ضاعت الوديعة المليارية

ضاعت الوديعة المليارية
  • 16 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

يحاول الكثيرون البحث عن حلول عاجلة لازمتنا الاقتصادية المتفاقمة، وهي أزمة ببساطة نتجت من اختلال ميزان المنصرفات والدخل ، منصرفات البلاد أعلى بكثير من دخلها، وبالتالي اذا لم يرتفع دخل البلاد إلى ما يعادل او يفوق منصرفاتها فإن الأزمة الاقتصادية لن تنتهي. عملية رفع دخل البلاد ليست عملية سهلة، لا تحدث من العدم، ولا تهبط من السماء، إنما يتم التخطيط لها ودراسة مصادر قوة اقتصاد البلد وكيفية الاستفادة المثلي منها في رفع جودة الاقتصاد وتطوير قدراته التنافسية في المحيط الإقليمي والعالمي.

ملخص الازمة الاقتصادية هو ان دخلنا منخفض ومنصرفاتنا عالية، لتغطية هذا الفرق والوصول إلى تعافي اقتصادي هناك طريقين، الاول أن تاتينا منح وودائع مالية دولارية ضخمة من الشركاء والاصدقاء من دول العالم، الودائع ستوفر رصيدا نقديا من العملة الصعبة يرفع من قيمة الجنيه مقابل الدولار وبالتالي ينخفض التضخم ويسترد الاقتصاد أنفاسه. الطريق الثاني زيادة إنتاج البلاد في كل المجالات، بحيث يغطي عائد الانتاج حاجة البلاد الاستهلاكية الداخلية ويصدر فائض كافي لاستيراد نواقص البلاد من الوقود والقمح والادوية وغيرها .

الخيار الأول، خيار الوديعة المليارية العالمية فشل للاسف، العالم لم يقدم الدعم المالي المطلوب للحكومة الانتقالية ولبرنامج وزير المالية المستقيل ابراهيم البدوي، فالرجل جاء ولديه برنامج واضح بني في شق كبير منه على وعود بمنح وودائع مليارية، تساعد البلاد على تخطي الفترة الحرجة، ولكن للاسف لم يأتي منها شيئا يذكر حتى مغادرة الوزير للوزارة، ولا يمكن لوم الوزير على هذا، فهو قد قدم برنامجا اقتصاديا شفافا وطموحا ولكن اللجنة الاقتصادية لقحت والحزب الشيوعي وقفا بالمرصاد لهذا البرنامج، وامعانا في افشاله أقام الحزب الشيوعي ندوات شهيرة إتهم فيها علنا دول صديقة مثل الإمارات والسعودية وأمريكا بانهم يريدون إفشال الثورة عبر سياسات البنك الدولي والنهج الرأسمالي الإمبريالي!

وسارت على ذات المنوال جميع لافتات الحزب الشيوعي، حيث أصدرت السكرتارية الجديدة لتجمع المهنيين عددا من الاتهامات لبرنامج البدوي والحكومة الانتقالية، كما تم اختراق عدد من لجان المقاومة وإخراجها في مسيرات ضد برنامج البدوي وصلت هذه المسيرات حتى مباني وزارة المالية، بل وصل الأمر إلى تكوين لجنة مقاومة داخل وزارة المالية الاتحادية كان اعضاؤها يقفون يوميا وقفات احتجاجية داخل الوزارة وتحت مكتب الوزير رفضا للسياسة الاقتصادية التي ينتهجها، كل هذه السلوكيات قادت إلى شيء واحد وهو الشك الدولي في برنامج الحكومة الاقتصادي، فالحكومة في شخص البدوي وحمدوك تتحدث عن برنامج اقتصادي، بينما اللجنة الاقتصادية للحاضنة السياسية (قحت) تتحدث عن برنامج اقتصادي مختلف تماما، هذه الفوضى والاضطراب تسببت في خفض حماس العالم لدعم برنامج البدوي، وضاعت على الشعب السوداني فرصة الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية مبكرا بواسطة سلوكيات بعض الذين يجعلون الايدولوجيا مقدمة على مصلحة الشعب السوداني.

الخيار الثاني، زيادة الانتاج لتغطية فرق الميزانية، هو خيار استراتيجي لكل بلد في العالم، ولكنه يحتاج زمن، ولن تظهر اثاره بسرعة كما هو الحال في حالة الوديعة المليارية، وبما أن الامل في الدعم الخارجي الضخم أصبح بعيد المنال بعد استقالة البدوي، فإن التركيز على الانتاج يجب أن يكون هو أول الأولويات للدولة، ولكن هذا يستوجب اطلاع الجماهير ومصارحتها بتعديل البرنامج الاقتصادي، وأن البرنامج هذا هو الأمل الوحيد وانه لن يؤتي أكله قريبا ولكنه سيكون علاجا شافيا ومستمرا على المدى المتوسط والبعيد، اذا سمعت الجماهير حديثا مسؤولا ومدعما بالأرقام من الجهاز الاقتصادي بالحكومة حول كيف ستتم زيادة الانتاج خلال السنتين والخمسة والعشرة القادمات، سيشعر المواطن بالأمل وسيؤمن بهذا البرنامج ويدعمه ويدافع عنه، وايما برنامج قومي امنت به الجماهير، سينجح نجاحا باهرا وسيصل إلى نتائجه المتوقعة قبل اوانه المحدد بكثير.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.