رأسمالية ام اشتراكية ام حمدوكية؟

رأسمالية ام اشتراكية ام حمدوكية؟
  • 25 فبراير 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

هنالك صراع ضخم يدور حول التوجه الذي ينبغي أن يسير عليه اقتصاد السودان في ظل حكومة الثورة، هل هو اقتصاد ذو توجه رأسمالي ام اقتصاد ذو توجه أشتراكي ام بين بين ، مجلس الوزراء ممثلا في شخص وزير المالية على قمة المنادين بالتوجه نحو تطبيق بعض مباديء الرأسمالية، بينما الشيوعيين خاصة واليساريين عموما هم المنادين بالاشتراكية . هذا الصراع الايدولوجي ثقيل على المواطن السوداني ولا يفهم الكثير من معانيه ، وبما أنه هو المعني بتطبيق هذه السياسة الاقتصادية فإن له الحق في معرفة الفرق بين هذه الأفكار ومعرفة الفوائد التي يجنيها من هذه او تلك والمخاطر التي سيتعرض لها من جراء هذه السياسة الاقتصادية او تلك ، حتى يكون على بينه من امره ويدعم ما يشاء ، فالشاهد ان هذا الصراع الايدولوجي سبب وسوف يسبب كوارث اقتصادية اكثر مما لو طبق اي منهما بالفعل .

الوزير طرح رؤية اقتصادية ذات توجه رأسمالي تحتوي على الرفع التدريجي لدعم السلع مع توجيه هذا الدعم المرفوع في شكل أموال نقدية تقدم للفقراء مع دعم خدمات الصحة والتعليم ، هذا الإجراءات عارضتها قوى في الحرية والتغيير وبالتحديد اليسار الشيوعي ، وقاد هذا الصراع الى لقاء بين مجلس الوزراء وقوى الحرية و التغيير تم فيه الاتفاق على تأجيل هذه الإجراءات لحين قيام مؤتمر اقتصادي في شهر مارس المقبل ، هذا التأجيل هو أول كوارث هذا الصراع وهذا التأجيل قاد إلى ضبابية حول سياسة الحكومة الانتقالية الرسمية في الاقتصاد وقاد إلى جلوس الكل وهو يتفرج على حال الشعب وهو يعاني من الغلاء الطاحن وعدم وجود دعم واضح للشرائح الفقيرة وعدن وجود خطة رسمية متكاملة واضحة للاقتصاد الا بعد مؤتمر مارس الاقتصادي!! وكل هذا تتحمل مسؤليته جوقة اقتصاديي الحرية والتغيير .

ثاني الكوارث أن الخلاف والربكة حول التوجه الاقتصادي للبلاد قاد إلى ارتباك المانحين من أصدقاء السودان ، فهم استمعوا من قبل لرؤية وزير المالية ودرسوها ووعدوا البدوي بدعم مقدر وهو الدعم الذي بشر به البدوي من قبل ، الخلاف داخل كابينة الحكومة وحاضنتها السياسية ارسل رسائل مربكة لأصدقاء السودان ، أدت إلى تاخير مؤتمرهم ودعمهم إلى يونيو ، وبالتاكيد كل ذلك من أجل الاطلاع على التوجه النهائي للحكومة السودانية في المجال الاقتصادي بعد مؤتمر مارس ، ومن ثم يقرروا بناءا على ذلك قيمة دعمهم ، ولأن معظم المانحين هم من الدول الرأسمالية وحلفاءها فبالتأكيد كلما اقترب توجه حكومة السودان من التوجه الرأسمالي كلما زاد الدعم والتشجيع ، وكلما ابتعدت الحكومة الانتقالية عن التوجه الراسمالي كلما ضعف الدعم والتشجيع من أصدقاء السودان .

الوضع الاقتصادي الآن يسير في مطبات متعددة من أهم أسبابها بالتأكيد تعنت القوى التي عارضت رؤية البدوي ، فرؤية البدوي هي الرؤية التي تسير العالم الآن اقتصاديا ، هي الرؤية الفائزة في عالم الاقتصاد، اذا اردت ان تفوز فأنت تتبع الفائزين لا الخاسرين، وبمنطق الربح والخسارة عالميا فالدول الرأسمالية هي الفائزة والدول الاشتراكية هي الخاسرة، بل لا توجد في دول المقدمة الاقتصادية العالمية دول اشتراكية بالأساس، فالصين أجرت اصلاحات متعددة على اشتراكيتها جعلتها قريبة من الرأسمالية ، والاتحاد السوفيتي إنهار وتحولت الكثير من الدول المنفصلة عنه إلى الرأسمالية .

من أهم ما تتميز به الرأسمالية هو العمل المستمر والتنافس والجودة في الأعمال، وهي مميزات مرتبطة بالحافز الذي تقدمه الفكرة الاقتصادية الراسمالية وهو الربح ، وهذا ما تفتقده الفكرة الاشتراكية المتفشية في قطاع الأعمال في بلادنا، فالفكرة الاشتراكية تتمحور حول هيمنة الدولة بينما تتمحور الفكرة الرأسمالية حول هيمنة المبدعين وذوو الجودة والانضباط من أصحاب العقول والقدرة على العمل ، البنوك تقريبا هي المؤسسات الوحيدة التي تجد فيها انضباط عالي لدى الموظفين اما مؤسسات العمل العام فالانضباط سيء جدا وإن وجد فإن الجودة في العمل في الحضيض، كل ذلك ناتج من طبيعة ان العمل لدى الحكومة المهيمنة قليل المخاطر بالنسبة للموظف وقليل الارباح وبالتالي الموظف ( شغال على أقل من مهله ) ياتي متاخرا ( ويفطر في ساعة ) ويخرج قبل نهاية الدوام الرسمي ويعمل سنينا عددا بأقل مجهود وأقل جودة ممكنة ، بينما في قطاع الشركات الخاصة فالموظف منضبط ومجتهد في العمل وفي الجودة وذلك لأن هذا العمل المنضبط وهذه الجودة هي طريقه لتحقيق أرباح شخصية وتحسين مستواه الحياتي.

الفرق بين موظف الحكومة وموظف البنك او الشركة الخاصة هو نموذج يوضح الفرق بين الاشتراكية والرأسمالية، في الاشتراكية يعمل الموظف ويستفيد من إنتاجه شخص آخر لا يعمل والمحصلة ان الاثنين في النهاية يصلان الى مرحلة متشابهة من الإنتاج الصفري ، بينما في الرأسمالية من يعمل وينتج يستفيد هو شخصيا ويرتقي معه المستوى العام للحياة في الدولة .

يوم الخميس سيحل بيننا وفد ألماني فهل نعلم أن نهضة ألمانيا صنعتها الشركات الخاصة ؟ هناك ٣ مليون شركة في ألمانيا ، تربح سنويا ٧ تريليون دولار !! هذه التريليونات تساهم في تغيير شكل الدولة وترفع من مستواها في البحث والعلوم وفي جودة الإنتاج وفي الوقاية الصحية وجودة التعليم والتدريب، وهذه هي محاسن الرأسمالية .

هذه ليست دعوة لتطبيق كل اسس وقواعد الرأسمالية بين ليلة وضحاها في البلاد ولا هي دعوة لنسف كل دعوات الاشتراكية وجوانبها الإنسانية، وإنما هي دعوة للبدء في اتخاذ طريقة مخالفة للطريقة التاريخية التي اتبعها اقتصاد بلادنا واشتراكيته المزمنة والتي لم يجني منها البلد خيرا ، ولن يجني منها أبدا، هذه الثورة العظيمة لم تخرج فقط ضد الفساد والدكتاتورية بل خرجت على كل الموروثات التاريخية للسياسة السودانية التقليدية في الحكم والإدارة والاقتصاد ، لا يمكن ان تنتصر ثورة في القرن الحادي والعشرين وتطبق مناهج القرن العشرين في الاقتصاد !!

إذا لم تقد هذه الثورة إلى ثورة اقتصادية كما قادت إلى ثورة سياسية فان النتيجة ستكون مشابهة لما حدث بعد ثورتي أكتوبر وأبريل ، وسيقود العجز الاقتصادي إلى فشل حكومات الثورة وعودة الشمولية ، فاتركوا البدوي وحمدوك يعملان فهما خريجي مدرسة اقتصادية رأسمالية وعملا في اطار المؤسسات العالمية لهذه المدرسة ، ومن كان من الأحزاب السياسية والاقتصاديين يملك فهم اقتصادي مختلف عنهما فليقدمه للشعب السوداني في برنامجه الانتخابي بعد نهاية الفترة الانتقالية .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.