قراءات ما بعد اجتماع الأزمة بين ثلاثي الحكم

قراءات ما بعد اجتماع الأزمة بين ثلاثي الحكم
  • 12 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

اندهش الكثيرون من اللقاء المفاجيء لأطراف الحكم الثلاثة( مجلس السيادة ، مجلس الوزراء، قوى الحرية والتغيير ) والذي صدر عنه بيان قصير وغير مفهوم في غالبية مفرداته ، الا إحتوائه على الاسطوانة المكررة ( العمل المشترك ) . ففي كل مرة يجتمع الأطراف الثلاثة يخرج بيانا يؤكد أنهم سوف يعملون معا وبصورة وثيقة لمعالجة الأزمات، وهو دليل ضمني على انهم لم يكونوا يعملون معا ، ولكن ما يكاد ينفض السامر حتى تعود ( حليمة لقديمها ) وتبدأ الحرب غير المباشرة مجددا حول قضايا متعددة ، يراها طرف من الأطراف الثلاثة خط أحمر بينما يراها الطرف الآخر منطقة يجب اقتحامها .

سحابة عدم الثقة التي تظلل العلاقة بين مكونات المجلس العسكري ( السابق ) وأحزاب الحرية التغيير منذ ايام فض الاعتصام لا يبدو انها قد انقشعت بعد ، ويبدو أن المعالجات التي وضعت مرارا وتكرارا لم تنفذ إلى سبل تبديد هذه السحابة بصورة مباشرة ، بل تحاشتها وانشغلت عنها بقضايا أخرى ، في انتظار ان يمر الزمان وتتبخر هذه السحابة من تلقاء نفسها ، وهو مالم يحدث بعد ، وما ظل شيء من حتى في دواخل الأطراف جميعا ، يمنع المكاشفة والصراحة، يغطى على الإيجابيات التي تظهر من العمل المشترك ، ويجعل كل طرف أكثر حساسية في قضاياه اذا مست من قبل الطرف الآخر . وهو وضع اقرب للتحفز بين الشركاء من التعاون ، وشراكة لا يعطي فيها شريك ظهره للاخر خوفا وحرصا.

مجلس الوزراء إلى حد ما أقل حدة في الصراع ، هو حتى الآن أكثر المتضررين من صراع العسكر والحرية و التغيير غير الصريح ، مواقفه دوما عرضة للنقد والتمحيص من قبل الطرفين، كل طرف يرى أين ما يصدره الوزراء من جدول اهتماماته ، هذا الجو أثر كذلك على أداء الوزارات ، جعل الوزراء عرضة للتناوش والتنمر ، الدليل على ذلك ما يواجهه وزير المالية من هجمة منظمة من قوى محددة في قوى الحرية والتغيير، استخدمت مؤخرا في حربها ضد الوزير سلاح لجان المقاومة ، تمت تعبئة لجان المقاومة بتصوير الفشل الاقتصادي بانه فشل الوزير فقط ، في حين ان البرامج التي وضعها الوزير لتغطية حاجة البلاد من الاموال تم هدمها وتقويضها جميعا بواسطة ذات هذه القوى المحتجة ، عطلت هذه القوى التواصل مع المؤسسات الدولية، عطلت مؤتمر المانحين، عطلت دعم الدول الإقليمية ، حتى وصلنا إلى مرحلة كورونا وأصبحت دول العالم في نفسها ونسيت السودان ومشاكله في ظل مشاكلها الجديدة مع الفيروس.

لم تتعلم كثير من الأحزاب السياسية في قوى الحرية والتغيير من تاريخها السياسي ولا من تاريخ السودان، فالشاهد ان تاريخنا السياسي ظل تاريخا من الصراع المستمر ، صراع عبثي غير مثمر ، لا يقدم ولا يؤخر ، عطل نهضة البلاد وقاد البلاد للشمولية، وهو نفسه الصراع الذي يعطل الآن سفينة حكومة الثورة ، ويجعل الشركاء الثلاثة كالأعداء اكثر من كونهم شركاء .هذه الطريقة المعوجة في التعاطي مع الشأن السياسي وشأن الحكم تحتاج إلى اختراق جدي لمعالجة جوهر الأزمة، اختراق يقضي على بؤر الخلاف وعدم الثقة ، ويبني منظومة حكم متناغمة ومتعاونة ، تتحرر من ثقل الصراع التاريخي بين الأحزاب السياسية والعسكر .

لا تفشل الحكومات لأن هناك وزيرا لا يعمل ، بل تفشل حين يكون من حولها جو لا يشجع على العمل ، لا يستطيع البشر التنفس في جو مسموم وكذلك الحكومات لا يمكنها النجاح في جو من الصراعات ، لن يتغير الجو الراهن باجتماعات تحوم حول جوهر عدم الثقة ولا تنفذ إليه ، لا يهم المواطن السوداني من الذي يحكم زيد او عبيد، ما يهمه أن يكون هذا الحكم متفرغا لتلبية تطلعاته، فإن فشل بسبب ضيق اليد والعقوبات الاقتصادية كان ذلك عليه سهل التحمل، ولكن ان يفشل نتيجة الصراع على السلطات والمكاسب الحزبية فهذا ما لن يقبله الشعب ، وما لن يتسامح مع وجوده ، وإن تأخر في رد الفعل عليه ، فإن رده اذا حدث سيكون أليما وشديدا ، وأسالوا البشير ان كنتم لا تعلمون .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.