خواطر أديب سوداني من «مصر المحروسة»: «الأهرام» جزء أصيل من هوية مصر وتراثها

خواطر أديب سوداني من «مصر المحروسة»: «الأهرام» جزء أصيل من هوية مصر وتراثها
  • 09 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

رصد التحرير- صحيفة الأهرام

كتب: محمد الدسوقي

د. عثمان أبوزيد:

الإنسان المصري سر البقاء والاستقرار


جاذبيتنا الجغرافية تتجه نحو مصر وعلاقاتنا نسب ودم


عائلات سودانية أقبلت من أطراف الدنيا ليجتمع شملها بمصر


الحدود خطوط وهمية بن بلدين لم يفصلهما شيء

بعد غياب استمر نحو 35 عاما، عاد الإعلامي والأديب السوداني الدكتور عثمان أبوزيد إلى مصر قادما من الحجاز طلبا للعلاج. حرص على تسجيل خواطره ومشاهداته طوال فترة الزيارة في كتاب إلكتروني بعنوان “خواطر من مصر المحروسة” يُصنّف ضمن أدب الرحلات.

ترجع أهمية خواطره إلى أنه شغل العديد من المناصب المهمة في السودان الشقيق. أبرزها رئيس المجلس الأعلى للصحافة، وأستاذ في كلية الإعلام بجامعة أم درمان، ووزير بالولاية الشمالية للتعليم، قبل أن ينتقل إلى مكة المكرمة؛ ليرأس تحرير عدد من المجلات، ويقدم برامج مهمة عبر إذاعة مكة.

من مطار القاهرة الدولي جاءت أولى ملاحظاته: استقبلتنا لافتة تحمل الآية الكريمة “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”.

يربط مشاهداته بوصية قديمة سمعها من أستاذه المصري عام 1975 خلال وجوده في دورة تدريبية: في الصباح الباكر أطللت على الشارع من البلكونة لأرى منظر الناس وهي تندفع إلى أعمالها في ذلك المشهد العجيب؛ المشهد الذي انطبع في الذهن منذ أيام رحلتي التدريبية عام 1975 حين نبهنا إليه أستاذنا المصري بقوله: “شوفوا يا أبنائي إزاي الشعب المصري يخرج مندفعا للعمل في نشاط وحيوية… لازم تاخدوا درس من المنظر ده”.

جاذبية جغرافية

لم يستسلم للشائعات، وقاومهما من خلال تجربة شخصية: في اليوم الذي أزمعت فيه السفر إلى القاهرة، انتشر في الوسائط أن مصر حظرت دخول السودانيين؛ لكني لا أصدق كل ما ينشر في هذه الوسائط.

شعبا وادي النيل استمرا في التواصل حتى في أحلك الظروف، وهناك ما يسمى “الجاذبية الجغرافية “لدى الشعوب، ونحن في السودان جاذبيتنا الجغرافية تتجه نحو مصر.

الحدود ظلت خطوطا وهمية بن بلدين لم يفصلهما شيء. بين مصر والسودان علاقات نسب ودم، وأول من هاتفته بعد وصولي ابن خالي المصري، ولكثير من أهلي أبناء عمومة وخؤولة هنا في مصر.

وجدت في مصر عائلات سودانية أقبلت من أطراف الدنيا، من أوروبا وأمريكا والسودان، ليجتمع شملها هنا.

أطباء مصر

يستوقفنا الدكتور أبوزيد داخل عيادة طبية قصدها، ليسجل واحدة من مشاهداته وخواطره: رأيت نحو ثلاثين سودانيا ينتظرون دورهم للدخول إلى الطبيب، وتجد مثل ذلك في مراكز التشخيص.

استغربت عندما طلب مني الطبيب أن أعمل فحوصات، وتعيّن عليّ أن أذهب بتاكسي للمعامل، ثم أرجع اليوم التالي لاستلام النتائج.

لدى غالب العيادات في الخليج، تتم الخدمات التشخيصية والعلاجية والصيدلية عبر شبكة، فلا ورق ولا أفلام ولا يحزنون.

ورغم ذلك قارنْ بن الطبيب المصري والطبيب في أي مكان آخر، أريحية واستقبال طيب وحوار عن حالتك بلطف كبير. تقابل كثيرا من الأطباء في بعض بلادنا، فتشعر كأنك أمام محقق يتحرى في تهمة.

ملاذ آمن

مظاهر أخرى تدل على عمق علاقة شعبي وادي النيل، سجلها بقوله: لعل السودانيين يجدون الملاذ الآمن لدراسة أبنائهم في الجامعات المصرية، بل تقوم مدارس سودانية ومراكز لامتحان الشهادة السودانية، ويلتحق بها سودانيون ومصريون.

ويا للمفاجأة وجدت حارس العمارة التي أسكنها يستمع لتسجيل من تلاوات القارئ السوداني الزين محمد أحمد.

صحيح أن المصريين استمعوا من قبل لتلاوات الشيخ سعيد محمد نور، لكنهم اعتبروه مصريا لأنه أقام بمصر، ولم تكن الحدود السياسية قائمة في ذلك الوقت.

الأهرام.. الهوية

وينتقل الدكتور أبوزيد إلى بائع “الجرانين” فيراه: ما يزال صامدا في بعض الشوارع. كنت تلقاه قديما في أي مكان ينادي بصوته العالي: “أهرام، أخبار، جمهورية”.

يقول: عاد بي الشوق القديم إلى قراءة جريدة ورقية، وأن أرى بعيني وألمس بيدي جريدة مصرية.

رأيت في الشارع رجلا يتأبط جريدة؛ فسألته عن مكان بيعها؛ فكان عليّ أن أسير ميلا لأجد مكان الجرائد. وجدتها معروضة في عرض الشارع، ومثبتة بحجارة فوقها.

لا تزال صحيفة الأهرام تبيع النسخة من الجريدة بثلاثة جنيهات. يستحيل أن تكون تكلفة النسخة الواحدة أقل من ثلاثين جنيها،طباعة 20 صفحة بأربعة ألوان.

لن يفرطوا في صحيفة عمرها أكثر من مائة وأربعين سنة، وهي جزء أصيل من هوية مصر وتراثها.

بصمة وراثية

مصر لها طابعها الخاص بين بلاد الدنيا.. يقولون إن التماثلية بمعنى تشابه المدن الحديثة بعضها ببعض مجلبة للملل. إنْ زرت مدينة في أي مكان في العالم، كأنك زرت كل المدن، لا فرق في طراز المباني والشوارع.

في مدن مثل القاهرة لا تحس بهذه التماثلية، للمدينة نكهتها الخاصة وطعمها وشخصيتها. أما البصمة الوراثية التي تعطي مصر طابعها الخاص؛ فهي الإنسان المصري نفسه وأسلوب الحياة عنده.

قد تقع في موقف ملتبس في الشارع المصري، لكنك تخرج بشيء من الرضا مهما يكن ذلك الموقف، إنه مجرد فرق في الأسلوب.

استقرار مصر

يعجبني جدا في المصريين كفاحهم الصعب في سبيل العيش. خريجات جامعيات دخلن مجال “الدليفري” واكتسبن اللقمة الحلال من كدّ اليمين وعرق الجبين. الكفاح الصعب في العمل هو الذي يبني الأوطان، لا الكسل والتواكل.

إن سر البقاء المستدام لمصر هو هذا الكفاح الصعب، وبذلك صار الاستقرار والاستمرار.

ويكفي أن نعلم أن جامعة الأزهر يتبعها الآن مئات الكليات والوحدات البحثية ذات الطابع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، ولها في قرية “تفهنا الأشراف” وحدها عدة كليات مهمة.

نهدي هذه المعلومة لمن يعترضون على توسع التعليم العالي في السودان. وإذا كان سر البقاء والنماء لأي بلد هو العمل، فإن العمل يجب أن يقوم على حب.

شمس الورى

فلما انتهت الزيارة، وجاء وقت الرحيل عائدا إلى مكة المكرمة، قال الدكتور أبوزيد: أبارح مصر المحروسة في صحة وعافية ولله الحمد، وفي البال صدى كلمات الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي:

كذب الذي ظن الظنـــون فزفهــــا

للناس عن مصر حديثا يفترى

والناس فيك اثنان شخص قد رأى

حسنا فهام به وآخر لا يرى

والبيتان من رائيته المشهورة التي يقول فيها أيضا:

مصر وما مصر سوى الشمس التي

بهرت بثاقب نورها كل الورى

ولقد سعيت لها فكنت كأنمــــــا

أسعى لطيبة أو إلى أم القرى

التعليقات مغلقة.