من يعارض ختان الذكور؟

من يعارض ختان الذكور؟
  • 15 نوفمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

كمال الجزولي

رُوزنامةُ الأسبوع

الاثنين
ليت مَن ينصِّبون أنفسهم وُعَّاظاً للخلق، صباح مساء، يدركون معنى ومؤدَّى قول الحسن البصري: «عظ النَّاس بأفعالك، لا بأقوالك»!

الثُّلاثاء
منذ حين وأطراف السَّاحة السِّياسيَّة السُّودانيَّة تكاد لا تشغلها، مع حلفائها الدَّاخليِّين والخارجيِّين، غير قضيَّة «التَّسوية». على أن التَّخفِّي الذي تحيط به أغلب هذه الأطراف مرادها من هذه «التَّسوية» هو الذي يعطِّل حسمها، ويشكِّل العامل الرَّئيس في احتدام الجَّدل الرَّاهن حولها! فإذا استبعدنا كتلة «التَّغيير الجََّذري» التي ترفض فصل هذه القضيَّة عن أهداف الثَّورة، فإن مدنيِّي «الحريَّة والتَّغيير»، سواء في «المجلس المركزي» أو «الوفاق الوطني»، يؤمِّلون في أن تفضي هذه «التَّسوية» إلى تسليمهم السُّلطة، مع وفاء المكوِّن العسكري بـ «تعهُّده» لهم بالخروج من السِّياسة، والعودة للثُّكنات! لكن، لأن من الغشامة توهُّم أن «تعهُّدات» هذا المكوِّن، الذي يلعب بالبيضة والحجر، مجانيَّة لوجه الله تعالى، فلا بُدَّ، إذن، مِن الإجابة على التَّساؤل عن ماهيَّة المقابل لهذه «التَّعهُّدات»، إن كانت ستنفَّذ فعلا!
الإجابة الوقائعيَّة المباشرة تدخل في باب الرَّجم بالغيب. على أن التَّحليل والاستنتاج يبدوان، مع ذلك، ممكنين، بل وصادقين، إلى أبعد حد. فلئن كان لدينا أكثر من سبب قوي للاعتقاد بأن أخشى ما تخشاه العناصر المتنفِّذة وسط هذا المكوِّن هو أن يستيقظوا ذات صباح ليجدوا أنفسهم مواجهين بمساءلتهم عن تهم تتعلَّق بارتكابهم أفعالاً إجراميَّة قد تصل عقوبتها حدَّ الاعدام، فسيكون من المنطقي، تماماً، توقُّع أن ينصبَّ جلُّ مسعى هذه العناصر على البحث عمَّا يحصِّنهم ضدَّ هذه المساءلة، قبل الإقدام على إبرام أيَّة «تسوية»، ثنائيَّة أو غير ثنائيَّة، تخرجهم من دنيا السِّياسة، وتعود بهم إلى الثُّكنات، إن صحَّت، بالفعل، إمكانيَّة الاتِّفاق على مثل هذا الخروج أو هذه العودة!
في السِّياق ورد، بصفحة على «الفيسبوك» منسوبة لمحمَّد عبد السَّلام، نصٌّ دستوري مقترحٌ لبند هذه «الحصانة»، على النَّحو الآتي: «لا يجوز اتِّخاذ إجراءات قانونيَّة في مواجهة قيادة القوَّات المسلَّحة أو قيادة الدَّعم السَّريع بحكم مناصبهم الدُّستوريَّة بشأن أيِّ مخالفات قانونيَّة تمَّ ارتكابها في الفترة من 11 أبريل 2019م وحتَّى تاريخ صدور هذا الدُّستور، بسبب فعل أو امتناع قام به أعضاء القوَّات المسلَّحة أو أعضاء الدَّعم السَّريع، ما لم يكن هذا الفعل أو الامتناع موضوع المحاسبة ينطوي على اعتداء جسماني أمر عضو قيادة القوَّات المسلَّحة، أو عضو قيادة الدَّعم السَّريع، منفِّذه بارتكابه».
وبصرف النَّظر عن صدقيَّة، أو عدم صدقيَّة نسبة هذا النَّصِّ إلى الصَّفحة الأسفيريَّة المذكورة، فثمَّة ما يسنده، على أيَّة حال، في ما صدر عن بعض السَّاسة والقانونيِّين القريبين من الدَّوائر الدَّاخليَّة والخارجيَّة المعنيَّة بصناعة هذه «التَّسوية»، والمؤيّدين لاشتمالها على شبيه للنَّص. فعلى سبيل المثال أكَّد اللواء (م) فضل الله برمة، رئيس «حزب الأمَّة القومي»، والقيادي بـ «الحريَّة والتَّغيير/المجلس المركزي» قائلاً في هذا الصَّدد أن «مِن الطَّبيعي أن تكون هناك مطالبة بالضَّمانات» (الانتباهة؛ 9 نوفمبر 2022م). أمَّا نبيل أديب المحامي فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بحضِّه على ما يُفهم منه أن «التَّسوية» ضروريَّة بأيِّ ثمن، حتَّى لو اقتضت تقديم أيِّ تنازلات، وذلك بقطعه أنه «إذا لم تحدث تسوية فالبديل الفوضى» (المصدر).

الأربعاء
في المؤتمر التَّداولي للحزب الشِّيوعي السُّوداني، والذي انعقد في أغسطس 1970م، لأجل حسم قضيَّة الخلاف الذي كان قد انفجر داخل صفوف الحزب بشأن الموقف من التكتيك الانقلابي عموماً، ومن انقلاب الرُّوَّاد في مايو 1969م على وجه الحصوص، أكثر احمد سليمان مِن الحديث عن «الشَّرف»، قائلاً إنه يقضي بأن نصطفَّ خلف من حملوا رؤوسهم على أكفِّهم لإنجاز الانقلاب، لا أن نترك ظهورهم مكشوفة لسهام اليمين الرَّجعي!
ردَّ عبد الخالق على ذلك، مذكِّراً احمد سليمان بأنه، عندما فشلت محاولة البكباشي علي حامد الانقلابيَّة، بمشاركة بعض الضُّبَّاط الشِّيوعيِّين، عام 1959م، «كان كلُّ أعضاء المكتب السِّياسي للحزب رهن الاعتقال، وقتها، ما عداك أنت، مِمَّا جعلنا نتساءل عمَّن قرَّر المشاركة! حتَّى أُحضر الضَّابط محمَّد محجوب محكوماً بالسِّجن. وبسؤاله كشف عن أنك أنت الذي قلت لهم إن تلك كانت توجيهات قيادة الحزب! لكن، عندما أشارت، لاحقاً، مجلة «آخر ساعة» المصريَّة إلى أن للمحامي احمد سليمان ضلعاً في المحاولة، أعلنت أنت أنك بصدد رفع دعوى (ردِّ شرف) ضدَّ المجلة! ثمَّ ها أنت، الآن، تطالبنا بأن نقرن (شرفنا) بضبَّاط مايو الذين انتصر انقلابهم .. فأيُّ (شرف) هذا الذي نقرنه بالمنتصر، ونفصله عن المهزوم»؟!

الخميس
بالخميس الماضي، التَّاسع من نوفمبر 2022م، نعي النَّاعي رحيل العالم الجَّليل البروفيسور أحمد محمَّد الحسن، مؤسِّس معهد الأمراض المتوطِّنة بجامعة الخرطوم، وعضو الجَّمعيَّة السُّودانيَّة الوطنيَّة للعلوم، وعضو اتِّحاد الكتَّاب السُّودانيِّين.
وبحسب روزنامة حياته وأعماله التي أعدَّها البروفيسور أحمد الصَّافي، وأصدرتها «مؤسَّسة التُّراث الطِّبِّي السُّوداني»، ضمن سلسلة «الأعمدة الرَّئيسة في علم الأمراض الاستوائيَّة وأبحاث السَّرطان والتَّعليم الطِّبِّي» عام 2008م، فإن بروفيسور الحسن وُلد ببربر في العاشر من أبريل عام 1930م. والتحق بالخلوة، ثمَّ المدرسة الأوَّليَّة الوحيدة، وقتها، في المنطقة، ثمَّ انتقل إلى بربر المتوسِّطة التي كانت ثالثة ثلاثة، فقط، في كلِّ المديريَّة الشَّماليَّة. وفي يناير 1945م التحق بكليَّة غردون التِّذكاريَّة ـ مدرسة أم درمان الثَّانويَّة، التي تغيَّر اسمها، مطالع الأربعينات، إلى «المدارس العليا»، حيث شكَّلت، إلى جانب مدرسة كتشنر الطِّبيَّة التي تخرج الحسن منها، الأساس الذي قامت عليه جامعة الخرطوم الحاليَّة.
مع نهاية نفس عام التحاقه بمدرسة أم درمان الثَّانويَّة، ألغيت، وحلَّت، بدلَّاً منها، مدرستا وادي سيِّدنا وحنتوب اللتان بدأتا الدِّراسة في يناير 1946م. ووصف الحسن التَّعليم الثَّانوي، آنذاك، وحتَّى منتصف السِّتِّينات، بأنه نوعي من الدَّرجة الأولى، يقوم عليه معلِّمون رفيعو التَّأهيل. وكانت المكتبة المدرسيَّة تعجُّ بالكتب الرَّصينة، والمجلَّات المتميِّزة التي كانت تفد، حينها، من مصر، كمجلتي «الثَّقافة» و«الرِّسالة»، مِمَّا شكَّل لديه ميلاً قويَّاً باكراً للاشتغال ببعض العلوم الاجتماعيَّة، كالسَّايكولوجيا، والباراسايكولوجيا، وغيرهما، ومكَّنه، أيضاً، من الاطِّلاع، خلال تلك المرحلة، على المنفلوطي، وطه حسين، وزكي مبارك، والمازني، والاصفهاني، وديكنز، وويلز، وسير والتر سكوت، وألفريد تينيسون، وشكسبير، وغيرهم.
استند التَّعليم الباكر الذي تلقَّاه الحسن، ومعاصروه، على النِّظام الذي أرسته بخت الرِّضا، آنذاك، وخرَّجت معلِّميه، وكان يحثٌّ التَّلاميذ على الاعتماد على أنفسهم في المواظبة على الاطِّلاع، ويوفَّر لهم، من أجل ذلك، ثروة هائلة من مواد القراءة. وكان التَّلاميذ منفتحين، منذ يفاعتهم، على شتَّى الخبرات الثَّقافيَّة، مثلما كانت مختلف الألعاب الرِّياضيَّة، والمهارات الفنيَّة، والمعارف الأدبيَّة والعلميَّة، متاحة لهم بكلِّ مستلزماتها من أدوات وآليَّات.كذلك كان نظام بخت الرِّضا يحضُّ الطُّلَّاب، في مختلف المراحل التَّعليميَّة، على ممارسة النَّشاط الاجتماعي في مجموعات، ويدرِّبهم على الاجراءات البرلمانيَّة، وكيفيَّة تنظيم الجَّمعيَّات، والأندية المحليَّة. وباختصار كانت المدارس، برغم الفقر المستشري، نموذجيَّة، والنِّظام التُّعليمي مثاليَّاً.
أنجز الحسن دراساته فوق الجامعيَّة ببريطانيا، ونال درجة دكتوراه الفلسفة من جامعة أدنبرة. وبعد عودته نأي بنفسه عن التقليد السَّئ لدى الكثير من الأطباء في تكريس عنايتهم الأساسيَّة لعياداتهم، وأسرهم، ومستقبلهم المهني، فاختار، على العكس، أن يندغم في هموم “المثقَّف العضوي”، انشغالاً بالتَّعرُّف على مشاكل البسطاء الصِّحيَّة والاجتماعيَّة، واجتراح الحلول والمعالجات لها، فتوجَّه، لأجل ذلك، بنفسه وعلمه إلى خارج العاصمة، والمدن الكبيرة، مستهدفاً أكثر المناطق معاناة في أقاصي الوطن، فوجد بين الأكثر بؤساً، على سبيل المثال، مرضى الجُّزام، والكلازار، والليشمينيا الجلديَّة، المنبوذين حتَّى داخل أسرهم، ودوائرهم المجتمعيَّة الضَّيِّقة، حيث لا أحد يصافحهم، أو يشاركهم الطَّعام، أو يقترب، مجرَّد الاقتراب، منهم، فعمل على تصحيح هذا النَّمط من السُّلوك الخاطئ تجاههم، لا بالوعظ، وإنَّما بإشاعة الوعي، بتقديم النَّموذج الشَّخصي المخالف، والمثال العملي المعاكس، فضلاً عن الانكباب على تطوير مناهج موثوقة في تشخيص تلك الأمراض، وأساليب علاجها! وكم من مرَّة أشار إلى أن أعظم تكريم ناله في حياته، على كثرة ما نال من تكريمات، هو ما جاءه من لدن هؤلاء البسطاء في هيئة «كيلة ذرة»، أو «قبضة تمر»، أو مجرَّد دعوة حارَّة صادقة بأن يطيل الله عمره، ويمتِّعه بالصَّحة والعافية. ويعتبر الحسن مثل هذه التَّكريمات مصدراً لـ «سعادة» حقيقيَّة، بالمفهوم الفلسفي لـ «السَّعادة» الذي يتبنَّاه هو، على ذمَّة ما أرساه البروفيسور رتشارد ليرلاد، أستاذ الاقتصاد بجامعة لندن، وعضو مجلس اللوردات البريطاني، والذي يَعتبِر الحسن آراءه الواردة ضمن كتابه بنفس العنوان بمثابة النَّقلة الهائلة على جميع أصعدة علوم السايكولوجيا، والاجتماع، والاقتصاد. وفي الواقع فإن آراء ليرلاد متأثرة إلى حدٍّ بعيد بفلسفة بنتام في القرن الثَّامن عشر، والتي تَعتبِر أنبل الأفعال ما يعود إلى صاحبه بأقصى درجات «السَّعادة». وهو مفهوم متقارب، بل ومتأثِّر، إلى حدِّ كبير، مع المفهوم الشكسبيري القائل، في القرن السَّادس عشر، ما معناه إنك حين تمنح السَّعادة لغيرك، فإنك، في الحقيقة، تخطو خطوتك الأولى داخل عالمها.
ومِن أهمِّ مشغوليَّات بروفيسور الحسن علم الباراسايكولوجيا الذي حاضر فيه، وقدَّم أبحاثاً رصينة حوله، شملت الكثير من الممارسات الشَّعبيَّة في اشتباكاتها بالعلم، كالزَّار، والعين، وضرب الرَّمل، وقراءة الودع، وتفسير الأحلام، وما إلى ذلك.
ولقد ظلَّ بروفيسور الحسن يلهج، إلى آخر يوم في حياته، معترفاً بجمائل «الشَّعب السُّوداني» الذي ظلَّ ينوِّه بدعمه المادِّي له في كلِّ مراحل تعليمه، مثلما ظلَّ شديد الامتنان لأسرته، وزملائه، ومساعدي أبحاثه العلميِّة، ويعتبرهم جميعاً بمثابة شركائه في كلِّ ما قد يُعتبر إنجازاً له على صعيد العلم، والحياة عموماً. ولعله، لهذا السَّبب بالذَّات، كرَّس نفسه تماماً، ووهب حياته بأكملها، لقضايا التَّدريس، والبحث العلمي، وخدمة فقراء الرِّيف.

الجُّمعة
بينما لم تنحسم، بعد، قضيَّة «ختان الإناث»، ولا تزال مثارة في أغلب بلدان العالم الثَّالث بالذَّات، ها هي قضيَّة أخرى لا تقلُّ جدلاً تطلُّ برأسها، لا في هذه البلدان وحدها، وإنَّما، كذلك، في بلدان الغرب الصِّناعي، وتتعلَّق، للمفارقة، بمعارضة «ختان الذُكور» أنفسهم!
ترفع لواء هذه الحملة، عالياً، في الوقت الرَّاهن، أعداد ضخمة من اﻷطبَّاء والمنظمات الطِّبيَّة في الدنمارك، وبلدان الشَّمال الأوربِّي الأخرى، ودول الغرب عموماً، الأمر الذي جرى تداوله في مختلف الوسائط الإليكترونيَّة، كما لفت إليه الأنظار، مؤخَّراً، بعض الأطبَّاء في صحافتنا الورقيَّة، ما يعني إمكانيَّة تعميمه بما قد يشمل بلادنا، أيضاً، استناداً، على الأقل، إلى أن «ختان الذُكور» يتنافى، خصوصاً، مع «قسم أبقراط» القائل: «قبل كلِّ شئ تجنَّب إلحاق الأذى»! واتِّساقاً مع ملاحظة أنه ليس ثمَّة منظَّمة طبِّيَّة في أيِّ مكان حول العالم توصي بختان الأطفال الذُّكور، فقد اعتبر ثلاثون ألف طبيب دنماركي الجزء الذي يتمُّ قطعه من القضيب المعافى للطفل الذَّكر جزءاً حسَّاساً تجري إزالته بعمليَّة لا تخلو من الخطورة، بينما هي، في الوقت نفسه، غير مبرَّرة، لا صحِّيَّاً ولا أخلاقيَّاًً، إذ أنها، من النَّاحية الصِّحِّيَّة، لا فائدة منها، على العكس من الاعتقاد السَّائد في بلدان العالم الثَّالث؛ أمَّا من النَّاحية الأخلاقيَّة فيكفي تذكُّر أنها، على حين تستهدف استئصال جزء من جسد إنسان، فإن هذا الانسان نفسه لم يُستشر في الأمر، بل ولم يبلغ، بعد، السِّن التي تؤهِّله لاتِّخاذ قرار! وترتيباً على ذلك شملت السِّياسة الجَّديدة للجَّمعيَّة الطِّبِّيَّة الدَّنماركيَّة تعديل هذا الجَّانب؛ كما أظهر استطلاع للرَّأي أن قرابة التِّسعين بالمائة من المواطنين يؤيِّدون فرض حظر قانوني على الختان غير العلاجي للأطفال الذُّكور دون الثَّامنة عشر!
أمَّا إذا أخذنا في الاعتبار تخوُّف البعض من أن القضيب الذَّكري «غير المختون» قد يصعب تنظيفة، ولذا يكون عرضةللعدوى، فإن السُّؤال سرعان ما ينطرح حول ما إن لم يكن بعض الرِّجال «غير المختونين» عرضة، هم أنفسهم، لمشاكل صحيَّة قضيبيَّة، بين الحين والآخر! دَعْ أنهم قد يتعرَّضون للإصابة بتسوُّس الأسنان، أو بالتهاب الزَّائدة الدُّوديَّة، فهل يحتاجون، بالضَّرورة، إلى عمليَّات جراحيَّة ﻹزالة هذه الأجزاء من أجسادهم، كي يتفادوا هذه الإصابات؟!
وبعد، فما هو، يا ترى، رأي الدَّوائر الطِّبِّيَّة السُّودانيَّة، بل والمواطنين العاديِّين، بهذه القضيَّة، علماً بأن المظاهرين لهذه الحملة مِن المسلمين يستندون إلى غياب أيِّ توجيه، في القرآن أو السُّنَّة، يحضُّ على «ختان الذُكور»؟!

السَّبت
لئن كانت كتلة «الحركة الاسلامويَّة» قد استبشرت خيراً بانقلاب 25 أكتوبر 2021م، وما ترتَّب عليه من اجراءات طوال العام الماضي، فقد استبشرت كتلة «الحريَّة والتَّغيير»، كذلك، بالخطاب الذي ألقاه البرهان، مؤخَّراً، أمام المئات من ضبَّاطه وجنوده، في «قاعدة حطَّاب» العمليَّاتيَّة؛ وللأسف .. أخطأت كلتا الكتلتين التَّقدير!
أبهج الاسلامويِّين في انقلاب 25 أكتوبر توهُّمهم أنه رمى للاقتصاص لهم من لجنة إزالة التَّمكين، وإلغاء قراراتها بعزلهم عن وظائفهم، وفكِّ الحظر عن حساباتهم المجمَّدة، واسترجاع شركاتهم المصادرة، ونفخ الرُّوح في نقاباتهم المحلولة، ومنظّماتهم المبدَّدة، وقوَّتهم المفتَّتة، وقولاً واحداً، إعادة حزبهم «المؤتمر الوطني» إلى الحياة مجدَّداً! وفي إطار هذا الفهم، راحوا يتدفَّقون من شتَّى المنافي إلى مطارات وموانئ البلاد التي كانوا قد فرُّوا منها، عندما ضُربت عليهم المسكنة غداة انهيار سلطانهم بتاريخ 11 أبريل، ليخلخلوا تماسك الجَّبهة الدَّاخليَّة، بإعادة تنظِّيم صفوفهم، ولملمة أطرافهم، وإطلاق مختلف الفعاليَّات، وأشهرها «اعتصام الموز»، ومواكب التَّأييد، شاملة «موكب إيلا»، وموكب 29 أكتوبر!
وأبهج، من جهة أخرى، كتلة «الحريَّة والتَّغيِّير»، في خطاب «قاعدة حطَّاب»، واستقبال الضُّباط والجُّنود له بالتَّهليل والهتاف، تصوُّر خاطئ مفاده أنه جاء تصحيحاً لموقف المكوِّن العسكري مِن الثَّورة وقواها، ومراجعةً لموقفه من الخصوم الاسلامويِّين أهل النِّظام البائد الذي كنسته الثَّورة، رغم أن الخطاب اكتسى بالتَّناقض، من عدَّة وجوه في آن واحد، مع موقفَي البرهان وحميدتي المعلنين!
وفي الواقع فإن أخذ الأمور بمظهرها الخارجي العام قد يبرِّر هذا الابتهاج من جانب «الحريَّة والتَّغيِّير»، لا سيَّما وأن «خطاب حطَّاب» ليس الوحيد من نوعه، فقد سبقته تعبيرات ملتبسة أخرى، سواء مِن البرهان أو مِن نائبه حميدتي. فقد خاطب الأخير، مثلاً، حفل الافطار الذي نظَّمته، خلال رمضان الماضي (2021م)، جماعة مخاتلة كان كوَّنها نفس الطَّيِّب الجِّد، وأطلق عليها، للمفارقة ، اسم «مبادرة حماية الثَّورة ـ مشعل!»، وجعل حميدتي ضيف شرف حفل إفطارها. فما نشب هذا الأخير أن ألقى كلمة في المناسبة «قلبت بطون» الاسلامويِّين، حيث انطلق يخاطبهم، مباشرة، كتنظيم إسلاموي، بينما هم يتوهَّمون أنَّ هويَّتهم الحقيقيَّة مخفيَّة جيِّداً داخل منظَّمتهم المنتحلة، ويحذِرهم مِن أن يعتقدوا أن الاسلام في خطـر، أو أنه مملوك لهم وحدهم، أو أنهـم مسؤولون عن حمايته ضدَّ أعداء وهميِّين، وهلمَّجرَّا! ومن يومها لم تقم لتلك المنظَّمة قائمة حتَّى ظهر الجِّد، مؤخَّراً، بمبادرته الجَّديدة المعروفة!
ومع أنه لم تكن قد انقضت سوى بضع ساعات ما بين موكب تأييدهم للجَّيش، وبين تكشير قائد الجَّيش نفسه عن أنيابه في وجوههم عبر «خطاب حطَّاب»، فقد واصل الاسلامويُّون تملُّق البرهان وحميدتي، والتَّمسُّح بأعتابهما الرَّسميَّة، جرياً على سلوك سياسي قديم أدمنوه مع كبار الجَّنرالات، رغم أن الأيَّام تكفَّلت بإثبات أنه سلوك مُهلك، خاصَّة وأن البرهان، وحميدتي، وكلَّ من شاركهما «جريرة!» إقصاء البشير ، وإقصاءهم معه، عن «العرش»، يدركون، تماماً، أن نهايتهم الحتميَّة تكمن في استعادة هؤلاء الفلول لتمكُّنهم السُّلطوي، بأيِّ شكل من أشكال «التَّسوية»، وذلك على خلفيَّة مجريات الأحداث منذ الحادي عشر من أبريل 2019م، سواء مَن استوطن منهم مصر، أو لاذ بتركيا، أو احتمى بجواز أجنبي، أو كان قد اطمأن، عن غفلة، ما بين «القصر»، و«المنشيَّة»، و«القيادة العامَّة»، إلى مال منهوب، أو قوَّة متوهَّمة، أو سلطان زائل! ولعلَّ في ذلك مغزى تحذير البرهان، ضمن خطاب «حطَّاب»، إلى «مَن يريدون التَّخفِّي وراء الجَّيش»، وعلى وجه الخصوص عناصر المؤتمر الوطني والحركة الاسلامويَّة، بقوله لهم، في صيغة آمرة، ولهجة صارمة: «أرفعوا أيديكم عن القوَّات المسلَّحة، المؤتمر الوطني ليست له مكانة في الفترة الانتقاليَّة، الجَّيش لن يعيد المؤتمر الوطني إلى السُّلطة .. يكفيكم 30 سنة من الحكم»!
القليل من الذَّكاء السِّياسي يمكن أن يضيء البون الشَّاسع بين مقدِّمات العودة إلى السُّلطة التي يأمل فيها الاسلامويُّون، الآن، وبين المقدِّمات القديمة لانقلابهم المشؤوم، في 1989م، يوم راحوا يتملُّقون الجَّيش، خلال الدِّيموقراطيَّة الثَّالثة، بجمع «غويشات» الذَّهب له من أذرع النِّساء تطوُّعاً!
والقليل من الذَّكاء السِّياسي كفيل بتنبيه الأذهان المغيَّبة، والأفئدة الهائمة، إلى أن الأسلوب القديم في طاعة الجَّنرالات، والمسارعة لتنفيذ تعليماتهم حتَّى قبل أن ينطقوا بها، والتَّسبيح بحمدهم، صباح مساء، والتَّمسُّح، عموماً، بأعتابهم، لم يعُد يجدي بعد ثورة ديسمبر؛ فقد تغيَّر الزَّمن، ولم تعُّد فرص الانتهازيَّة السِّياسيَّة هي ذاتها، وانقشع مناخ الاستكانة للأمر الواقع، ورفرف مناخ جديد يبذل فيه مزيد من الشَّباب، كلَّ صباح، أطهر الأرواح، وأزكاها، رخيصة، في حرم الشِّهادة والتَّضحية، مِمَّا لا تتَّسق معه محاولا خصخصة العدل، مثلاً، على منصَّة أبوسبيحة أو غيره، لتصفية الثَّورة والثُّوار؟!
والقليل من الذَّكاء السِّياسي قادر على الكشف عن أن ترتيبات المكوِّن العسكري، ضدَّ «الحريَّة والتَّغيير» تارة، وضدَّ «المؤتمر الوطني» تارة أخرى، هي ترتيبات محسوبة، يمكن لأعجل نظر أن يعي أن المقصود من ورائها عدم ترك الفرصة سانحة لهذا الفصيل السِّياسي أو ذاك كي ينفرد بالسَّطوة على الشَّارع، كما ولا بُدَّ مِن الحفاظ على الصِّراع محتدماً بين الكتلتين المتناقضتين، وإلَّا فلمصلحة مَن دعمُ انتصار أحدهما على الآخر؟!
وأخيراً، فإن مِن شأن القليل مِن الذَّكاء السِّياسي أن يمكِّن الاسلامويِّين، لو أداروا الظَّهر للرُّوح الانتهازي، من إدراك هذه الحقائق الجليَّة، بل وقد بدأ الكثيرون منهم يدركون ذلك فعليَّاً، ليس، فقط، من حباهم الله قدراً من استقلاليَّة العقول والتَّفكير عَصَمَتْهُم، حتَّى قبل الثَّورة، من الوقوع في شراك التَّبعيَّة التي ظلَّ يفرضها عليهم قادتهم باسم الاعتصام، زوراً، بحبل الله (!) بل أيضاً من يفكِّرون منهم بأقدامهم، هروباً، كالجرذان التي تستشعر قرب غرق السَّفينة! فعلى سبيل المثال لاحظ العميد (م) صلاح الدِّين محمَّد احمد كرَّار، مؤخَّراً، في تسجيل خاص حول هذه المسألة، أن البرهان جاء إلى القاعدة العسكريَّة ليلقى خطابه مرتديا «لبس 3»، ومتمنطقاً طبنجته العسكريَّة، الأمر الذي لا يكون إلا عند اعلان «الاستعداد» في صفوف الجَّيش! أمَّا الأكثر لفتاً للانتباه في هذا التَّسجيل فهو أن كرَّار، وبعد كلِّ «التَّنمُّر» الذي اتَّسمت به خطاباته السَّابقة ضدَّ الأحزاب، خصوصاً اليساريَّة والعروبيَّة، انقلب، في عقابيل «خطاب حطَّاب» بالذَّات، يتحدَّث بنبرة هادئة، ومزاج رائق، ولغة تغلِّب عقلانيَّة المصلحة السِّياسيَّة المشتركة، حسب رأيه، بين حزب المؤتمر الوطني، من ناحية، وبين القوى المتناقضة معه، عادة، كالحزب الشِّيوعي، وحزب البعث «السَّنهوري»، من ناحية أخرى، واصفاً الأخيرَين، على غير العادة، بأن «قلبهما على الوطن» (!) وأن هذه الأحزاب مستهدفة من السَّفير الأمريكي الذي يحكم السُّودان، فعليها أن تجلس إلى بعضها البعض لتتفاكر في ما يخطَّط ضدَّ السُّودان، وحتَّى«الذَّم بالعلمانيَّة»، المعتمد لدى الاسلامويِّين، عادة، من منطلقات دينيَّة، أقدم كرَّار على استخدامه، هذه المرَّة، بمدلول سياسي بحت، قائلاً: «إن السَّفير الأمريكي تمَّ اختياره بعناية، وفق معايير دقيقة لـ (علمنة) السُّودان، لا ليحكمه (علمانيُّوه)، بل ليحكمه من ترضاه أمريكا»!

الأحد
قالت امرأة: «إذا أغضب الزَّوج زوجته، فلن تنفعه صَلاته، ولا صيامه»! ثمَّ أضافت: «وهذا متَّفق عليه»! وعندما سألوها: «من الذي اتَّفق عليه»؟! أجابت: «أنا ونسوان الحي»!


kgizouli@gmail.com

التعليقات مغلقة.