حمدوك والحلو واليسار والعلمانية

حمدوك والحلو واليسار والعلمانية
  • 04 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

تساءلت في مقال الأمس الخميس هل يرضخ حمدوك للحلو؟ وجاء الرد صباح اليوم الجمعة بنعم، وصدر اتفاقا مشتركا وبيانا مشتركا حمل بذرة الإقرار بتقرير المصير للمنطقتين وهو للاسف أخطر إقرار يمكن التوقيع عليه علنا بواسطة حكومة انتقالية.

قبل ايام كذلك نشرت مقال بعنوان المشروع اليميني والمشروع اليساري وحكم السودان، وفيه أشرت إلى أن المشروعين اليميني واليساري فاشلين في الوصول إلى حكم السودان عبر الانتخابات لأنهما لا يملكان الجماهير، التي يملكها حزبي الوسط الأمة والاتحادي، ولذلك يسعى أصحاب المشروع اليميني المتزمت وأصحاب المشروع اليساري الراديكالي إلى تنفيذ اجندتهما عبر خيارات أخرى غير ديمقراطية مثل الانقلاب والسيطرة على الثورات الجماهيرية، وقد حاول المشروعان الخيار الأول بانقلابهما على السلطة الديمقراطية في عام ١٩٦٩ وفي عام ١٩٨٩ ولكنهما فشلا فشلا ذريعا، والآن يجرب اليساريون الخيار الثاني وهو خيار السيطرة على ثورة ديسمبر وتحريك الجماهير من على البعد بالريموت كنترول وتوجيهها نحو أهداف المشروع اليساري.

خطة اليسار السوداني تمضي حثيثا للسيطرة على ثورة ديسمبر، حيث سيطروا على ثلاث كتل من اصل خمسة في قوى الحرية والتغيير، سيطروا على تجمع المهنيين عبر انتخابات مخجوجة ومزورة، اخترقوا لجان المقاومة الخرطوم، سيطروا على رئاسة الوزراء عبر شلة يسارية متمكنة من مكتب رئيس الوزراء، وها هم يوقعون عبر تحريك رئيس الوزراء عبر الشلة على صك إكراه الشعب السوداني على إقرار علمانية الدولة بدون استشارته او اخذ رأيه، وكلها أفعال في الخفاء لا ترى الجماهير يساريتها الراديكالية بأم أعينها وإنما تساق إليها كالمنومة مغناطيسيا.

ما لا ينتبه إليه التيار اليساري هو ان إكراه الشعب السوداني على تطبيق العلمانية او الانفصال، يشابه إكراه الكيزان للشعب السوداني على تطبيق منهج الكيزان الديني او بيوت الأشباح، وهي نفس العقلية الشمولية التي تستخدم السلطه لإكراه الشعب، وهي وسيلة فاشلة، ففي عرف الدول والمجتمعات التحولات المجتمعية والسياسية الكبرى لا تحدث بالاكراه بل بالإجماع عبر المؤتمر الدستوري الجامع او الاستفتاء، الاكراه بقوة السلطة لا يقود الى سلام في قضايا الحرب، بل يقود إلى مزيد من الحرب والاختلافات والفتن.

التيار اليساري سيكون واهما ان ظن ان السلام الشامل يأتي عبر نصوص اتفاق مع حركة مسلحة، السلام يأتي بالتحولات داخل المجتمع، برفض الحرب وكساد تجارتها وعزل اباطرتها وتجارها، او بايمان قادة الحرب بان السعي للحقوق في العصر الحالي لا يتم عبر السلاح وإنما عبر النضال المدني من الداخل كما فعل مانديلا وغاندي ومارتن لوثر كنغ والشعب السوداني ضد عبود ونميري والبشير، حملة السلاح لا يسعون للسلام بل للانفصال او الحرب، لأن السلام يجردهم من امتيازاتهم ويعيدهم مواطنين عاديين يدخلون الانتخابات ويسقطون.

يظن اليسار الراديكالي أنه عبر إقرار العلمانية يمكنه دق إسفين بين الأحزاب السياسية الوسطية مثل الأمة والاتحادي وجماهيرهما وبالتالي اسقاطهما في الانتخابات، وهو مخطيء، أقرب الامثلة للدول المسلمة التي طبقت العلمانية يثبت العكس، تركيا العلمانية يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية وهو حزب اسلامي، تونس العلمانية فازت فيها حركة النهضة بالانتخابات وهي حركة اسلامية، لذلك لن يغير واقع العلمانية من طبيعة صندوق الانتخابات في السودان وسيظل اليسار معزولا في السودان وفي بقية الدول ذات الغالبية المسلمة لان اليسار في كثير من مناهجه وتجلياته يصادم العقائد الاسلامية ويزدريها.

يبقى ان نقول ختاما ان اتفاقيات الحكومة الانتقالية التي يتم التوقيع عليها لحل قضايا الحرب والسلام في السودان اذا لم تعرض على الجماهير السودانية لتقول كلمتها فيها عبر مؤتمر دستوري جامع، فإنها لن تمثل سوى مجرد اتفاقيات ثنائية تضاف إلى القائمة الطويلة من الاتفاقيات الثنائية الفاشلة عبر مسار تاريخ السياسة السودانية.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.