الدكتوراه: جريمة أخرى تستحق المساءلة

الدكتوراه: جريمة أخرى تستحق المساءلة
  • 13 مارس 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد محمود راجي


واحدة من جرائم الإنقاذ التي لا تغتفر، إدخالها الدراسات العليا ضمن حلقة الفساد. فكل قادر على دفع الرسوم مؤهل لحمل درجة الدكتوراه.
أصبح عدد الجهلة من حملة الشهادة الأكاديمية الرفيعة بعدد الذين حصلوا على رتبتي الفريق والفريق أول في الجيش والقوات النظامية الأخرى. كلما رفعت حجرًا وجدت تحته دكتورًا. وللأسف كثيرون منهم استوعبتهم مئات المتاجر التي تطلق على نفسها، جزافًا، كليات وجامعات لا يعرف أحد، على وجه اليقين، عددها. وكثيرون منهم أصبحوا بقدرة قادر بروفيسورات.الخطوة الأولي في إصلاح التعليم العالي هي بإجراء مراجعة فاحصة لكل شهادات دكتوراه التي منحتها الجامعات السودانية خلال الربع قرن الماضي.
قبل سنوات خلت كنت عضوا في لجنة لاختيار مختصين لشغل وظائف حكومية. سوداني يحمل دكتوراه في الإحصاء التطبيقي أثار الدهشة. فهذا الذي تقدم لشغل وظيفة خبير في الاقتصاد القياسي (Econometrics) ، لا يعرف من علم الإحصاء الوصفي (Descriptive Statistic) أساسياته التي يعرفها كل طالب ثانوي، دعك من مطلوبات الوظيفة والمتمثلة في تطبيق الطرق الإحصائية في التقييم العملي للعلاقات الاقتصادية. بعد المقابلة وجهت له سؤلا مباشرًا: هل حقيقة أنت دارس للإحصاء ومتخصص فيها. أجابني، ودون أن يطرف له جفن، بأنه متخصص في الدراسات الإسلامية، ورسالته للدكتوراه كانت في الإحصاء العددي في القرآن. ومكافأة لجهده واحتفاء بعبقريته عينته ذات الجامعة القرآنية محاضرًا بقسم الاحصاء. المشكلة الحقيقية أن طلابًا درسوا عليه علم الإحصاء. معرفتهم من علم الإحصاء ما تجاوزت زكاة الزروع والبهائم والتمييز بين بنت مخاض وبنت لبون والجدعة والحقة من الإبل.
نماذج هذا الأستاذ منتشرون في كل البقالات والدكاكين الأكاديمية التي أسمت نفسها، بتأييد من حكومة الانقاذيين، كليات وجامعات. فشهادات الدكتوراه تحولت مثل الرتب العسكرية الرفيعة الى جزء من منظومة الوجاهة الاجتماعية. وزراء وولاة تجاوزوا السبعين من العمر بين ليلة وضحاها أصبحوا يزينون أسماءهم باللقب المبارك. ولو استمر البشير لعام آخر في السلطة لحصل على الدكتوراه مثلما نالت حرمه المصون الدكتوراه في الاستراتيجية التي فشلت في نطقها.
أما الذين أضافوا إلى أسمائهم حرف الدال لدكتوراه فخرية نالوها فحدث ولا حرج، مغنيات ومغنون، وولاة ووزراء وسكرتيرات وسماسرة بطيخ.
لقد تركت الإنقاذ البلاد في خراب تام، والذين اصطفيناهم لإدارة الفترة الانتقالية يجاهدون فقط من أجل إخراج البلاد من الحفرة التي حشرت فيها.

التعليقات مغلقة.