تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (4): الخدمة المدنية وقضايا الاقتصاد وأهمية استمرار تفكيك التمكين

تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (4): الخدمة المدنية وقضايا الاقتصاد وأهمية استمرار تفكيك التمكين
  • 03 أبريل 2022
  • لا توجد تعليقات

ماهر أبو الجوخ

تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم القضايا المرتبطة بـ(مستقبل السلام) وإعادة هيكلة القوات النظامية والأمنية وتطرقنا لأهمية تأسيس أجهزة عدلية إنتقالية، وفي هذه الحلقة الرابعة سنتناول الجوانب ذات الصلة بالخدمة المدنية والقضايا الإقتصادية وتفكيك التمكين.

توصيف داء الخدمة المدنية

خصص البند ثامناً للخدمة المدنية حيث حوى نقطتين تلخصت الأولى في ضرورة إصلاح منظومة الخدمة المدنية من خلال تشكيل مفوضية إصلاح الخدمة المدنية أما البند الثاني فأشار لسن قانون نقابات ديمقراطي بمشاركة الجميع يسمح للعاملين بتنظيم أنفسهم وقيادة عمليات الإصلاح المؤسسي والدفاع عن حقوقهم والمشاركة في صنع السياسات.

أعتقد أن الفقرة الأولي التي تأسست على إصلاح الخدمة المدنية فارقت المرض وركزت على العرض فالعلاج الحقيقي يتطلب التشخيص الصحيح الحل لا يحتاج إصلاح وإنما إعادة هيكلة بداية من القانون الذي تدار على أساسه الخدمة المدنية ونتائجه المتمثلة في الشيخوخة التي تهدد الخدمة المدنية بسبب تجاوز متوسط الأعمار لعاملين في بعض المؤسسات الخمسين عاماً بخلاف الترهل وضعف المرتبات والمخصصات والتدريب والفعالية والأداء.

يمكن الدولة في إطار إعادة هيكلة الخدمة المدنية أن تقتدي بتجارب دول مماثلة إختارت إعادة هيكلة خدمتها المدنية بالتزامها بواجباتها تجاه العاملين بوصفه جزء من واجبات الدولة تجاه شريحة من مواطنيها ويجب أن تكون الأولوية التعبير القومي للخدمة المدنية في تركيبتها وأن لا يقل تمثيل الشباب والشابات عن نصف العاملين و ابتداع الأساليب المشجعة على الابتكار والتطوير وتطبيق النظم المرتبطة بزيادة الإنتاج والتطور وجعل سنوات الخدمة مرتبطة بالحقوق والمستحقات وليس أحد الشروط شغل المواقع القيادية.

أعتقد أن البند (2) الخاص بقانون النقابات الديمقراطي تم إقحامه في هذه الفقرة لعدة أسباب فالفقرة (1) التي تتحدث عن (إصلاح الخدمة المدنية وتفكيك التمكين) تعني أن العاملين المراد إصلاح خدمتهم المدنية وتفكيكها هم الذين سيقومون بهذا الإجراء. الشق الثاني أن الجانب الخاص بقانون النقابات لا يرتبط بالقطاع العام بل لقطاعات أخرى تعمل في مجالات القطاع العام والمختلط بين العام والخاص والأجنبي.

لذلك أقترح أن يتم نقل هذا البند إلى الفقرة (أحد عشر: الحقوق والواجبات) ضمن حق تكوين النقابات الديمقراطية يشدد على ضرورة سن قانون نقابات ديمقراطي يضمن استقلالية تلك النقابات ويمكنها من الدفاع عن حقوق منسوبيها واستكمال الإنتقال بإختيار وتشكيل نقابات ديمقراطية ومساهمتها الفاعلة في صنع السياسات العامة بما يفضي لتوسعة المشاركة الشعبية في صنع السياسات والقرارات. مع تعديل صياغة البند بربط حق العاملين في القطاع العام والخدمة المدنية في تكوين أجسامهم النقابية مرتبط باستكمال إعادة الهيكلة وتفكيك التمكين بالخدمة المدنية.

تحديات الإقتصاد الصعبة

تناولت الفقرة تاسعاً القضايا المرتبطة بالاقتصاد والرؤية التنموية في خمس بنود سيتم التطرق للبند الخامس الذي تناول مفوضية مكافحة الفساد واسترداد المال العام في منفصلة لوحدها لارتباطها بتفكيك التمكين واسترداد الأموال العامة.

من المهم الإقرار بأن ملف الإقتصاد والفشل الذريع مثل قاصمة الظهر لانقلاب 25 أكتوبر ولذلك فإن هذا الملف سيكون التحدي الأساسي لفترة ما بعد الإنقلاب لعدة عوامل أولها ارتباطه بحياة ومعاش الناس وثانيهما أن حجم التخريب والخراب في هذا الملف كارثي وقاد الوضع الإقتصادي للإنهيار الكامل.

أعتقد أن البند (1) يحتاج للتأسيس على تدعيم مسار الانتقال لدولة الرعاية الإجتماعية بالمضي قدماً في توفير خدمات التعليم والصحة مجاناً بما في ذلك إلغاء قرارات النظام الإنقلابي بفرض أو زيادة رسوم أي من تلك الخدمات.

بالنسبة للبند (2) فإن بناء برنامج اقتصادي وطني يوازن بين إدارة الدين العام (مراجعة ومراقبة الدين العام ومرجعيات التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية) وبين برامج التنمية الإقتصادية يستوجب إلغاء باقي الفقرة واستبدالها بفقرة جديدة تشير لملامح التوجه الاقتصادي الإنتاجي للدولة بالاستمرار في التوسع في الإنتاج الزراعي وربط التصدير بالقيمة المضافة للمنتجات الزراعية والحيوانية بتحديد سقف زمني لوقف تصديرها كمواد خام بعد تهيئة وتجهيز الاحتياجات الإنتاجية المحلية اللازمة، بجانب العمل على استمرار التوسع في مساحات القمح والحبوب الغذائية ودخول الدولة كشريك عبر توفير التقاوي والمبيدات والأسمدة والرى نظير تحصيلها لنصيبها بشكل عيني ومنحها الأولوية لشراء بقية المحصول المعروض في السوق.

في ما يتصل بالإنتاج النفطي والمعدني فمن الضروري الإستفادة منها لتغطية احتياجات البلاد النفطية وتغذية خزينة البنك المركزي بالعملات الحرة وفي تمويل شراكة الدولة في مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني. سيتم تحديد نسبة إلزامية من العائدات تقدر بحوالي خمسة في المائة توضع تحت بند الإستخدامات الطارئة بجانب خمسة في المائة أخرى لصالح أجيال المستقبل.

الجزئية المتعلقة بشركات القوات النظامية المذكورة في البند (3) تمت الإشارة إليها ضمن التعليق على الفقرة الخاصة بالقوات النظامية، أما البند (4) نجده يذكر نصاً (مراجعة جميع الإتفاقيات الإقتصادية بما يشمل قوانين الاستثمار والمشاريع الإستثمارية منذ العام 1989م وحتى إسقاط إنقلاب 25 أكتوبر 2021م) وهذه الفقرة تطرقت لمدى زمني مختلف سياق مختلف هو (الإقتصادي) ويبدو وكأن صياغة النص ترمي الإشارة لأمر لا يود الإفصاح عنه صراحة ومختلف حوله سياسياً وفكرياً. عليه فإذا كان مقصد هذه الصياغة مراجعة الإتفاقيات المبرمة مع صندوق النقد الدولي واتفاقيات إعفاء السودان من الديون فمن الأفضل أن تتم صياغتها بهذا الوضوح والشكل المباشر، وفي هذه الحالة يجب استصحاب النتائج المترتبة على الإلغاء في ما يتصل بإعفاء الديون وبرامج المساعدات بالتوضيح سلفاً للخطوات التي سيتم إتخاذها للتعاطي مع هذين الملفين.

بشكل عام وتجنب أي تنازع ذو طابع أيدولوجي ومع إقرار بطبيعة المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات في تصريف الأعباء فمن الأفضل التوصل لصياغة تحقق جميع المقاصد وتجنب النزاع الأيديولوجي بالإشارة إلي (مراجعة الإتفاقيات الإقتصادية وقوانين ومشاريع الاستثمار في البلاد وتعديلها بما يفضي لتحقيق مصالح السودان وشعبه والاستفادة من موارده الاقتصادية وإنهاء العزلة والمقاطعة الاقتصادية المفروضة على البلاد المورثة من تركة النظام المباد).

إستعادة تعافي الاقتصاد

من الضروري التأكيد على استمرار استفادة السودان من التعاون الدولي والالتزامات الدولية بتمويل ودعم المشاريع التنموية التي تم إقرارها خلال مؤتمر باريس في جميع المجالات والدعم العيني بتوفير القمح والمادي بإلغاء الديون والمنح بما في ذلك إعادة الدعم المقدم لبرنامج دعم الأسر مجدداً عبر (ثمرات) وإزالة أي قيود أو عقوبات على الإقتصاد السوداني بسبب النظام المباد أو إنقلاب 25 أكتوبر بما في ذلك القيود ذات الطابع التقني والتكنولوجي والتطبيقات.

بجانب ما ذكر سابقاً فأقترح إضافة البنود التالية ضمن الجوانب المرتبطة بالاقتصاد والرؤية التنموية التي تشمل البنود التالية :-

  • التأكيد على استقلالية بنك السودان المركزي وإجازة التشريعات الخاصة باعتماد وتشغيل النظام المصرفي المزدوج مكتملة في موعد لا يتجاوز الستة أشهر وتحديد الشروط التصديق والترخيص وقبول طلبات البنوك التجارية الدولية الراغبة في العمل بالبلاد مع ضرورة اشتراط توظيف عمالة سودانية لا تقل عن ستين بالمائة في جميع الدرجات الوظيفية بتلك المصارف في المرحلة الأولى سيتم زيادتها حتى تصل إلى تسعين في المائة خلال أربع سنوات.
  • تبني إستراتيجية تشجع على توطين الصناعات الدوائية والإستفادة من التجارب الإقليمية والدولية ذات الصلة بتسهيل إجراءات اعتماد وتسجيل الأدوية الجديدة وتقنين الصناعات الدوائية الصغيرة بغرض تشجيعها وتطويرها، وزيادة التزام الدولة في مجال الأدوية المشمولة بالتغطية بالتأمين الصحي على أن تكون الأدوية المنقذة للحياة والأمراض المزمنة ضمن الأدوية المشمولة بالتغطية بسعر رمزي في المرحلة الأولى لحين توفرها بشكل مجاني من خلال بطاقة التأمين الصحي.
  • إستكمال إنشاء وتدشين بورصة الخرطوم للذهب باعتبارها الترياق الإقتصادي الأنجع لمحاربة تهريب الذهب ومواصلة البحوث والدراسات ذات الصلة بإنتاج الغاز من انبعاثات مصافي البترول وغيرها من دراسات المشاريع التي كانت في انتظار التمويل والتنفيذ.
  • وضع خطة إستراتيجية للنظافة والإستفادة من النفايات وتدويرها وإنتاج الطاقة الكهربائية في المدن السودانية المختلفة على أن يتم تدشين هذا المشروع في ولاية الخرطوم لكونها الأكثر إستعداداً لبداية هذا المشروع.
  • توسعة الإنتاج الكهربائي من خلال اللجوء لطاقة الرياح والألواح الشمسية ودراسة إمكانية تطوير استثمار الإنتاج الشعبي للكهرباء من خلال الألواح الشمسية وقيام الدولة بشراء الكميات الفائضة.
  • وضع إستراتيجية لتوفير المياه الصالحة للشرب و للإستفادة من مياه الأمطار وتدفقاتها السنوية كحصائل مائية إضافية.
  • تطبيق نموذج النافذة الواحدة لإجراءات الاستثمار والتصدير والإستيراد وعبر شبكة الإنترنت مع تحديد الإجراءات والوثائق والرسوم والزمن المحدد لإنجاز المعاملات.
  • الإستفادة من التجارب الإقليمية المجاورة بإقناع المتعاملين بتخصيص جزء من زكاة وصدقات أموالهم لدعم بنود خدمية واجتماعية تسهم في خدمة المجتمع وتقليل معاناة المواطنين.

إستمرار (التفكيك)

أشار البند (5) لتكوين مفوضية لمحاربة الفساد واسترداد المال العام مناط بها مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة والأصول المنهوبة وتفكيك التمكين السياسي في جميع الأوجه بما في ذلك القوات النظامية والسلطة القضائية بالتنسيق مع المفوضيات المختصة بالعمل في تلك المجالات.

دون الدخول في جدل حول الخيار الأمثل لمسألة تفكيك التمكين بأن تكون لجنة أم مفوضية فيمكن التحرك للأمام طالما أن الميثاق أقر بإستمرار التفكيك على أن يترك التمييز بين اللجنة/ المفوضية لاحقاً بحيث يكون الجسم المناط به تنفيذ هذه المهمة تتوفر له السلطات والاختصاصات التي تمكنه من إنجاز مهامه.

من الضروري عدم إغفال النتائج اللاحقة لانقلاب 25 أكتوبر عقب تجميد لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال والشروع في إجراءات تقوض فعلياً كل القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك عن طريق دائرة المحكمة العليا وتجاوز درجة التقاضي ممثلة في لجنة الاستئنافات أو الإستماع لحجج وأسانيد لجنة التفكيك.

نظراً لأهمية التفكيك فأقترح أن يخصص الميثاق فقرة مستقلة تحت عنوان (تفكيك التمكين) يتم من خلالها التأكيد على أهمية تفكيك التمكين بكل الأوجه واسترداد الأموال العامة والأصول المنهوبة باعتباره أحد أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.

التأكيد على تجميد كل القرارات الصادرة عن الإنقلاب سواء كانت من لجنة الاستئنافات أو المحكمة العليا بخصوص قرارات لجنة التفكيك لحين الفصل في صحة تلك الإجراءات أمام المحكمة الدستورية فور تكوينها.

تتبع لجنة/ مفوضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة للمجلس التشريعي ويقوم باختيار أعضائها. تعمل اللجنة على الفترة التي تلت انقلاب 30 يونيو 1989م وحتى لحظة سقوطه في 11 أبريل 2019م، ويكون لقراراتها الأثر التنفيذي واجب التنفيذ من قبل الجهات المعنية ويكون قابل للطعن أمام الجهات القانونية والعدلية وفقاً لما ينص عليه القانون. تختص اللجنة/ المفوضية بتفكيك التمكين السياسي بصوره المختلفة في الإقتصاد والخدمة المدنية وكل واجهات حزب المؤتمر الوطني المدحور وأذرعه والجماعات والتيارات ذات الأنشطة الإرهابية المتحالفة معه، بجانب التنسيق مع الجهات المعنية بتفكيك التمكين في القطاعات الأمنية والعسكرية والمؤسسات العدلية بالقضاء والنيابة العامة.

تختص مفوضية الفساد بالنظر في قضايا الفساد في ما عدا التي تنظر فيها لجنة/ مفوضية تفكيك التمكين وتختص ضمن مهامها باسترداد الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج بجانب النظر والتقصي في قضايا وملفات الفساد الواردة إليها مع توفيرها الحماية والسرية للأشخاص الذين يمدونها بالمعلومات.

(نواصل)

التعليقات مغلقة.