لن تغرق الخرطوم في الدماء

لن تغرق الخرطوم في الدماء
  • 09 مارس 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

المك نمر أحرق اسماعيل باشا في ديسمبر ١٨٢٢ ، الانصار أطاحوا برأس غردون في يناير ١٨٨٥ ، السودانيون عبر التاريخ يحرقون الحكام المستعمرين ، ولا تمتد أياديهم لبني جلدتهم من الحكام وإن طغوا وتجبروا .

لم يغتال السودانيون عبود ولا نميري رغم الظلم والجبروت ، لم يغتالوا البشير الطاغية السفاح ، كان يرقص على مسارح في الهواء الطلق ، على ظهر سيارات مكشوفة ، يجول في الافراح والأتراح ، لم يعترضه أحد، لم يفجره احد ، ليس لأن الشعب جبان ، وإنما لانه شعب يعلم أن الفتنة تطل برأسها حين يضرج الدم مقعد الرئاسة .

اغتال النميري إمام طائفة الأنصار الأمام الشهيد الهادي المهدي ، اعدم قادة الحزب الشيوعي عبدالخالق والشفيع، أعدم شيخ الجمهوريين محمود محمد طه ، ولم تمتد اليه يد بالانتقام ، لم يفجره احد ، حتى بعد أن عاد للبلاد لم يتعرض له الأنصار ولا الشيوعيين و لا الجمهوريين ، تركوه لتاريخه السيء ولحسابه الحق يوم الحق .

لم يكن هذا الصفح جبن ، وإنما وعي ومعرفة بأن الوطن أهم من الأشخاص، وأن الانتقام لا يحل الأزمة الوطنية بل يعقدها ، وان الطريق الوحيد لتصفية الحسابات في المجال السياسي هو القانون او الجماهير . هذا المسلك هو ما حافظ على السودان دولة ووجود ، اشتعلت الحرب فيه نصف قرن فلم يتبدد ، حكمه ثلاث طغاة وشهد ثلاث ثورات شعبية فلم يشتعل بالكامل ، حافظ السودانيون على غبنهم وحنقهم إذاء رؤساء سفاحين وجبابرة ليحفظوا البلاد وأهلها، هم يعلمون أن رأس مال الرئيس الفاسد طلقة واحدة ، ولم يطلقوها ، حفظا للوطن ودرءا للفتنة.

سيطرت الحركة الإسلامية على الحكم بالقوة ، فتغير السودان ، فتح النظام الباب للإرهاب ، حول السودان من بلاد مطمئنة ، تصفح بطيب خاطر عن الظلمة ، إلى بلاد تسرح وتمرح فيها تيارات التطرف والقتل ، تغيرت البلاد حين صدرت الصحف بعنوان ضخم لشخص يبايع البغدادي امير الارهابيين ، تغيرت الخرطوم حين أصبح الطيب مصطفى يتبجح في المقالات والحوارات بأن غزة أحب إليه من الخرطوم ، تغيرت الخرطوم حين هبط بها أسامة بن لادن وأقام بها الكيزان مؤتمرا عالميا للحركات الإسلامية ضم كل منبوذ ومتطرف ، تغيرت صورة الشعب الطيب السمح المسامح حين قتلت مليشيات البشير ٣٠٠ الف مواطن من اولاد البلد ومن سكانها الأحرار . تغيرت البلاد للأسوأ، كادت ملامحها التاريخية السمحة ان تتلاشى ، فكان واجبا إعادتها للطريق المطمئن، كان واجبا التغيير وكانت مقدسة الثورة .

ثار الشعب على الانقاذ لأنها تعمدت طمس هوية الشعب ، زعزعت الإيمان بالثقافة الشعبية ، غيرت طبيعة الناس ونشرت الهوس والتكفير والزندقة ، جعلت عباس يفتح النار على المصلين داخل مسجد الجرافة، زينت لأبناء احد الدعاة اغتيال غرانفيل، صدرت إرهابها للخارج ، حاولت اغتيال حسني مبارك في اثيوبيا، فجرت سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام ، فجرت المدمرة كول في منتصف البحر ، كانت البلاد تسرع الخطى نحو هاوية بلا قرار ، فكانت الثورة ضرورة وعكس المسار حتم .

وقفت الثورة أمام الهوس والتطرف لمنع انزلاق البلاد إلى عراق أخرى من التفجيرات ، وهي تعلم ان بعض السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة قد يتسرب ويتجه نحو التغيير وقادة التغيير ، تعلم أن الثمن الذي دفعه كشة وعبد العظيم ورفاقهما ربما لن يكون الاخير في الحرب ضد الكتائب والخلايا وألوية الظلام، ولكنها كانت على استعداد لدفع الثمن عربونا للطمأنينة وإجتثاثا للتطرف والإرهاب .

من ظن أن هذه الثورة كانت ستواجه فقط نظاما حاكما فهو واهم، هذا الثورة تواجه تنظيما عالميا ، كانت الانقاذ احدي اداوته الفاعلة واحدي محطاته المؤثرة، تشهد على ذلك الضربات المتتالية لارتال الأسلحة في الصحاري وفي بورتسودان وفي قلب الخرطوم ، وعشرات القرارات والعقوبات من مجلس الأمن . هذه الثورة دفعت مهرا غاليا في بداية هذه المعركة ولن تستنكف عن دفع المزيد ، لن يزيدها التفجير الجبان لموكب رئيس الوزراء الا ايمانا بالسير قدما للامام ، لا تراجع لا استسلام حتى تعود من جديد مظاهر الامان والسلام والمحبة .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.