قالوا الدود قرقر

قالوا الدود قرقر
  • 20 يناير 2020
  • لا توجد تعليقات

الرفاعي عبدالعاطي حجر

ذات يوم كتب شاعرنا الكبير اسماعيل حسن طير الرهو، من وحي البيئة، فكانت طيور الرهو في هجرتها تزورنا وترفل في نعيم بلادنا، او كما قال اسماعين ود حد الزين بنية شيخنا اسماعين، حتى الطير يجيها جعان و من اطراف تقيها شبع، طير الرهو اغنية لطيفة الصور وفيها انين شجن وغربة شكاها ود حد الزين لطائر الرهو، كانت تلك الغربة من الشمال جلاس بلد قبة ود حجر، الى الخرطوم السجانة، اعتبرها بحسه المرهف غربة !!! الإرهاف دا يسكن الشاعر، وقد تغرّبنا لما وراء البحر الأحمر ولم نقل بغير اللعنة على من كان السبب في غربتنا، وهي السياسة الأحادية الإنقاذية التي قتلت كل شيء وكانت هي السبب المباشر لاندلاع الحروب بين أبناء الوطن الواحد، ونتاجها ان هجرت بلادنا طيور وعنادل وغواريد جمة وللبلوم اروع الاغنيات الجابروية بألوان ألحانٍ زاهية.
احالت الحروب وصراع الفاشلين ارضنا و تقَانِتها محض بور ينعق فيه البوم والبوم يعشق الحياة، لعن دعاة الحرب وغادر خرابها الذي لا مثيل له.
ﺯﻳﻚ ﻏﺮﻳﺐ ﻭﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻃﺎﻟﺖ ﻳﺎ ﻣِﺴﻜﻴﻦ ﺯيي ﻳﺎ
ﻃﻴﺮ ﺍﻟﺮﻫﻮ
ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻣﻠﻴّنا ﻋﻴﺸﺘﻮ
ﺃﺭﻳﺘﻨﻲ ﺯﻳﻚ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻳﺤﻀﻨﻲ ﺟﻮ
ﻓﻲ ﺑﺤﻮﺭ ﺍﻟﺮﻳﺪ ﻧﺴﺎﻓﺮ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ ﻛﺎﺳﺤﺔ ﻣﺎ
ﺩﺍﻡ ﺭﻳﺤﻨﺎ ﻧﻮ
ﻧﻤﺸﻲ ﻟﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺤﺒﺎﻳﺐ ﻳﺎ ﺣﻼﺗﻲ
ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻏﻴﺶ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺿﻮ
ﻳﺎ ﺳﻼﻡ ﻟﻤﻦ ﻧﺴﺎﻟﻢ ﻧﺒﻘﻰ ﺷﻮﻕ ﻃﺎﺋﺮ
ﻣﻌﺮﺑﺪ
ﻧﺴﺘﺤﻴﻞ ﺷﻼﻝ ﻋﻮﺍﻃﻒ ﻓﻲ ﻗﻠﻴﺐ ﻋﺎﺷﻖ
ﺯﻱ ﺗﻤﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﻳﻔﻴﺾ ﺍﻟﻨﻴﻞ
ﻳﻔﺮﻫﺪ
ﺗﻨﺘﺸﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺰﻏﺮﺩ
ﺑﺎﻟﻨﺴﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﻠﻮﺓ ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ
ﻭﺗﻨﻘﺮ ﺑﺎﺑﻨﺎ ﻛﻮ…..ﻛﻮ
ﻳﺎ ﺳﻼﻡ
متى يعود للأرض السلام، وللناس المحبة، والخبز والموسيقى ؟ متى تصلي القِبل الأربع، لنغني مع صلاح أحمد ابرهيم، الطير المهاجر ليحضن بلاده، ويبل شوق الحبيبة التي تغزل في منديل حرير لحبيب عائد ، او مع الحلنقي
هجرة عصافير الخريف …في مَوُسم الشوق الحلو
هيج رحيلا مع الغروب ….إحساس غلبني اتحملو
وكتمت اشواق الحنين ….داير الدموع يتّقلو
ورجعت خليت الدموع….يرتاحوا مني وينزلو
ليه ياعصافير الخريف …خضرة مشاعري اشيلا صيف
ولأننا سمّاعون انطباعيون، مفردات طير الرهو عظيمة الشفافية، اهلمناها ذلك بسبب تصنيف المغنين، وتصنيف المغنون عندنا فاق الوصف حتى استحال هضم الغناء كحرفةِ امتاع وتهذيب الذوق العام ورفع نمو الحس الجمالي ، إلى تصنانيف وتصاريف مهلكة للوجدان تغنى بها من لم يطقه البعض ، وحملّناه محمل ختلنا ، فضاعا لحنا وكلمات الأغنية الرقيقة الكاشفة عبر تسليط الضوء، لمدي قسوة التنازع والتهافت من أجل التبخيس والنبيشة :
تغنت بلادنا للطيور والحيوانات وكانت رمزا للفروسية، والبُطان واظهار الشهامة والكرم مرادف طبيعي، شدولك ركب فوق مهرك الجماح.
مرّ مرور الكرام عمر الحسين محمد خير شاعر الأغنية له الرحمة والمغفرة ، وربما حوّرها عن عمد الساسة، او المزاج السياسي الضيق لا الواسع، وقد رددتها جِدة الشاعر عمر ود الحسين عقب ممات جَدْه، وتمنت الحبوبة شاعرا يتمها قصيدة، فابتدرت شدولك وقام بنظمها حفيدها عمر ود الحسين، وتغنى بها الفنان سيد خليفة في حضور الرئيس نميري في احد المناسبات، ومن هنا قيل انها قيلت في النميري، فكيف يطمح نهر النظم الشفيف،. ليقول كلمات مثلها، في قاتل رفاق سلاحه وطريقه ، والمهووس بالمرجلة وهو دونها وقاتل الاستاذ شهيد الفكر.

شدوا لك رِكب فوق مهرك الجماح
ضرغام الرجال الفارس الجحجاح
تمساح الدميرة الما بيصده سلاح
المال ما بيهمك إن كتر وإن راح
بطناً جابتك والله ما بتندم
ويا أسد الكداد الفي خلاك رزم
ويا رعد الخريف الفوق سماك دمدم
بابك ما انقفل ونارك تجيب اللم
وما بتحلف تقول غير استريح حرم
أبواتك جبير بيسدوا للعوجات
ومطمورتك تكيل للخالة والعمات
وفي الجود والكرم إيديك دوام بارزات
ويا أب قلباً حديد في الحوبة ما بتنفات
صدرك للصعاب دايماً بعرف العوم
وفي وسط الفريق في الفارغة ما بتحوم
لا تتلام ولا بتعرف تجيب اللوم
تفخر بيك بنات البادية والخرطوم

كان مدخل الفخر بمهر وانتهى للكرم والفروسية والشهامة، اندهش وقد تكونت دوائر استفهام حول من لم يتغن لنميري، ولا غبن نحو من تغنى للنميري؟ ذائقة واستمزاج الجمهور تحتاج دراسة، وخير مثال هذا الفرز بين مجايل ابو السيد.
تلك اغنيات كانت سيدة وقتها.
البلوم في فرعه غنٌّ طرانا يا الحبان اهلنا، سألت البلوم أين انت من دياري؟
في نيفاشا ابتدر الزعيم الراحل قرنق حديثه في التوقيع ومراسم الاحتفال، مخاطبا الخرتيت في حدائق نيفاشا وكان الخرتيت بوفرة عندنا وكان شعارا لجمهورية السودان الديمقراطية، فتبدل الى صقر الجديان وطار من يومها السودان وها هو يحاول أن يرك الآن ، ولو اننا نحسن ترويض الحياة البرية لما خضنا حروب عبثية، فقد ارتحلت الكثير من البريات والبرمائيات، فقد خلّد هاشم صديق الله يطراه بالخير قرنتية اوقعها حظها العاثر في حفرة طمي قبالة اب روف، وبدل ان تعامل وفق ما وصلته المدنية الحديثة بحذر لتعاد لنيلها، ولتعلمنا انها آخر قرنتية وفيها وفاء لنا ارادت ان تقبر عند شاطئ النيل الجميل ، قام المختصون في محاولة انقاذها بقتلها، آخر العلاج الكي، واما عن السلامة والإنقاذ وآلياتها فالإنسان عندنا ارخص من تلك القرنتية، حادثة مصنع بحري القريبة طواها النسيان، فما بالنا بقرنتية في عهد المشروع الحضاري، الذي أزال اي مظاهر حضرية وهوى بنا إلى عصور ما قبل الجاهلية سحقاً لهم .
كل ذلك ذكرته بمناسبة الاسود واللبؤات البائسة حياتهن في حديقة القرشي، وما كانت حديقة الحيوان في زمانها إلا معرضا وطنيا لشاكلة ما تحويه مناخات بلادنا وحيواتنا البرية والنيلية والجوية من طيور ومفترسات ومستأنسات وزواحف وقوارض وحيّات، فما كان من اصحاب الغقد النفسية والمنكرين لتاريخهم وذوات وذوو العاهات من اهل الحكم ممن اكتشفنا انهم من الزواحف الكيزانية ، إلا أن باعوا موقع حديقة الحيوان الى القذافي ليقيم تلك البناية التي وصفها صحيحا عماد عبدالله في بوست له صباح امس، انها فعلا بناية بائس من باعها ومن أشادها ومن اقام فيها، ولو كانت عقارب الساعة ترجع للوراء لأعدنا هذه الحديقة لموقعها، وحذفنا من حياتنا الثلاثة الماضية من عقود الاذلال والخراب والدمار.
ان حديقة الحيوان في قبالة توتي وعند مقرن النيلين الأبيض والأزرق تساوي الدنيا بأجمعها.
قال هواري بومدين عن عاصمة بلادنا في مقرن نيليها، انها ترقد على ستة شواطئ ، والاله حباها نِعمٍ جمة، اقلاها ما لاحظه الرئيس الجزائري هواري بومدين وهو على شُرفة فندق هيلتون الخرطوم آنذاك، كيف لا وقد خلدها الشاعر المصري، والذي عمل ضمن البعثة التعليمية المصرية في السودان الأستاذ ابراهيم رجب وقال مستدعيا استعبارا هاجه :
الخرطوم يا ال عندي جمالك جنة رضوان
طول عمري ما شفت مثالك في اي مكان
انا هنا شبيت يا وطني
زيك ما لقيت يا وطني
في وجودي أحبك وغيابي
يا وطني يا بلد احبابي
ما كان الدود قرقر إلا رمزية أخرى للفخر والمهابة، فالدود في غربنا لقب للفارس الاسد، وهو يليق بنا فللاُسدِ مهابة ومكانة في غنانا وأشعارنا السودانية عظيمة.
كيف لبلادٍ بهذا الجمال والخصوبة تعجز عن اكمال التمام من حيث بناء اقتصاد زراعي حيواني يكامل بعضه بعضا؟ كيف لبلادي وقد اشعل الشباب ثورتها وتقدموا الصفوف بصدور عارية للرصاص واستقبلوا الموت بالاستبسال ان لا تشتعل فيها ثورة زراعية وصناعية وحطط تنمية؟

التعليقات مغلقة.