توجيه مفاجئ

توجيه مفاجئ
  • 17 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

د. محجوب آدم


في بداية مشواري في حقل التدريس.. ممزوجاً بعنفوان الشباب .. دخلت مدرسة أجنبية للبنات .. وأي بنات ؟ !.. بنات حركن مشاعر صديقي التجاني يوسف .. الشاعر المعروف .. فكاد أن يفتن بهن ، ويهيم بجمالهن فتغنى بحسنهن ، وأوشك أن يخرج من الملة ، وهو يقول : وعبدناك يا جَمال … ويقول غيره ممن اكتوى بالمعاينة أنه كان متواضعاً في شعوره ، متبلداً في الإحساس .. ويزعم أن من رآهن رأى الجمال البشري كله .. وعانى الوجد كله .. إلا إذا كان ريفياً مثلي ، بلسان غير فصيح ، وسلوك غير متحضر .. غير أن صديقي أبو صلاح لاحظ ـ وإن كنت لا اتفق معه في كل ما ادعى لإغاظتي ـ

أنني بدأت استخدم المنديل ، وأغير القميص كل يوم ، وأقف أمام المرآة أحياناً .. وانخفضت درجة صوتي كثيراً .. ولجأت إلى الابتسامة بدلاً من الجلجلة في الضحك بسبب أو غير سبب .. وانتظمت في مواعيدي .. بل رآني أكثر من مرة وأنا أتهيأ للخروج حتى في أيام الأحد ( العطلة الأسبوعية ) ناسياً طبعاً .. لكن ما اتفق معه أنني كنت أجلس الساعات الطوال لتحضير دروسي ،

مستعيناً بخبرته التدريسية غالباً .. ولم أتخلف عن طابور الصباح إلا مرة واحدة : فلما طرقت الباب تلك المرة كانت المديرة من خلفه .. وانهالت تلومني بلغة جمعت بين الإيطالية والإنجليزية .. وفهمت بعد عناء شديد أن الموجه الفني مع البنات في الفصل .. ولم تشفع لي كل اعتذاراتي ( بالعربية طبعاً ) أن لي موعداً لابد أن أبلغه ، وأني ما جئت اليوم لأدرس .. وبدلاً من ذلك أخذتني من يدي وأسرعت بي بين الصفوف ، ثم دفعت بي داخل الفصل .. وكان الرجل حينئذٍ يصول ويجول ،

وصوته يجلجل ، وما أن خطوت خطوة في الفصل إذا به ينسحب إلى كرسي بجوار السبورة ، ويفتح حقيبته الجلدية الحمراء ، ويخرج دفتره الكبير ، وبدأ يسجل شيئاً .. فآثرت أن أتوجه إلى البنات .. وماذا يمكن أن يفعل مدرس مبتدئ في هذه الحالة .. وكيف يقدم حصة بدون تحضير .. والمصيبة أن الموجه يعد عليك أنفاسك .. ويبحث عن أخطائك .. قلت فلتكن الحصة ( إنشاء ) .. قلن في صوت واحد : حصة الأمس كانت إنشاء ، إذن الحصة أدب .. قلن : حصة الأدب غداً ، ولم نأت بالكتاب .. إذن ( مكره أخاك لا بطل ) ولا حل إلا في قواعد النحو ..

وبدأت الحصة .. أقصد المحاضرة .. عندما انتهيت منها كيفما كانت طلبت أن يفتحن الكتاب ، وقلت في زهو المنتصر : المطلوب حل التمرين الأول والثاني .. قالت سليطة اللسان : ألم نحلهما قبل أسبوعين ؟! .. وخرج المفتش .. وخرجت ..
بعد سنوات طوال ..

وفي حلقة تدريبية ذكر أحد الحاضرين مثالاً سيئاً لعدم التحضير في الدرس ، وحكي قصة شبيهة بقصتي .. سألته باهتمام : ما اسم المدرسة ؟ .. كانت مدرستي .. كل الأجوبة عن أسئلتي المتعددة كانت تشير أنه يقصد حصتي .. فسألته : ما اسم المدرس ؟ قال دون تفكير : لا اذكره .. فقلت بسرعة : الحمد لله الذي أنساكه .. قال في تعجب : وما الذي يهمك من أمره ؟ قلت في سذاجة : لأني كنت ذلك المدرس …

الوسوم د.-محجوب-آدم

التعليقات مغلقة.