الإدارة الأهلية: الشايقي سخروه

الإدارة الأهلية: الشايقي سخروه
  • 22 يونيو 2019
  • لا توجد تعليقات

د. عبدالله علي إبراهيم

اقتحمت الإدارة الأهلية صحن المدينة. واستبشع الناس ذلك. فلم يصدق كثير من الصفوة أن تخرج هذه الإدارة عن حاضنتها في الريف لتعكر صفو سياسة المدينة. فقد اتفق للصفوة أنها الحكومة المثلي للريف تحكمه بأعرافه. حوالينا ولا علينا.واتفق لهم كذلك أن أهل الريف راضون عنها فلا سبب لإزعاجهم بمشاغل المدينة في التحديث وغيرها. وللصفوة عن حسن إدارة رموز هذه الإدارة لأهلهم قصص تروى عن مادبو وعلى التوم وأب سن وترك والعشرة الكرام.

ما غاب عن الصفوة في ترويجهم لمأثرتها هو رواية ضحاياها. فسلطانها المعزز بالدولة المركز سلطان بشع تضمن تسخير رعيتها لخدمة الحكومة. فجاء في قوانينها الاستعمارية ما حمل الناس على السخرة. فمن واجبات رجل الإدارة الأهلية حسب لائحة لإدارة الأهلية إيواء موظَّفي الدولة متى حلَّوا بداره. وله استخدام السُّخرة متى اقتضى واجب الدولة ذلك. فهو ملزَم أن يبني بالسخرة “الكر”. وهي حظائر تنتظم الحيوانات فيها واحدة بعد الأخرى للتطعيم تفادياً للعدوى. وتبني الإدارة الأهلية بالسخرة كذلك الكرنتينات لعزل مرضى البشر والمدارس المؤقتة. وتفتح تلك الإدارة أيضاً خطوط النار في المراعي منعاً للحرائق. كما يحثُّ رجل الإدارة الأهلية المتطوعين لنثر سم الجراد في مواضع صغاره، العتَّاب. كما أن رجل الإدارة الأهلية، ملزوم ب”استخدام” المواطنين لفتح الطرق الرئيسة في دائرته بعد موسم الأمطار. وهذه نُظُم سخرة استنَّها الإنجليز واستبقاها ورثتهم من الصفوة حتى نهضت جماعات مختلفة وقاومتها معززة بالحرية التي كفلها الاستقلال لحين.

وأعرض أدناه ما اجتمع لي من الصحف عن أخبار سخرة الخاضعين للإدارة الأهلية ومقاومتهم لها:

أروما (الصرحة 20-11-1950) عن عبد الغفار عثمان عن اجتماع مزارعي القاش مع مدير لجنة مشروعهم. قدموا مطالب كان المطلب الثالث منها: “رفع السخرة من اقامة الجسور وحراسة الترع في الخريف وبعض أعمال أخرى”.

البديرية كردفان (الميدان 13-10-58) عن تسخير البديرية على بناء بيوت حكومية وحفر آبار بدون أجر. وفعلوا. ولكنهم رفضوا أمراً بتفكيك هذه البيوت وإعادة بنائها في موضع آخر. وعرضوهم أمام محكمة الناظر وحكمت عليهم بغرامات بلغت 15 جنيهاً. “ويولي حزب الجبهة (الجبهة المعادية للاستعمار) هذا الأمر اهتماماً بالغاً. وهو الذي كان له الفضل في إيقاف عمل السخرة بجبال النوبة وسيقوم بحملة لإزالة هذا العمل المخزي من جميع أرجاء كردفان. هذا وقد رفع هؤلاء المواطنون استئنافاً ضد الحكم الذي صدر ضدهم.”

الميدان (24 -11-58): شكوى من مهدي كودي عن 25 ألف مواطن من جبال أطور وتيرة يسخرون في عمل الطرق التي تمر عليها “عربات الأغنياء والمحظوظين.” وعلق أن أولئك الموطنين لم يتحرروا من الاستعمار بعد.

حوكم الاستاذ محمد أحمد جكنون التاجر بكريمة ومراسل الصراحة بغرامة قدرها عشر جنيهات لخبر أرسله للصراحة عن تسخير الأهالي بمروي لعملية حكومية للوقاية من السيول (6-10-1950). وكتبت عن الواقعة فصلاً في كتابي “. . . ومنصور خالد” عنوانه “الشايقي سخروه”. والمغزى أن بعض كُتابنا اعتقد أن السخرة مما اختص بها “أفارقة” السودان لا عربه. وهرجوا. فالسخرة كانت في أصل قانون الإدارة الأهلية.

لن تجد روايات مقاومة الإدارة الأهلية هذه في حفائظ الصفوة عنها. فتنزلوا عند رواية المسخر لا عند رواية المسخرين.

(من أراد التوسعة في هذا الجانب من تاريخ الإدارة الأهلية فليعد إلى الفصل الثاني وأربعين من كتابي “. . . ومنصور خالد”.

IbrahimA@missouri.edu

التعليقات مغلقة.