الطريق نحو الديمقراطية المستدامة

الطريق نحو الديمقراطية المستدامة
  • 19 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

لا يختلف سودانيان اثنان على ان الدكتاتورية هي أسوا أنظمة الحكم، والديمقراطية أفضلها، و مع ذلك لا نصبر على الديمقراطية، لا نحميها كشعب ولا تدافع عنها قواتنا المسلحة، لم يشهد اي انقلاب دكتاتوري ممانعة جماهيرية او مقاومة عسكرية لحظة الانقلاب !! فهل السبب في الشعب ام الجيش ام السياسيين؟ وهل هذا السيناريو مرشح للحدوث بعد ثورة ديسمبر؟ وكيف نمنعه؟

ساورد بعض المشاكل التي لو استطعنا معالجتها سننجح في الدخول إلى عالم الديمقراطية المستدامة. اولها المشاريع الايدولوجية التي تعمل على الوصول إلى السلطة بأي طريقة من أجل تطبيق برنامجها الايدولوجي محطمة في طريقها مفهوم الوطن الجغرافي ومعاني الديمقراطية، مثال عليها مشروع الحركة الاسلامية، الذي انقلب على الحكم الديمقراطي في ١٩٨٩ وأقام دولة الإنقاذ، والمثال الآخر هو المشروع اليساري الذي انقلب على الحكم الديمقراطي في مايو ١٩٦٩. الجماهير اسقطت المشروعين بثورات شعبية ولكنها لم تحصن نفسها من عودتهما مجددا. مشروع الحركة الإسلامية بعد سقوطه في ثورة ديسمبر لم يعد مرشح للعودة مرة اخرى على الأقل لعشر سنوات قادمة، بينما المشروع اليساري مر على انقلابه السابق نصف قرن وقد يعود مجددا.

لا مانع ان يقدم أصحاب المشاريع أعلاه أنفسهم للجماهير عبر الديمقراطية الانتخابية، فإن فازوا بالانتخابات سيدعمهم الجميع في تنفيذ برنامجهم، ولكنهم يائسون من حكم السودان عبر الإنتخابات، في ظل هيمنة أحزاب الوسط على الجماهير، لذلك يحصرون أنفسهم في خيارين للحصول على السلطة، الانقلاب او السيطرة على ثورة شعبية. معالجة أزمة أحزاب المشاريع الايدولوجية اليائسة تمثل أولوية في طريق استدامة الديمقراطية، لا تكفي دوائر الخريجين لحل هذه الإشكالية، هناك حوجة لأفكار مبتكرة تستوعب هذه المشاريع في مشروع وطني ديمقراطي يستهدف البناء بعيدا عن الصراع الايدولوجي.

ثاني المشاكل هي العسكر، استسلام العسكر للاستقطاب بواسطة الأحزاب السياسية لتكوين فريق انقلابي على الديمقراطية هو مشكلة تحتاج لمناقشة شفافة، المطلوب من هذا النقاش الوصول إلى مشروع قومي عسكري، يستهدف تطوير عقيدة عسكرية ممانعة للانقلابات، مؤمنة بشرعية الحكم المدني الديمقراطي، ملتزمة بالدفاع عنه في اي وقت واي مكان، غير متأثرة بواقع الحكم الديمقراطي وازماته السياسية والاقتصادية، ومستيقنة بأن الديمقراطية كما دلت جميع التجارب تتماسك باستقرارها وتفيض على الشعب خيرا باستمرارها.

ثالث المشاكل التي تواجه استقرار الديمقراطية هو ضعف التعليم، الأمية وفق تقديرات حديثة تبلغ اكثر من ٣٠% بين الرجال وأكثر من ٥٠% بين النساء في السودان. وهي نسب كارثية لدولة في القرن الحادي والعشرين ، ليس سهلا بناء ديمقراطية مستدامة في مستنقع جهل، الجهل يفرخ الخلاف والحرب والعصبية ويقود في خاتمة المطاف الى الدكتاتورية، التركيز على التعليم الحديث، وإنتاج أجيال متعلمة سيوسع الحاضنة الجماهيرية للديمقراطية، ويزيد من فرص استقرارها واستدامتها.

هذه المشاكل لن يتم التغلب عليها بالتمني، وإنما بالإقرار بها ومواجهتها وعلاجها، العمل على بناء مشروع وطني جمعي يقسم عليه الجميع أحزاب سياسية وجيش وجماهير، بان يكون صندوق الانتخابات هو الطريقة الوحيدة لحكم البلاد، وأن يقف الجميع مع من يختاره الشعب مهما كان الخلاف، وأن يقف الجميع ضد أي انقلاب مهما كان رأيهم في الحكومة الديمقراطية المنتخبة، هذا هو الطريق الوحيد نحو الديمقراطية المستدامة، وليس سواه الا طوفان الطغاة وظلمهم.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.