في ذكرى معركة كرري

في ذكرى معركة كرري
  • 02 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

تمر اليوم ذكرى معركة كرري الخالدة، التي كانت احدي الفصول الملحمية في مسيرة الاستقلال الأول للسودان على يد محمد احمد المهدي ومن معه من السودانيين والسودانيات الابطال، الذين تحولوا في ظرف وجيز من مستعمرين مستسلمين إلى ( أسياد بلد ) أحرار، منتزعين حريتهم من أعتى امبرطورية في ذلك الزمان، الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس. انتصار الثورة السودانية على غردون احد خيرة ضباط المدرسة الحربية الانجليزية مثل دليلا على براعة اجدادنا في القتال وحماستهم وبسالتهم التي قل ان يجود الزمان بمثلها.

كرري مثلت غروب شمس الحرية في بلادنا ودخولنا مجددا في عهد الاستعمار، ولكنها رغم ما مثلته من هزيمة عسكرية الا انها في الواقع كانت انتصارا ساحقا على فكرة الاستسلام للاستعمار، إذ أن المستعمر لم يعبر إلى الخرطوم الا على أجساد آلاف السودانيين، وهي لوحة ظل يختزنها العقل الاستعماري طيلة فترته اللاحقة وظل مؤمنا في قرارة نفسه ان هذا الشعب دفنت اجساده نعم في أرض كرري، ولكن ارواحه حية تسعى في الأرض في عيون الأطفال وفي رمل الأرض وفي مياة النيل، لذلك كان تعامل المستعمر شديدا وقاسيا مع أي تحرك او تجمع لسودانيين يلمح إلى استعادة روح الثورة المهدية فاعدم ودحبوبة وقادة اللواء الابيض، بينما كان كريما جدا في عطاياه العينية في المدارس والسكك الحديدية متوددا إلى الشعب السوداني باكتشافات العصر ومنجزاته الحديثة، ولكنها في النهاية ظلت جميعها مجرد هبات لا تشتري الأرواح ولا تساوي الحرية.

لا يمكن أن يمل سوداني من قراءة تاريخ ثورة استقلال السودان الأولى، التي كانت في كل شيء ( معجزة)، معجزة في قيادتها الشابة( توفي المهدي في عمر ٤٢ سنة)، معجزة في انتصاراتها، حيث لم تهزم قط، معجزة في قضاءها على جيش مكتمل العدة والعتاد ومدرع باحدث الأسلحة في ذلك الزمان ومدرب على أفضل طرق التكتيك الحربي، جيش هكس باشا، معجزة في الفترة القياسية بين انطلاق الثورة وتحرير الخرطوم اقل من خمسة سنوات هو كل ما احتاجه اجدادنا العظماء ليصرعوا أعظم دولة في ذلك الزمان، ويطردونها عن أرضنا السمراء.

سنستعيد كلما استدار الزمان وجاء الثاني من سبتمبر ذكرى كرري، ذكرى الرجال الذين قال عنهم جورج وارنجتون ستيفنز في كتابه مع كتشنر إلى الخرطوم، ( كانوا أكبر وأفضل وأشجع جيش قابلنا على الإطلاق ) وقال عنهم تشرتشل في كتابه حرب النهر ( انهم اشجع رجال مشوا على وجه الارض)، لهم الرحمة والمغفرة والخلود.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.