والله.. حرام عليكم!

والله.. حرام عليكم!
  • 10 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

د. حسين حسن حسين

تفحصت وجوه بعض المتظاهرين في الصور المبثوثة عن تظاهرات الكيزان اليوم (10 يونيو 2020م) في الخرطوم، فوجدت أنها بلا استثناء لتعابى من عامة الشعب، الذي ذاق الأمرين من هذا النظام، حتى أصبح على رأس قائمة الشعوب الأكثر فقراً في العالم.

كيف لا يفقر هذا الشعب، ورأس النظام يتلاعب شهرياً بـ (20 مليون دولار)، تمثل له فكة يفك بها عن نفسه، وعن أحبابه. كيف لا يفقر هذا الشعب، وعلى رأس الخدمة جيش من العطالة الذين لا مؤهل لهم، ولا أخلاق، وكل ما يملكون كتابة التقارير الأمنية، وملاحقة الشرفاء، وإلصاق التهم بهم، كسباً للود، والاستمرار في التمرغ في (الميري).

ولم يكن هذا الأمر مقتصراً على وزارة أو مؤسسة، وإنما كان “الأمنجية” أو البصاصون في كل الوزارات والمؤسسات والهيئات، بل كان هؤلاء أساس العمل الدبلوماسي، فبدلاً من أن يكون همهم رعاية مصالح الدولة والمواطنين في الغربة، كانوا يرعون مصالح الرؤوس الكبيرة في النظام، يتاجرون لهم في المانجو والموز، والعملة، ويهربون لهم الأموال، وفي الوقت نفسه يضيقون على الشرفاء من المغتربين والمهاجرين في البلاد القصية، ويكتبون عنهم التقارير، ويزيدون ويبالغون كسباً للرضا، وتأكيداً لأهمية وجودهم في مناصبهم، حماية للنظام.

أتعجب أن يخرج بعض التعابى في مسيرة تؤيد النظام السابق، ولجنة إزالة التمكين تكشف بالأمس ممارسات رأس النظام التي تصدم كل ذي خلق، وتفضح مدى استهتاره بشعب حكمه 30 عاماً، نال خلالها من الثروات ما يكفي شعباً بأكمله، لكنه بجشع لا يضاهى ظل مستمراً في نيل الرواتب والنثريات شهرياً بملايين الدولارات، والشعب أمامه جائع، لا يجد معظمه قوت يومه، إلى حد أن هانت عليه أرواح أبنائه، الذين نزلوا إلى الشارع فاتحين صدورهم لكل الاحتمالات، عملاً بمبدأ (كدة ميت.. وكدة ميت).

إذا لم تكن هذه التضحيات العظيمة لشهدائنا ومصابينا وكل شرفاء البلد من أجل من حرمهم النظام طوال 30 عاماً من الحياة الكريمة، فمن أجل من؟

التفسير الوحيد الذي لا ثان له، هو أن أهل النظام البائد ما زالوا يوظفون مالهم الحرام في جريمة جديدة قديمه، وهي الاتجار بالبشر من المساكين، الذين يغرونهم للنزول إلى الشارع مقابل جنيهات قليلة لن تنجيهم إذا أصابهم الوباء اللعين (كورونا)، لكن هؤلاء الخبثاء يعرفون أن لسان حال المساكين هو “احييني اليوم وموتني بكرة”.

لكن ما الذي جرأ أهل النظام البائد اليوم (وليس أمس) ليتحدّوا قرارات السلطات والإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة كورونا؟ لا أعتقد أن أحداً لا يعرف الإجابة الواضحة وضوح الشمس.

إنها يا سادة طمع الدنيا الذي يصيب السودانيين ممن نستأمنهم على البلد في المحطات الحازمة. انظر إلى تجمع المهنيين الذي كان أيقونة الثورة، وضابطها، ورائدها كيف أصبح حاله؟ كيف يهدّ الرفقاء بنياناً شيدوه لا من جيوبهم ولا من كدهم، ولكن بدماء زكية سالت وتكفي لتغطية مساحة الوطن، حتى تصبح أنهاراً.

بالله عليكم، ما الذي يدعو إلى هذا الموقف المخزي منهم جميعاً، لا أستثني أحداً، أليس فيكم رجل رشيد يدلكم على ما نحن عليه من تحديات.

ثم انظر إلى قوى الحرية والتغيير التي ما كانت لتكون لولا الدعم الشعبي ووقوف الشباب في ساحة الفداء في ميدان القيادة متحدين الرصاص لا مجال فيه للتمايز بلون أو عرق أو حسب أو نسب أو حزب. كان هذا الموقف الوطني هو ما نسج خيوط هذا التحالف العبقري للشعب السوداني. ولكن ما حاله اليوم؟ تدافع بالمناكب، ونهم للسلطة، وتسارع لإقصاء الآخر.

انظر إلى الحكومة، لهتها كورونا إلى جانب ما هي عليه من إلهاء لضعف أداء معظم وزرائه، وللصراع الدائر بين مكونات (قحت)، والصراع بين المكونين العسكري والمدني.

وهذا الوضع لا بد أن يشجع الواقفين على رصيف الانتظار للانقضاض على الثورة من أمثال شمس الدين كباشي الذي لا يفوّت فرصة إلا ويتحدّى ويتوّعد، ويصرح ببجاحة أن لا حكم من دون حماية العسكر، أليس هناك شجاع يقول له: إن ما نحن عليه من موقف مزرٍ سببه العسكر ولا أحد غيرهم، ويكفيه مثالاً الرئيس المؤمن التقي البشير الذي نثرياته في اليوم تفوق نثريات رئيس أكبر دولة في العالم وفريق عمله، وأقصد طبعاً الولايات المتحدة.

وإذا كان الأمن مهماً للاستقرار، والتنمية، فليعلم كباشي أننا في ظل العسكر لم ننعم لا بأمن ولا استقرار ولا تنمية، بل فقدنا جزءاً عزيزاً من بلادنا، وأهدر النظام موارد بلادنا في حماية العسكر الذين كان ولاؤهم للنظام لا للبلد.

وليعلم كباشي أيضاً أنه لن ينصلح حال هذا البلد ما لم يذهب كل من تنعموا وأخذوا النياشين والرتب في ظل النظام البائد، ولكن أعلم أنا أيضاً أن تحقيق مثل هذه الأمنية لن يكون ما دمنا في شقاق في تجمع المهنيين، وقوى الحرية والتغيير، والقوى السياسية التي تتصارع فيما بينها، وتتصارع كل قوة في داخلها، حتى أصبح الشقاق عنوان المرحلة، كما لو أننا وصلنا إلى بر الأمان، ونسينا الذئاب المتربصة بالفريسة.

 مآل هذه الملهاة معروف هو بيان يأخذها ذريعة ليوعدنا بإصلاح الحال، وإليكم البيان: “إن قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني، صونًا للعرض والكرامة، وتترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة، وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية بقيادة الأمة لتحقيق أدنى تطلعاتها في الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي”، فقط سيكون التعديل على النحو الآتي: “وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية (لازم تكون في أي بيان) “وتجمع المهنيين وقحت (سيكون بهذا الاختصار) والحكومة الانتقالية بقيادة الأمة لتحقيق أدنى تطلعاتها في الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي الأحزاب السياسية”، والاستثناء الواضح عدم ذكر مجلس السيادة، لأنهم – أي العسكر- جزء منه.

أتعرفون البيان الأساسي لمن؟ إنه للص نثرياته 20 مليون دولار في الشهر، لرئيس دولة يتاجر بالعملة، ولم يترك محتالاً في داخل البلاد وخارجها إلا أخذه سنداً وظهيراً.

والله حرام عليكم.. يا من عقدنا عليكم الآمال.

التعليقات مغلقة.