اعتزال الأمام الصادق المهدي

اعتزال الأمام الصادق المهدي
  • 26 يناير 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

امام جماهيره الغفيرة التي احتشدت بالامس في ميدان الخليفة ختم الأمام الصادق المهدي خطابه بالقول انه سوف يتخلى عن العمل الحزبي والتنفيذي مع استمراره في العمل العام الوطني والإسلامي والعربي والأفريقي والدولي الفكري والعملي . وهو قول مهم في لحظة مهمة من تاريخ الديمقراطية و العمل العام في السودان ، إذ لم يشهد السودان تنحي قيادي في العصر الحديث عن القيادة الحزبية في احد الأحزاب الأربعة الكبيرة ، إذ توفي الأستاذ نقد و هو سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي و توفي الترابي و هو أمينا عاما للمؤتمر الشعبي، و مازال السيد محمد عثمان الميرغني هو رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي .

تخلي السيد الصادق المهدي عن العمل الحزبي سيكون عنوانا للمرحلة و سوف يجبر القادة أمثال الميرغني و السنهوري و الخطيب على الترجل عن العمل الحزبي و افساح المجال للشباب ، و سيفتح هذا التحول الباب واسعا امام ديمقراطية حزبية متكافئة في الأحزاب الجماهيرية و التاريخية .

لم يتوفر في تاريخ السودان لقيادي سياسي ما توفر للأمام الصادق المهدي فالرجل في الثلاثينات ارتقى إلى قيادة الحزب و الدولة ، وهو السياسي السوداني الوحيد المعاصر الذي تقلد رئاسة الوزراء مرتين و عبر انتخابات حرة و جماهيرية ، كما أن الرجل احد صناع ثورتي اكتوبر و ابريل و ها هو اليوم احد قيادات ثورة ديسمبر مما يجعله السياسي الذي عاصر ثلاث ثورات قياديا و ليس مواطنا عاديا ، و هذا رصيد سياسي ووطني ضخم .

الأمام الصادق يختلف عن أقرانه في الكتابة الراتبة حيث أصدر الرجل عشرات الكتب و كتب الخطابات و الرسائل في كل شأن عام سواء محلي او إقليمي او عالمي و الرجل بحق فخر للسودان اذ لا يوجد بالسودان رجل سياسي و في نفس الوقت غزير الإنتاج الفكري و الكتابي كما يفعل الأمام، و هذا يدل على تقدير الأمام لعامل الزمن و التزامه الصارم بإنجاز الأعمال الفكرية رغم المشاغل السياسية و هذا يدل على ايمانه بضرورة الفكر و الكتابة و حاجة البلاد و العالم العربي و الإسلامي و الأفريقي للأفكار الجديدة .

سياسيا حافظ الأمام على حزبه عبر كل الشموليات و ظل ينهض حزبه بعد انتهاء الشموليات كطائر العنقاء ضخما و قويا و يحلق في القمة بالانتخابات العامة ، و يبدو ان الحزب الآن مرشح لذات المصير و هذا ما ظهر في زيارات الأمام التي جابت السودان شرقه و غربه و شماله و جنوبه و اختتمت أخيرا بالعاصمة التاريخية ام درمان .

كذلك حافظ الأمام على كونه السياسي الوحيد المخضرم الذي لم يشارك الانقاذ في سلطتها ، كما ظل طيلة تاريخه وفيا للديمقراطية و العمل السلمي و الجهاد المدني الا في محطات اجبر بفعل الشمولية على الكفاح المسلح ، واستطاع بذلك الحفاظ على حزبه و على تيار الوسط الذي كان صمام الأمان الذي منع انزلاق البلاد لحرب أهلية شاملة رغم أن بلادنا من أكثر البلدان المهددة بهذا المصير .

بالتأكيد سيفقد حزب الأمة القومي وجود الأمام الصادق المهدي و لكنه سيكسب تجربة فريدة ان يتخلى عنه قائده في حياته و يرعاه من على البعد، في المقابل سيكسب السودان و الإقليم مفكرا مجيدا و رصينا مشبعا بالخبرات و الكلمة و مؤمنا بالديمقراطية و التعايش و السلام .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.