بعض النقد والتقدير للجبهة الثورية

بعض النقد والتقدير للجبهة الثورية
  • 27 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

رغم خطيئتها الكبرى في اصرارها على عدم تعيين الولاة المدنيين والمجلس التشريعي الا بعد توقيع اتفاقية السلام ، الا اننا يجب أن نعترف بان الجبهة الثورية تظهر حرصا مستمرا على التفاوض وعلى تحقيق السلام من خلال التفاوض، وهو سلوك إيجابي لا يمكن الا البناء عليه والوصول عبره إلى اتفاق سلام صادق ومتماسك .

الجبهة الثورية أرسلت وفدا رفيع المستوى في مايو ٢٠١٩ إلى السودان للمشاركة مع الجماهير بالداخل في انتصار الثورة ، تم استقبال الوفد في ساحة اعتصام القيادة العامة استقبال الفاتحين من قبل الجماهير، هذه الخطوة كان لها أثر كبير ، اذ شعرت الجماهير بأن ما أنجزته من ثورة قربت بسرعة أحلام الشعب السوداني في إحلال السلام الشامل العادل وتوحيد لحمة الوطن . لاحقا ضاقت حكومة المجلس العسكري ذرعا بوجود هذا الوفد المكون من ياسر عرمان وخميس جلاب ومبارك اردول واعتقلتهم بطريقة مذلة ثم ارسلتهم معصوبي الاعين في طائرة خاصة إلى جوبا ، وكانت هذه هي احدي أخطاء حكم المجلس العسكري ، والحقيقة أن فترة حكم المجلس العسكري كانت كلها أخطاء، فترة مظلمة جدا وكارثية كان السودان فيها تحت حكم حكومة ضيقة الأفق وقصيرة النظر، ولم ينصلح الحال الا بعد توقيع الوثيقة الدستورية وتعيين الحكومة الانتقالية .

انشقاق حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي عن الجبهة الثورية كان علامة سيئة عن صراع داخل الجبهة الثورية ، وتوقع كثير من المتشائمين ان ينتهي شهر عسل المفاوضات ويتعثر السلام ، ولكن فاجأت فصائل الجبهة الثورية الجميع وعبرت فوق هذا المطب وأعلنت استمرارها بذات الوفد ، ولكن معبرا عن فصيلين ، وبلا تغييرات جوهرية في مسار التفاوض ، وهو موقف يؤكد مجددا حرص هذه الحركات المسلحة في إنجاز السلام وفي العبور من منطقة الحرب إلى السلام .

ما نعيبه على الجبهة الثورية ايضا انها كانت جزء من كتلة كاملة اسمها نداء السودان ، وهي كتلة تعرض القادة المدنيين حين وقعوا على إعلانها في باريس لتهديدات من الانقاذ تصل عقوبتها للاعدام باعتبار انهم وضعوا ايديهم في أيدي حركة مقاتلة ، الموقف الشجاع ذلك من قادة حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني وبعض المنظمات المدنية والشخصيات السودانية لم يجد التقدير الملائم حين انفردت الجبهة الثورية بمفاوضات عملية السلام لوحدها مع الحكومة الانتقالية بعيدا عن الشق المدني في نداء السودان ، وهو موقف أعاد للاذهان موقف جون قرنق والحركة الشعبية من رفقاءها من الأحزاب المتحالفة معها في التجمع الوطني الديمقراطي في توقيع اتفاقية السلام في ٢٠٠٥م ، هذا الموقف غير السليم من الجبهة الثورية ربما هو ما قاد الإمام الصادق المهدي للاستقالة من رئاسة نداء السودان بفهم أن ما فائدة تحالف يذهب كل جزء منه للتفاوض المنفرد .

الجبهة الثورية يحمد لها انها لم تقحم مفاوضات السلام في الجدل العقيم والسفسطائي حول الدين والدولة وإنما ارجأت كل ذلك ليناقش في المؤتمر الدستوري بحضور جميع أهل السودان ، وهو موقف وطني ومتقدم جدا على موقف الحركة الشعبية جناح الحلو التي تصر على ادارج العلمانية او تقرير المصير في المفاوضات مما اظهرها بمظهر الحركة الانتهازية التي لا تقيم وزنا للثورة الشعبية ولا تقدر ان الموقف من هذه القضايا يستوجب إجماعا سودانيا ليس متوفرا في حكومة انتقالية ، وان الفترة الانتقالية التي جاء بها الشعب جميعا وبتضحياته الغالية يجب أن يشارك فيها جميع أبناءه ويجلسوا سوية متساويين في حضرة ثورة الشعب والدهم ، ليتناقشوا حول كل القضايا ، السلطة والثروة والهوية وجميع أسباب النزاع التاريخي في محافل جامعة يحضرها ممثلين عن جميع افراد وكيانات الشعب ، يدخلها الجميع بعزم واحد للقضاء على أسباب الحرب والفرقة والجراح ، ويخرجوا منها متفقين على بداية جديدة لوطن جديد يعالج كل إشكالاته التاريخية بسعة صدر وسلامة طوية ، ولا يترك شاردة ولا واردة الا ووضعها امام الجميع وناقشوها واخرجوها في دستور دائم يلبي تطلعات الجميع في وطن واحد وشعب واحد وهوية سودانية جامعة .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.