منظمة الدعوة والهيئة العربية والخرطوم العصية

منظمة الدعوة والهيئة العربية والخرطوم العصية
  • 15 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

عواطف عبداللطيف

الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي تأسست في سبعينيات القرن الماضي بشراكة عربية للأمن الغذائي وهي لم تنجز أعلى برج بالخرطوم وقتها، بل ساهمت بقوة وبجودة عالية تحسين المنتجات الزراعية، ونشر التقانات الحديثة، كزهرة عباد الشمس والذرة الشامية والسلالات الحيوانية كالأبقار الفريزون والفراخ اللاحم.

 ضمت في عضويتها21 دولة، وبلغ رأس المال المصرح به 150 مليون دينار، والمدفوع نحو 100 مليون دينار (357 مليون دولار)، وتجاوزت جملة استثماراتها 700 مليون دولار بنسبة 63%.

وأنشأت ١٢ شركة بخارطة ذكية في ربوع السودان لإنتاج السكر والنشاء والجلوكوز، والدواجن، والزيوت النباتية، والبذور، والأعلاف، إضافة إلى تقديم التمويل والخدمات الزراعية لصغار المزارعين، أذكر أن زهرة عباد الشمس وصل قطرها نحو المترين والفراولة والشمام، ربما تحدت مثيلاتها في الدول المنتجة، بجانب أرقى أنواع التغليف والتسويق. وبسبب عقبات إدارية ومالية وخروقات قانونية نقلت الهيئة أغلبية أنشطتها لدول أخرى. قبل سنوات سربت وثيقة لم نتتبع مدى مصداقيتها بأن أحد إخوة مقطوع الطارىء وزوجته دعوا من الإدارة العليا للهيئة لحضور مهرجان النخيل بإحدى الدول الخليجية، وتلقيا فوق ذلك مبلغاً معتبراً من الدولارات. 

منظمة الدعوة الاسلامية هي الأخرى أُنشئت في سبعينيات القرن كإحدى المنظمات الإقليمية التي أُعلن بالأمس عن اقتلاعها، وإلغاء تراخيصها ومصادرة أموالها وأصولها بقرار من لجنة التفكيك والفساد، وتزامن معه  سيل متدفق يتحدث عن إنجازاتها الخلاقة في قرى وحلال وحواري أفريقيا وسط الجوعى والعطشى والمرضى، والذين يشابهون في نمط حياتهم البدائية أهل الكهوف وساكني الأحراش والغابات في وقت يتقدم العالم، ويسابق سرعة الضوء في الرفاهية والدعة، ولا غرابة أن كان السودان هو أيضاً دولة المقر للمنظمة مثلها مثل كثير من الهيئات ولتي يحتضنها السودان بأريحية، بحكم انه دولة ذات مقومات متفردة وجسر للعالم نحو القارة الإفريقية لتوعيته وتثقيفه ورفع قدراته الإنتاجية، وتمليكه أدوات الإنتاج، وسبل كسب العيش والتعلم كمؤسسة إنسانية طوعية، وخبرات منظمة الدعوة التي فاقت الأربعين عاماً في أحراش ومدن أفريقيا والعالم العربي يعتد بها وبمداخيلها الصخمة، وبرغم ذلك لا يجب أن يترك الحبل على الغارب، بل يجب ووفقاً للمنظور الثوري الذي أنشأ بقرار رئاسي لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد أن تبدأ بكشف المستور والخبايا بالمؤسسات المالية والمصرفية والوزارات والشركات، وأن تمتد أياديها للفحص والتنقيب والتحري، ووفقاً للقانون وبلا ضرر ولا ضرار.

اللجنة أوردت أحد أهم حيثياتها لتفكيك منظمة الدعوة الاسلامية بأن البيان الأول لحكومة مقطوع الطارئ تهيأت له أسباب البث من داخل مقرها، وهو مسوغ قوي، ولكن أقوى منه ما جاء ببيان دفوعات مكتب الخرطوم وسردهم لإنجازات المنظمة وعدد لا يستهان به من الآبار والمساجد والخلاوي ودور العلم وإعالة الأيتام واأرامل الخ.

 أحدهم ذكر بصفحته أن أحد القادة العرب اللذين اشتهروا بعطائهم الانساني تبرع بحفر ألف بئر بأفريقيا، وتمت الاتصالات على أعلى مستوى بالمنظمة، بشرط أن تنفذها شركات دولته، فإذا الرد يأتيه من الخرطوم بقبول التبرع، ولكن المدير يرغب بأن تكون مهمة حفر الآبار والسقيا عبر ابنه حديث التخرج، ولنقس على ذلك، فلا المحسنين الكثر الذين يدفقون زكواتهم وصدقاتهم ولا القيم الإسلامية المقدسة التي من أول الدروس التي يجب غرسها في عظم المستهدفين وسط فقراء أفريقيا تجيز ذلك   .

إذن هي معادلة تطرح سؤالاً مفصلياً: هل تنجز هذه المؤسسات الإبهار والتجلي وبميزانيات تتدفق لها من خيرين ومحسنين كثر وثقوا بأهدافها ومساراتها، وبأيادٍ خيرة نظيفة متجردة؟ ولكن هناك أيضاً أيادٍ قذرة مأزومة، وأكثر قوة تنخر فساداً ومحسوبية للدرجة التي تغتال مثل هذه الصروح العملاقة، ولتكون الخرطوم عصية عليهم، حتى ولو فيها الشهد والعسل. لماذا لا يتم التروي والتدارس وتكوين فرق قانونية محاسبية ومن ثقات، وبمشاركة مجلس الأمناء لمراجعة وتمحيص ملفات وأروقة وحسابات وأنظمة منظمة الدعوة الاسلامية واجتثاث الفساد والمحسوبية ومحاسبة المتسببين فيه، وتقديمهم للعدالة، والاحتفاظ بإيجابيات منظمة الدعوة الإسلامية.

وفي حال التسهيلات والاعفاءات، يجب اتخاذ التدابير الصارمة للتأكد من توظيفها في وجهتها المحددة. وكذلك طريقة تمويلها وآلية صرفها وخارطة مستهدفيها حتى ولو تطلب الأمر إعادة صياغة أنظمتها وقوانينها ودون اقتلاع البذور الطيبة من أعماق الأرض.

 وهل تعلم عزيزي القارئ والمحسن ذو المعطاء المتدفق أن قرية أجداد طيب الذكر المشير سوار الذهب دنقلا العجوز أرض الحضارات ومرقد الصالحين لا يوجد بها أي خلوة لتدريس القرآن أو مدرسة أساس تخلد اسمه، ويشكو إنسانها الأغبش اليوم من أن آبارها تدفق لهم مياه ملوثة تروي عطشهم، وتفتك بصحتهم، وهل تعلم أن صبايا رحل بشرق النيل التي هي في مرمى حجر من مقر منظمة الدعوة الاسلامية لا يعرفون شيئاً من دينهم.

وبرغم هذا وذلك، فان على لجنة تفكيك التمكين ومحاربة الفساد أن تزن بميزان العدل الرصين، فمن أوجد العلة أوجد العلاج، واللهم لطفك ورضاك ربي. 

إعلامية وناشطة اجتماعية مقيمة بقطر
Awatifderar1@gmail.com

التعليقات مغلقة.