازةٍ في الدراسات الأمنية من جامعة Babeş-Bolyai بمدنة كلوج نابوكا الرومانية. بوخارست – رومانيا، 2 مارس 2022

isammahgoub@gmail.com

التعليقات مغلقة.